ليـس الكيـس الأسـود وحـده الضـار بصحـة الإنسـان لسـواده

ســيد الحسـن عبـد اللـه

أوردت الصادرة في 15 فبراير 2023م تحذيراً تحت عنوان :
المواصفات تحذّر من الكيس الأسود

حذرت فيه اللجنة الفنية للمطاط والبلاستيك بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس من خطورة استخدام الكيس الأسود في حفظ المواد الغذائية وأكدت أنه يحتوي على مواد كيميائية ضارة بالصحة.

°° لا شك أن الكيس الأسود ضار بصحة الإنسان لكن ليس بسبب لونه، بل إن معظمه مصنوع من إعادة تدوير البلاستيك من النفايات – عدة ألوان- ويتم صنعه باللون الأسود لإخفاء عدم تجانس الألوان في بلاستيك إعادة التدوير ولا يتم الإخفاء إلا باللون الأسود .

°° في المقال أدناه أتطرق للتعبئة البلاستيكية غير الضارة بصحة الإنسان ، حيث هناك عدة إشتراطات صادرة من منظمة الصحة العالمية حتي تكون تعبئة المواد الغذائية آمنة وغير ضارة بصحة الإنسان ، ويجب تشديد تطبيق المواصفات العالمية علي التعبئة البلاستيكية ليس للحفاظ علي صحة الإنسان فقط ، بل لغزو الأسواق العالمية بجُل المنتجات السودانية.
مقتطف من مقال سبق أن نشرته في عدة وسائط في يوليو 2021م ، تحت عنوان:
التعبئــة والتغليف والمعامـل أهــم مقوّمــات تعزيــز القــدرات المؤسسـية لقطــاع التجـارة.

°° التعبئــة والتغليـف :

في قمة أولويات ومتطلبات دخول السوق العالمي بمنتجاتنا المتميزة والمتفردة مصنعة أو نصف مصنعة ، خاصة الداخلة في الأغذية والمشروبات نوعية التغليف ومطابقته للمواصفات العالمية لمنظمة الصحة العالمية، أضف لذلك أن جودة الطباعة وجمالها يكسب المنتج قيمة إضافية وقدرة على المنافسة ، مثال لذلك المتداول في السوشيال ميديا عن منتجات سودانية أصيلة مثل الكركدي، والصمغ العربي، والتبلدي، وحتى ورق شجرة النيم ، معروضة بالسوق العالمي ومؤشر الطلب عليها عالٍ وفي تزايد مستمر ، لكن للأسف جُلّ ما نشاهده بالسوشيال ميديا معبأ ومغلّف بدول غير السودان البلد المنتج الأصيل، بل يحمل اسم البلد الذي قام بالتغليف ، وبأسعار أضعاف أضعاف المواد الخام بالسودان وبأسعار التصدير، مع العلم أن الدولة الثالثة التي قامت بالتغليف لم تقم إلا بالتعبئة والتغليف، مما يصيب بغُصّة في الحلق .

°° الحقيقــة المُـــرة :

لا توجد بنية تحتية للتعبئة والتغليف من مصانع ومطابع وغيره ، وإذا لم أبالغ أستطيع القول إن البنية التحتية للتعبئة والتغليف تساوي صفراً إن لم تكن أقل من ٥٪ من طلب السوق السوداني لها ..

وصناعة التعبئة والتغليف عالية التكلفة على القطاع الخاص ، والقطاع الخاص السوداني قطاع تقليدي لا يخاطر في صناعة غير معروفة وهي صناعة التعبئة والتغليف؛ لذا وجب على الحكومة توجيه شركاتها للدخول وبقوة للإستثمار في هذا القطاع ، لمساعدة القطاع الخاص بتوفير مواد التعبئة والتغليف المطابقة للمواصفات العالمية ومتطلبات السوق العالمية من عبوات محددة وجودة عالية في التصاميم وفنياتها ، لمساعدة القطاع الخاص على غزو السوق العالمي بالمنتجات السودانية الأصيلة المصنعة ونصف المصنعة.

°° سوف أتناول في هذا المقال التجربة الإندونيسية كمثال للبنية التحتية الصلبة للصادر والسوق المحلي ، مقارنة بوضعنا الحالي في قطاع التعبئة والتغليف ، ولتكن القدوة الواجبة الاتباع والعمل على نقل تقنية التعبئة والتغليف من هذا البلد الذي بلغ قمة في المجال لكل المنتجات ، هذا البلد يكنّ لنا شعبُه وحكومتُه كل تقدير واحترام ، مع رغبة دولته الأكيدة لمساعدة السودان للخروج من أزمته الاقتصادية دون أدنى أجندة سياسية ، والدليل على ما أقول نشاط البعثة الإندونيسية بالخرطوم وتحركها في كل مناطق السودان طيلة العشرين سنة الماضية ، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر.

°° نقل الخبرات والتقنيات الحديثة :

سوف أتطرق لقليل من كثير يمكن الإستفادة من علاقتنا بدولة إندونيسيا ونقل تجربتها للسودان.

نُشر بصحيفة الرأي العام السودانية بتاريخ 11 مارس 2012م تقرير للصحافية شذى الرحمة بعنوان:
{التعبئة والتغليف .. إشتراطات مفقودة}

نصّت أول فقرة بالتقرير على : الاحتفال باليوم العالمي للمستهلك في الأسبوع الحالي ، نظمت الجمعية السودانية لحماية المستهلك منتداها الأسبوعى رقم 80 عن سلامة الأغذية .. التعبئة والتغليف نموذجاً.

ما ورد بالتقرير اعتراف من الجمعية السودانية لحماية المستهلك بأن معظم الموجود بالسوق السوداني من مواد تغليف مخالف للوائح التغليف ومخالف لتوجيهات منظمة الصحة العالمية السليمة للمحافظة على صحة المواطن ، مما يسبب أمراضاً للمستهلكين . وهذه حقيقة لا تخطئها عين في المنتجات السودانية المعروضة بالسوق المحلي .
وسوف أورد مثالاً واحداً ليكون معياراً لقياس بقية المنتجات السودانية المعباة في البلاستيك .

°° حسب توجيهات منظمة الصحة العالمية في تغليف الأغذية والمشروبات بالمواد البلاستيكية يجب:

°° أولاً :

أن يتم إختيار خام البلاستيك المناسب لكل منتج ، مكوناته ومخاطر تلفه من الخامات المختلفة مثالاً لا حصراً
PP ,, PE ,, PES , LDPE , LLDPE , PET,,,, ect.

يتم إختيار نوع يتناسب مع نوعية المنتج وطريقة حفظه بارداً أو ساخناً ، وتعرضه للأشعة الضوئية لتقليل مخاطر خام البلاستيك على صحة المواطن مستهلك المنتج .. بشرط عدم أستخدام خامات البلاستيك المدوّرة Recycle .

°° ثانياً :

أن تكون الطباعة بين طبقتين من البلاستيك (تعرف بطباعة ساندوتش) حتى لا يلامس حبر الطباعة يد المستهلك أو يلامس المنتج الذي بداخله.

هذا النوع من الطباعة يتم بتقنيتين هما الروتوقرافور والفليكسوقرافيك
Rotogravure Printing &
Flexographic

الروتوقرافور
Rotogravure Printing
حسب معلوماتي المتواضعة أن بالسودان كله يوجد عدد محدود جداً لا يتخطى أصابع اليدين من هذا النوع وبطاقات محدودة نجح أصحابها في إستخدامها حصرياً لتغليف منتجاتهم للتميز في تغليف منتجاتهم عن الآخرين بغرض المنافسة ، لهم التحية والتقدير.

°° ثالثاً :

نوعية الأحبار المستخدمة في الطباعة يجب أن تكون بالمواصفات المخصصة لتغليف الأغذية والمشروبات
Food Grade.
معظم بلاستيك التغليف المستعمل في السودان تتم طباعته بالخارج ، وحتي الطباعة بالخارج قليل جداً من يقوم بالطباعة حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية لعدم وجود رقابة أو للجهل بمتطلبات السوق العالمي .

°° وللتنوير بمخاطر جُلّ المنتجات الغذائية في السوق المحلي ، سوف أورد مثالاً واحداً لمنتج يستهلك في كل البيوت السودانية مع إيضاح طريقة التأكد من الأضرار الناجمة عن هذا النوع من التغليف .

جُلّ بلاستيك تغليف البسكويت في سوقنا المحلي – والذى يدخل كل بيت سوداني – البلاستيك طبقة واحدة وليس طبقتين بينهما حبر الطباعة ساندوتش حسب المواصفة العالمية الصادرة من منظمة الصحة العالمية WHO،
و حبر الطباعة موجود بالجانب الخارجي للبلاستيك مما يعرضه للتحلل بمجرد التعرض لأي مادة تحل الحبر مثال الكوستيك صودا الموجودة بصابون الغسيل أو البنزين أو الجازولين أو العطور، مما يترك أثر الحبر على الفم أو اليد إذا كانت بيد المستهلك بقايا من هذه المواد المحللة للحبر ، مع ملاحظة أن معظم المستهلكين للبسكويت من الأطفال مما يعرضهم للإصابة بأمراض على رأسها السرطان وهو أخطرها، بسبب تحلل الحبر بالمواد المذكورة أو رداءة الحبر
(not Food grade)
وللتأكد من هذه المعلومة عليك أخذ عدة ماركات بسكويت صناعة سودانية من أقرب بقالة أو دكان بالحي ونزع بلاستيك التعبئة ورّشُه من الخارج بعطر أو بنزين ومسحه بمنديل ورق لترى بأم عينك صدق ما ذكرته أنه الحبر مسبب السرطان .

جشع المصنع السوداني وعدم وجود قوانين ولوائح صارمة تمنعه من إستعمال هذا النوع من التغليف هو السبب في إستعمال هذه النوعية معظم البلاستيك المستعمل حالياً لتغليف البسكويت سماكته 30 ميكرفون. بالسؤال عن لماذا تحديداً 30 ميكرفون ، الإجابة أن كل بلاستيك التغليف يباع بالكيلو ، والكيلو بسماكة 30 ميكرفون يغلف – يقطع بلغة السوق – كميات أكبر من البلاستيك المطابق للمواصفات العالمية يجب أن يكون من طبقتين 40 ميكرون على الأقل ، علماً أن أقل سماكة لصناعة البلاستيك 20 ميكرون وحسب المواصفات يجب أن يكون من طبقتين أي 40 ميكرفون بسماكة تزيد بنسبة 25%عن سماكة الطبقة الواحدة المستعملة حالياً. مما يعني أن الكيلو من المستخدم حالياً وهو طبقة واحدة يكفي لإنتاج عدد من عبوات البسكويت يزيد بنسبة 25% ، مما يعني أن المصنع عليه أن يقوم بشراء 1250 جراماً من بلاستيك التغليف المطابق للمواصفات العالمية (طبقين 40 ميكرون) لتغليف نفس العدد من العبوات، ويكفيه شراء كيلو واحد من بلاستيك التغليف المستعمل حالياً . مع الأخذ في الاعتبار أن قيمة الكيلو من المطابق للمواصفات أعلى من سعر الكيلو من طبقة واحدة. علماً أن اتباع الطريقة السليمة بإستعمال بلاستيك بطبقتين لا تزيد كتكلفة عن أقل من 1% إلى 2% من قيمة المنتج النهائي البسكويت .

° مثال آخر للتغليف الضار بالصحة في السودان والمخالف لتعليمات منظمة الصحة العالمية، وهو تعبئة اللحوم ومنتجاتها من سجك ومارتيدلا وما شاكلها. آخر ما توصلت إليه التقنية أن تعبئة اللحوم في أكياس بها فراغ مملوء بالهواء أكثر عُرضة لنمو البكتريا في هذا الفراغ ولو حفظت في ثلاجات (فريزر) والموصى به من منظمة الصحة العالمية هو التعبئة مع التفريغ من الهواء حتى لا يكون الهواء داخل الكيس مع اللحوم ومنتجاتها، ويسمى بالتعبئة مع تفريغ الهواء وهو ما يسمى بالـ
Vacuum Packing
ولمعرفته للمواطن العادي تجد أن الكيس ملتصق التصاقاً تاماً باللحوم ومنتجاتها .

°° لماذا إندونيسيا متقدمة في مجال التغليف والطباعة، وتغزو المنتجات الإندونيسية الأسواق العالمية من أغذية ومشروبات وحتى الأدوية؟

° إندونيسيا لديها إجراءات مشددة في مواصفات مواد التغليف للسوق المحلي ، إضافة لدخولها بوصفها مصدّراً للمواد الغذائية له مساهمة كبيرة في السوق العالمى واليابان من أكبر الدول المستوردة للأغذية من إندونيسيا ، واليابان من أكثر الدول المتشددة جداً في مواصفات مواد التغليف حتى بعد وصول المأكولات والمشروبات للميناء ، وإذا ثبت عدم مطابقة مواصفات مواد التغليف من بلاستيك وورق وحبر وحتى الصندوق الخارجي ، ترفض رفضاً باتاً دخول البضاعة التي لا تتطابق مواصفات تغليفها مع القيود المشددة جداً، وربما أدى ذلك إلى إعدام البضاعة وحرقها.

ولحاجة اليابان لمعظم الأغذية خاصة البحرية والمشروبات من المنتجات الإندونيسية بأقل الأسعار ، أضف لذلك شعور اليابان بعقدة الذنب تجاه الشعب الإندونيسي لإستعمارها فترة قليلة ، ولضربها لإندونيسيا في الحرب العالمية الثانية ، دخلت اليابان كأكبر مستثمر في قطاع التغليف وصناعة البلاستيك والورق وحتى الأحبار كي تتمكن من الحصول على الصادرات الإندونيسية وخاصة الغذائية وتقليل خسائر إعدام البضائع بعد وصولها الموانئ والمطارات اليابانية.

دخلت اليابان في مجال طباعة مواد التعبئة والتغليف حسب المواصفات اليابانية بشركات منها مثلاً
Di Nipon
وأقامت مصنعاً متكاملاً لمواد التغليف من بلاستيك وورق وكرتون والطباعة مع مصنع للأحبار المطابقة للمواصفات العالمية للأغذية والمشروبات .

وهناك شركات يابانية أخرى تعمل في مجال الطباعة وصناعة مواد التغليف حيث يتطلب المستورد الياباني للأغذية إبراز شهادات عند وصول البضاعة، بأن مواد التغليف تمت طباعتها بإحدى الشركات اليابانية المعتمدة جودتها ومواصفاتها وحتي نوعية الأحبار .
للعلم فقط بإندونيسيا أكثر من مائة مصنع لطباعة مواد التعبئة والتغليف تعمل بتقنية الـروتوقرافور والفيليكسو معظمها إستثمارات يابانية أو شراكات مع شركات إندونيسية.

°° لن تتوفر للسودان فرص الحصول على إستثمارات في قطاع التعبئة والتغليف مثل إندونيسيا ، والمسؤولية كبيرة على الحكومة وشركاتها لطرق هذا المجال عاجلاً تحفيزاً وسنداً بتوفير البنية التحتية لتحقيق القيمة المضافة المرجوة من منتجاتنا السودانية الأصيلة المتميزة بالتعاون مع القطاع الخاص لتوفير صناعات صغيرة داعمة لقطاع التعبئة والتغليف ، مع حملة واسعة لوقف العبث الواقع في تعبئة الأغذية والمشروبات الضارة بصحة المواطن ، فالموارد البشرية تمثل عصب التنمية في كل العالم ، وماليزيا خير مثال .

نسأل الله التوفيق والسداد