عاهات الخدمة المدنية

 

نهى محمد الأمين أحمد
nuha25@yahoo.com

كثيراً ما أشتكي لشقيقتي عن متاعب الوظيفة، وكيف أنني ظللت دوماً أعاني من الشعور بعدم الاكتفاء من وظيفتي، وقد تعرضت كثيراً للظلم، التهميش وعدم التقدير، ليس لتقصير في الأداء أو ضعف في الخبرة والمؤهلات العلمية، ولكن لأن لدي شخصية فاشلة في استقطاب المديرين، فطريقتي شديدة الوضوح في طرح الأمور وتسليط الضوء على الحقائق، والتعبير عن رأيي صراحة ومواجهة الأخطاء بالرفض، بالإضافة إلى عدم مقدرتي تماماً على كيل المديح للرؤساء والمديرين (تكسير التلج)، هذه الصفات في شخصيتي تجعل مني موظفاً غير محبوب من المديرين، خصوصاً في دولة مثل السودان تعاني فيها الخدمة المدنية من الأمراض المزمنة, الإعاقة والعاهات بمختلف أنواعها، وغياب القوانين والتشريعات التي تحمي الحقوق والواجبات،
قديماً قالوا إن من أمن العقوبة أساء الأدب، وفي داخل دواوين الخدمة المدنية تمارس أعتى درجات الديكتاتورية، وغالباً ما يعتبر المدير العام أن المؤسسة هي ملكه الخاص، فيعيث في الأرض فساداً، ويكون رأيه الشخصي، وانطباعاته هي المعيار الذي تدار به مؤسسات غاية في الأهمية، وهو مطمئن تماماً بأنه ليس هناك من سيحاسبه،
المضحك المبكي في الأمر أن شقيقتي التي حصلت على الشهادات العليا من الولايات المتحدة الأمريكية وتعمل في وظيفة مرموقة هناك، وحاصلة على الجواز الأمريكي، أخبرتني أن مسألة (شخصنة العمل) هذه موجودة أيضاً في أمريكا، وهي أيضا تعاني الأمرين من رئيستها المباشرة التي تعاملها بطريقة مختلفة عن بقية الموظفين، بطريقة فيها الكثير من التحامل والترصد، وقد عزت أختي ذلك السلوك ربما للعنصرية، فالعنصرية رذيلة مترسخة الجذور في المجتمع الأمريكي، وتصل إلى حد الهوس في الكثير من الأحيان، وبالرغم من الشعارات التي ترفعها دول الغرب عن الحقوق والمساواة، إلا أن الكثيرين يدينون بالولاء للعنصرية البغيضة، ولكن الفرق بيننا وبينهم أن القانون هناك يعلو على الجميع، والكل يخضع له، والكل يتعرض للمساءلة، وحتى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تتم مساءلته ومحاسبته على أخطائه، بمعنى أنه دائماً ما يكون (سيدي بسيدو)،
الشاهد في الأمر أن الشر سلوك متأصل في بني البشر، وقد بدأ مع مولد البشرية، وقد قتل قابيل أخيه هابيل، نتيجة للغيرة والحسد،
لولا الخوف من العقوبة لما كان هناك حدود لممارسة الشر بين البشر،،
الناس مختلفون، وبينما هناك من هم مثلي، تنقصهم مهارة استقطاب الرؤساء، هناك من هم على أقصى النقيض، فتجدهم في كل العهود هم المقربين للرؤساء، قادرون على كسب ودهم وثقتهم، وهذا بالطبع مؤشر يصعب تصنيفه، فأي إنسان لكي يكون شخصاً سوياً يجب أن يتفق مرة، يختلف مرة وقد يلزم جانب الحياد مرة،
أثق تماماً أن مقالي هذا سيثير شجون الكثيرين، الذين ذاقوا الويلات وتعرضوا للظلم في وظائفهم جراء شخصنة العمل، وكم من كفاءات وكوادر فذة آثرت الهروب ليس من الوظيفة، بل من البلد بكامله، نتيجة عدم التقدير، نتيجة للانطباعات، الأهواء والمسائل الشخصية التي لا تمت للكفاءة بصلة لا من قريب ولا من بعيد،
اللوائح، القوانين والمحاسبية للجميع هي مربط الفرس،
والفرق بيني وبين شقيقتي أن القانون يحميها وتستطيع أن ترد الظلم عن نفسها وتأخذ حقها بالقانون، شاءت رئيستها أم أبت، أما أنا فلن أجد إلا ظلماً مضاعفاً؛ فسيقف الجميع بالتأكيد ضدي حفاظاً على مصالحهم مع المدير.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب