النازحون بكردفان والنيل الأزرق… مأساة إنسانية

الرشيد عطية: تدفق 200 إلى 300 نازح يومياً من لقاوة إلى جنوب كردفان
أمين حكومة جنوب كردفان: عدد النازحين يفوق إمكانات الولاية
جنوب كردفان: وفد شعبي إلى (لقاوة) غداً لوقف الصراع!
الخرطوم: كادوقلي ـ إبراهيم عبد الرازق
قرابة الـ(225) ألف نازح شردتهم الصراعات القبلية في النيل الأزرق وغرب كردفان، وفي كادوقلي حاضرة جنوب كردفان ومدينة الدلنج، بادرت القبائل جميعها عربية وغير عربية إلى استقبال الآلاف من النازحين (قرابة العشرة آلاف نازح) من غرب كردفان جراء الصراع القبلي، وتم استقبالهم في حفاوة سودانية شهدت اقتسام اللقمة والمأوى بين المقيمين والقادمين، لكن يظل العدد فوق إمكانات الحكومة والأهالي والمنظمات حيث كشفت حكومة الولاية لـ(اليوم التالي) سعيها لجلب مساعدات، أما النيل الأزرق الذي نتج الاقتتال فيه عن 215 ألف من مدن محافظة ود الماحي، فقد وصل بعضهم إلى مراكز الإيواء في (الرصيرص) و(الدمازين)، لكن مفوض العون الإنساني بالنيل الأزرق ناشد المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لمجابهة الأعداد الكبيرة.

استمرار النزوح!
كشفت حكومة ولاية جنوب كردفان عن نزوح أكثر من 2 ألف شخص إلى مدينة الدلنج، جراء العنف القبلي في محلية لقاوة، الأسبوع الماضي.
وتجددت الاشتباكات بين قبيلتي المسيرية والنوبة بمحلية “لقاوة” بولاية غرب كردفان السبت 15 أكتوبر بعد المعارك التي شهدتها المدينة الجمعة 14 أكتوبر وأسفرت عن سقوط 4 قتلى وعدد من الجرحى 7 جرحى تم نقلهم إلى المستشفى.
وتفقد أمين عام حكومة جنوب كردفان، الاثنين، في زيارة لمحلية الدلنج أوضاع المتأثرين بسبب الأحداث القبلية التي شهدتها منطقة لقاوة بولاية غرب كردفان، والتي أدت إلى نزوح ما يفوق (435) أسرة وعدد (2125) فرد إضافة إلى عدد (255) طفل بجانب (7606) فرد و(1766) أسرة بمدينة كادقلي.
وأكد إبراهيم حمدين أمين الحكومة المكلف ممثل الوالي، استعداد حكومة الولاية تسخير كافة الإمكانيات لتقديم الخدمات الأساسية.
وأردف قائلاً: “إن أعداد النازحين يفوق الإمكانيات المتاحة، مناشداً المنظمات العاملة بالولاية، التدخل العاجل والمساهمة في تقديم الخدمات الإنسانية للأسر المتمثلة في الإيواء والغذاء، بالإضافة إلى الخدمات الصحية.
وأعرب عن أسفه لما حدث من دمار وخراب، مؤكداً سعي الحكومة في معالجة الإشكاليات وتسهيل الإجراءات للراغبين الذهاب للولايات الأخرى أو العودة الطوعية للمنطقة.
فيما أبدت الإدارة الأهلية بمحليتي الدلنج وكادوقلي ترحيبها بكل النازحين من محليات ولاية غرب كردفان مع توفير الدعم لهم الذي يمكنهم من قضاء حاجاتهم.

قوافل مساعدات
وكشف نائب حاكم جنوب كردفان الرشيد عطية جبلين عن استمرار تدفق ما بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ نازح يومياً من لقاوة إلى جنوب كردفان وأضاف: مع توقع استمرار النزوح حال استمرار القتال في غرب كردفان لـ(اليوم التالي) يتدفق الفارون من الصراع القبلي إلى كادوقلي لقربها من غرب كردفان حيث تكفي ساعتان للوصول إلى حاضرة جنوب كردفان، وأن عدد القادمين من لقاوة بلغ تسعة آلاف و٦٩٣ نازح، منهم قرالة الستة آلاف في كادوقلي، والبقية في مدينة الدلنج.
ووصل نائب الحاكم جبلين إلى كادوقلي أمس قادماً من العاصمة الخرطوم للإشراف على مبادرة للإدارات الأهلية في جنوب كردفان التي من المفترض أن تنطلق غداً الأحد إلى (لقاوة) في محاولة لإصلاح ذات البين بين مكونات قبيلتي النوبة والمسيرية، أملاً في توقف الصراع ليتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم.
وتابع جبلين أن إمكانات الولاية والمنظمات بجانب المواطنين، لا تكفي للتعامل مع هذا العدد الضخم من النازحين، لذا قام بزيارة عاجلة للمركز الذي تعهد بتسيير قوافل مساعدات إلى الدلنج وكادوقلي لإغاثة المتضررين هناك.
وحول مخاوف انتقال عدوى الصراع بين ذات المكونات في جنوب كردفان أو غيرها، قال جبلين إن المخاوف موجودة، لكن يقلل منها الوعي بالنتائج الكارثية للاقتتال القبلي، بجانب المشهد المشرف الذي صنعه المواطنون بجنوب كردفان في استقبال إخوتهم من غرب كردفان.

مناشدات دولية!
ويواجه آلاف النازحين الفارين من جحيم العنف القبلي في إقليم النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد، أوضاعاً مأساوية نتيجة نقص الغذاء والمياه واللباس والأمن.
ومنذ مطلع الأسبوع الماضي، هرب الآلاف من مناطق النزاع القبلي بين قبيلتَي الهوسا والبرتا، خوفاً على حياتهم، وقد وصلوا بمعظمهم إلى مدينة الدمازين، مركز الإقليم بحثاً عن الأمن والأمان.
وتوزّع هؤلاء في مخيّمات تقع شمالي المدينة أو لجأوا إلى مدارس حكومية، منها مدرسة الجيش ومدرسة الخنساء في وسط المدينة على الرغم من الخدمات الرديئة.
وقُتل في أحداث العنف، بحسب ما أفادت البيانات الحكومية الأخيرة، ما لا يقلّ عن 79 شخصاً، فيما أُصيب نحو 200 آخرين بجروح، في حين أنّ التوتر ما زال يسيطر على عدد من المناطق.
وطبقاً لشهود عيان من الدمازين، فإنّ النازحين يعانون من نقص في إمدادات الغذاء والمياه الصالحة للشرب والكساء، ويحتاجون بشكل عاجل إلى حماية أمنية، خصوصاً في ظلّ الظروف الحالية التي يسودها التوتّر.
يقول أحمد إدريس، وهو من هؤلاء الذين تطوّعوا لتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين، إنّ “الوضع الحالي يفوق إمكانيات الحكومة المحلية والحكومة المركزية، وكذلك المبادرات الخيرية والتطوعية، وما تأتي به منظمات المجتمع المدني في الإقليم”، موضحاً أنّه “يتطلّب تدخلاً عاجلاً من المنظمات الدولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا سيّما أنّ النازحين بمعظمهم من كبار السنّ والنساء والأطفال الذين نزحوا من الروصيرص وقنيص وغيرهما”.
ويضيف إدريس بحسب (العربي الجديد) أنّ “المجتمع المحلّي تبنّى مبادرات سريعة لتقديم الغذاء للنازحين، ساهم فيها تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والأساتذة والخيّرون، لكنّها لم تؤثّر كثيراً على الوضع الإنساني، وما يصل لا يكفي”، محذّراً من تدهور الوضع الصحي لهؤلاء النازحين “مع قلّة الكوادر الطبية المتفرّغة للمساعدة وضعف إمكانياتها”.
ووفق متابعات، فإنّ أعداداً أخرى من النازحين وصلت في رحلات مليئة بالمخاطر إلى مدن أخرى في ولاية سنار (جنوب شرق)، مثل سنجة وسنار وود النيل وغيرها، وهم يواجهون المصاعب الإنسانية نفسها.
وفي مدينة سنجة تبنّت لجان المقاومة السودانية ومنظمات نسوية ومتبرعون حملة لإعداد ثلاث وجبات للنازحين. وفي مخيّم ود النيل، قرّر مجلس حكومة ولاية سنار تقديم مساعدات طارئة غذائية وصحية.
ويقول النازح أحمد محمد إبراهيم، الذي وصل قبل يومَين إلى مدينة سنجة من بين أفراد 29 أسرة، وفق (العربي الجديد) إنّ “الوضع لم يكن يُطاق في كلّ إقليم النيل الأزرق، حتى في مدينة الدمازين، لذا كان من الأفضل أن نغادر”. ويضيف أنّه “في طريق مغادرتنا، تعرّضت العربة التي تقلّني ومن معي لاعتداءات بالأسلحة البيضاء، على أساس الهوية القبلية، لكنّنا نجونا بفضل سائق العربة، علماً أنّ ثلاث نساء أُصبنَ” بالهجوم.
ومن جهتها، تقول نازحة فضّلت عدم الكشف عن هويتها لـ(العربي الجديد) إنّها وصلت إلى المدينة “بعد رحلة طويلة سيراً على الأقدام”، لافتة إلى أنّ “رفيقتي فقدت زوجها وتعرّض ابنها لإصابة بالغة نُقل على إثرها إلى الخرطوم لتلقّي العلاج، عدا الاعتداء عليها هي أيضاً”. وتضيف أنّه مع تلك الأوضاع التي تتطلّب الحذر، تصعب علينا العودة مرّة أخرى إلى قرانا.
وفي وقت سابق قد وجه، مجلس السيادة، على لسان عضو المجلس الفريق أوّل شمس الدين الكباشي، نداءً إلى منظمات المجتمع المدني السودانية لتقديم المساعدات الإنسانية إلى المتضرّرين من أحداث إقليم النيل الأزرق.
ودعا الكباشي، خلال اجتماع للجنة الطوارئ الإنسانية بالقصر الجمهوري، إلى ضرورة ضبط النفس وتحكيم صوت العقل وإعلاء روح التسامح ونبذ خطاب الكراهية والعنف، مشدداً على أهمية الحوار وضرورة الاهتمام بقضايا الإقليم والتنمية المجتمعية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب