(غودفري) في كسلا .. أصداء جولة الـ٤٨ ساعة

عبد الرحمن شقنب: الأمريكان (إذا دخلوا قرية أفسدوها)
قيادي بالشرق: واشنطون تريد التقرب للمكونات الأكبر في الشرق!
دعم التحول الديمقراطي المدني أهم ما تناوله السفير مع الناظرين (ترك ودقلل)
ثماني وأربعون ساعة قضاها السفير الأمريكي في السودان جون قودفري في ولاية كسلا في ثانية جولاته خارج الخرطوم بعد دارفور، زيارة قابلتها مكونات الشرق بالترحيب والترحيب الأقل والحذر والرفض، وربط محللون الزيارة بزيادة الأنباء حول تسوية سياسية وشيكة من جهة، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي من جهة أخرى، لكن مكونات شرقية كشفت لـ(اليوم التالي) عن استهداف واشنطون لمكونات بعينها في شرق السودان، لعوامل (ديموغرافية) تتعلق بتغيير خارطة التأثيرات السكانية لما بعد انفصال الجنوب، بجانب أخبار رشحت عن قوة عسكرية شرقاوية مدربة تقبع على الحدود مع دولة إثيوبيا، أما السفير الأمريكي، فقد حث مكونات الشرق التي عقد لقاءات مع أغلبها بحاضرة الولاية على العمل الدؤوب لتطوير المنطقة ملوحاً بعودة الدعم الأمريكي للإقليم بشكل أكبر حال عودة الديموقراطية، متمسكاً بضرورة بتشكيل حكومة توافقية، وعدم استعجال الانتخابات.
الخرطوم: إبراهيم عبد الرازق
تمشيط الولاية
في زيارة وصفت من قبل السفارة الأمريكية بالخرطوم بالتفقدية، وصل السفير الأمريكي بالسودان غودفري ولاية كسلا بشرق السودان الأحد الماضي وتوجه من مطار كسلا مباشرة إلى قرية (عمارة) ريفي حاضرة الولاية حيث افتتح بعض المشاريع هناك، ثم عاد وعقد على الفور اجتماعاً مع اللجنة الأمنية برئاسة الوالي المكلف، وتوجه بعد ذلك إلى حي الدرجة وعقد لقاءً مع الناظر ترك، ثم إلى منطقة الختمية القديمة حيث اجتمع بناظر عموم البني عامر الشيخ (إبراهيم دقلل)، ثم عقد اجتماعاً مع مجموعة من الأعيان بقاعة رئاسة الشرطة، واجتماعين آخرين مع المكونات الداعمة لمسار شرق السودان، والأخرى الرافضة للمسار.
وأفادت السفارة الأمريكية بالخرطوم أن السفير الأمريكي التقى بناظر البني عامر، علي إبراهيم دقلل، كما التقى بناظر الهدندوة محمد الأمين ترك، وأفاد بيان أصدره مجلس البجا بأن اللقاء تطرق إلى قضية شرق السودان، وقال إن “ترك” و”السفير جون غودفري” بحثا معاً مجمل الأوضاع بالبلاد على ضوء الأحداث المتسارعة التي تشهدها عقب ثورة ديسمبر المجيدة.
وقال حساب السفارة إن “قودفري” أجرى نقاشاً حافلاً بالمعلومات مع ناظر الهدندوة “محمد الأمين ترك”، وأعرب عن تقديره لسماع وجهات نظره حول تحديات شرق السودان وأولوياته، فضلاً عن الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن حكومة جديدة بقيادة مدنية.
وعن لقاء السفير بناظر البني عامر غرد حساب السفارة الأمريكية: أجرى السفير “جون قودفري” مناقشة غنية بالمعلومات مع بني عامر الناظر علي إبراهيم دقلل وأفراد من قبيلته، وأعرب عن تقديره لسماع وجهات نظره حول تحديات شرق السودان وأولوياته، فضلاً عن الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن حكومة جديدة بقيادة مدنية”.
وشهدت زيارة السفير جون عدد من النشاطات من بينها متابعته الأعمال التي تقوم بها منظمة اليونسيف حيث قال: في كسلا تشرفت برؤية العمل المهم الذي قامت به يونيسف السودان لدعم صحة الأم والطفل. نحن نقدر العمل الذي يقوم به مقدمو الخدمات والمتطوعون لمنع وعلاج سوء التغذية لدى الأطفال.
وقال أيضاً: “التقيت بنساء ملهمات يعملن في القطاع غير الرسمي في السودان وهن في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والدعم بمهارات التدريب والدعوة لتعزيز سبل عيشهن وتأثيرهن.

لقاء النظارات!
وأبرز ما تم تناوله في لقاء السفير الأمريكي بالناظر دقلل والناظر ترك كان حول الصراع الذي حدث بشرق السودان، والأضرار التي لحقت بالمجتمع جراء الصراع بين المكون العسكري والمدني، بجانب إدخال مناطق جنوب طوكر وريفي كسلا ضمن مناطق المعونة الأمريكية ودعم المناطق التي تأثرت بالحرب في السنين الماضية وإزالة الألغام بتلك المناطق، ودعم اتفاقية جوبا للسلام ومسار شرق السودان، ودعم التحول الديمقراطي المدني ودعم الحكومة المدنية في الفترة المقبلة.
بعيون الشباب!
وقال رئيس تجمع شباب البجا بولاية كسلا مختار حسين إن السفير شدد في حديثه معهم على ضرورة تكوين حكومة انتقالية لتستقر البلاد، لأن استقرار السودان يعني استقرار القرن الأفريقي، وأضاف حسين لـ(اليوم التالي): شرحنا للسفير الأمريكي معاناة إقليم الشرق بصورة عامة، وقبائل البني عامر والحباب بصورة خاصة بوصفها أكبر المكونات البشرية للإقليم، وطالبنا السفير بتنفيذ عدد من المشاريع كانت صادقت الولايات المتحدة عليها، فأكد لنا أنها ستستمر، لكنه أشار إلى أن أمريكا أوقفت الدعم عن السودان بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر إلى حين عودة الحكم المدني الديمقراطي. وتابع حسين: أيضاً طالبنا بتدخل بلاده لنزع الألغام من مناطق ريفي كسلا وجنوب طوكر، والتي تم زرعها في حقبة التسعينيات إبان الصراع المسلح بين النظام المباد وقوى المعارضة الذي أدير من إريتريا، وما زالت بعض هذه الألغام موجودة وقتلت ثلاثة من الشباب قبل عامين.
ومضى حسين أن السفير أمن على ضرورة إقامة الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، لكنه قال: لا تستعجلوا إقامة الانتخابات، لأن الاستعجال يعني عودة الإسلاميين للحكم مرة أخرى.
بالنسبة للدعم الأمريكى للسودان عامة ولشرق البلاد خصوصاً يقول حسين: أبان السفير أن الدعم يأتي على هيئة مواد غذائية في الغالب، لكنه لفت الى أنه لا يجب أن يكون هناك شح غذائي في دولة مثل السودان.
وتابع أنهم تلمسوا من حديث غودفري، أنه يدعم اتفاق جوبا، وأشار الى أنهم تحدثوا إليه حول الصراع بين العسكر والمدنيين إبان حكم المجلس المركزي، وظلال هذا الصراع على إنسان الشرق، ومضى حسين بقوله: أخبرنا غودفري أننا فقدنا خلال هذا الصراع في الفترة الانتقالية أرواحاً عزيزة، وممتلكات قيمة، وأن الظلم والغبن كبير جداً على إنسان الشرق، وإننا جيل ولد في هذه المنظومة من التهميش ما زاد: وعينا بقضايا إقليمنا وبلادنا، وأخبرنا السفير أن من ضمن هذه المعاناة إغلاق الناظر ترك لميناء بورتسودان خلال قطع الطريق لمدة شهر كامل ألقى بظلال سالبة على البلاد والشرق وما زالت ويلاتها مستمرة، وأشرنا له بوضوح أن هذا الإغلاق قام به ترك بدعم من المكون العسكري لإسقاط حكومة المركز بالخرطوم.
وحول نتائج أو وعود غودفري بعد جولته بولاية كسلا، قال رئيس شباب البني عامر: لم يعدنا غودفري بأمر مباشر باستثناء ربط الدعم بالحكم المدني والاستقرار، لكننا أكدنا له أننا مع التحول الديمقراطي، وإبعاد العسكر عن المشهد السياسي، وتمسكنا بقضايا العدالة والتنمية وجني ثمار مناطقنا الاستراتيجية كمكون البني عامر والتي تطل بأراضينا ٣٥٠ كم على ساحل البحر الأحمر وميناء عقيق.
احذروا أمريكا!
وقلل القيادي بشرق السودان عبد الرحمن شنقب من زيارة السفير الأمريكي وقال لـ(اليوم التالي): لا نستبشر بأي خطوة تقوم بها أمريكا في الكون، وذلك لأن الأمريكان (إذا دخلوا قرية أفسدوها)، ولست مرتاحاً لهذه الزيارة.
وحول دواعي وصول غودفري إلى كسلا قال شقنب: أعتقد أن أمريكا تريد أن تكون بالقرب من الحدث، وذلك على خلفية أنباء رشحت مؤخراً لست متأكد من صحتها عن تكوين البني عامر لقوة عسكرية مدربة على الحدود مع إثيوبيا، واستدرك، من الواضح أن واشنطن تستهدف مكون البني عامر بوصفه الأكبر من حيث العدد في شرق السودان، والمكون الثاني على مستوى السودان بعد انفصال مكون الجنوب، بالتالي الأكثر تأثيراً حتى مع عدم صحة أنباء القوة العسكرية، عليه واشنطون تريد صناعة اتصالات مع البني عامر والهدندوة والجميلاب في شرق السودان كونها المكونات الرئيسة، والجميلاب لها نظارة مختلفة لأنها ترفض نظارة ترك.

الضغط على الإدارات!
ورأى الباحث في العلوم السياسية عبد القادر محمد صالح أن زيارة جون غودفري إلى شرق السودان تقرأ في سياق اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالأزمة السياسية الراهنة وقضايا الانتقال المدني للسلطة العسكرية القائمة.
ومضى صالح في حديثه لـ(اليوم التالي) أن شرق السودان يشكل أحد أضلاع الأزمة السياسية خاصة وأنه شهد أحداثاً دموية بين بعض المكونات الاجتماعية هناك لدرجة جعلت حراك المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة يؤثر في المشهد السياسي بشكل كبير مما قاد إلى سقوط حكومة الثورة مع عوامل أخرى. بالإضافة إلى أن شرق السودان يتمتع بموقع جيوسياسي واستراتيجي من ناحية البحر الأحمر والصراع الإقليمي والدولي حول الممرات المائية الدولية، كل هذا جعل شرق السودان يحظى باهتمام استثنائي مقارنة بأقاليم السودان الأخرى، وهنا أيضاً يمكن الإشارة إلى الصراع الروسي الأمريكي وانعكساته على السودان الذي احتضن الوجود الروسي على البحر الأحمر والصراع على الموارد أيضاً يمكن أن يكون أبرز الدوافع لتحركات السفير الأمريكي في شرق السودان.
وتابع صالح: هنالك كذلك مسألة التسوية السياسية الجارية والتي اكتملت لمساتها الأخيرة على حسب ما رشح في وسائل الإعلام وبرعاية مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، كل هذا يشير إلى أن شرق السودان إقليم مهم في مسألة التهدئة ونزع فتيل الفزاعة التي استخدمها المكون العسكري لإسقاط مشروع الثورة والانتقال المدني للسلطة لإطالة حكم الأمر الواقع وتبديد أية فرصة للخروج من الأزمة على ظهر الثورة والتحول الديمقراطي.
ومضى: أعتقد أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكين القائلة إنهم سيستخدمون كل الخيارات ضد الذين يعيقون الانتقال المدني للسلطة في السودان، وفي تقديري هذه الخيارات ربما ستتضمن التلويح باستخدام العصا بدلاً عن الجزرة لإجبار بعض قيادات المكون العسكري قبول التسوية مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي دون غيرها من قوى ثورية جزرية أو قوى مضادة للثورة (نداء السودان) وقوى التحشيد الأهلي والقبلي.
وأردف: زيارة جون غودفري إلى الشرق تأتي أيضاً في إطار تهيئة المناخ بالضغط على قيادات الإدارة الأهلية هناك لقبول التسوية الأمريكية التي ستحقق التنمية والاستقرار لشرق السودان بحسب تطمينات السيد السفير التي أودعها في بريد من يهمهم أمر شرق السودان.

استراتيجيات واشنطون!
تحركات السفير الأمريكي وفق أستاذ العلوم السياسية د. راشد عبد الرحيم تأتي في إطار لملمة أطراف الدولة في السودان، وأضاف راشد في حديثه لـ(اليوم التالي): من الواضح أن ذلك بتأثير الصراعات بين التكتلات السياسية والاجتماعية، بالتالي فهو يقف على الأحداث من مواقعها وشرق السودان من الأهمية بمكان بالتأكيد، وغودفري يمثل موقف واشنطن الرسمي تجاه السودان والاهتمام الكبير الذي توليه الإدارة الأمريكية بشأن الملف السياسي واستقرار السودان، وأضاف: من المعلوم بالضرورة أن منطقة شرق السودان بها درجة عالية من الصراع المركز بجانب أطماع دولية كبيرة جداً، بالتالي تركز أمريكا جهودها على أن تسير الأمور في خط التوافق الكلي حتى لا تتمزق الأوصال الاجتماعية بالدولة.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب