إبراهيم أحمد الحسن
انشغل المدير بضيوفه، بخلق سوداني وعر وبكرمٍ خِلْقَة وجبلة كان يقوم بخدمة ضيوفه، كان يحرص في كل مرة وحين أن يحث ضيوفه على تناول ما قدمه اليهم وما هو متاح ساعة وصول الضيوف، بل كان الجيران حضوراً سريعاً مذ أن رأوا الحافلات تقف أمام المنزل، كانوا ضيوف هجعة، وضيف الهجعة إكرامه حاضر بلا تلكؤ، عبارات الترحاب لا تتوقف من المدير”. قالها صديق عبدالمعين.
ثم إن المدير ينظر الى زعيم القبيلة وهو يقوم بجلد الموظف المفصول، ويحلف المدير بأن يوقف الزعيم الضرب، بعد أن استمع المدير وهو مطرق الى زعيم القبيلة وهو يسرد بلسان ذرب وبحكمة وحنكة ودراية وبأسلوب مؤثر حيثيات حضور القبيلة بقضها وقضيضها الى منزل المدير.
رفع المدير رأسه وأشار الى أحد أبناء الجيران جاء إليه الشاب مهرولاً، أشار اليه أن اقترب، همس في أذنه، ببضعة كلمات انتفض الشاب جرياً خارج الصالون لم تكن هي إلا دقائق معدودة وكان كرم البادية حاضراً في الصالون، أطباق تشي أن المدير أكرم ضيوفه بذبح عظيم، وهي في عرف هذه القبيلة وغيرها من قبائل السودان قمة في الكرم والاحتفاء والتقدير، دعك أن يكون من قام به مدير يرتدي ربطة عنق ويعيش في قلب العاصمة، المدير الذي كان يرتدي الجلباب السوداني حافي القدمين حاسر الرأس يخدم ضيوفه جعل منظره هذا قريباً من قلوب ضيوفه وعقولهم وزاد على هذا ببذل الكرم في أبهى صوره بذبح من جياد الخراف، فإن هذا يعد الحد الأقصى من الكرم لا يهم بعده أن قُضي الأمر الذي جاءت من أجله القبيلة بخيلها وخيلائها أم لم يقضَ، هذه كانت قراءة المدير لواقع الحال في صالونه وهذا هو تحليله السليم الحصيف لمآلات الأشياء التي تحدث أمامه.
أشار المدير للقبيلة في صالون منزله أن ابنكم قد ارتكب خطأً جسيماً نال بموجبه عقاب تقرره اللوائح، والنظم والقوانين، لم يرمها المدير أمامهم هكذا بلا تمهيد، بل ذكرهم أن كل إنسان معرض للخطأ والذي ينجح ويتجاوز خطأه هو الذي يعترف بالخطأ ويندم عليه ثم قال لهم إنه يجزم باأ ابنهم تعلم من الخطأ وندم عليه وليس أدل من ذلك مثوله لأمر زعيم القبيلة وانصياعه بقبوله عقوبة الجلد التي قررها الزعيم في هذا الصالون وأمام هذا الجمع.. قال لهم المدير إنه يقدر شجاعة ابنهم سليل قبيلتهم المقدامة وتقديره الشديد له وأنه يشيد به، بل قال لهم إن ثقته في ابنهم الآن أصبحت مضاعفة وأن إعجابه بفعله كبير، ولذلك قال المدير إنه سيجد معالجة لأمر ابنهم لا تخدش اللوائح ولا تهز الثقة في النظم وتحفظ عدالة تقرها القوانين وتجعل أفعال كل المنسوبين في مؤسسته تحت طائلة المحاسبة العادلة، عادلة عند الخطأ وفي الصواب، عادلة عند الجزاء سواء كان ذلك عقاباً أو ثواباً، لهذا عُملت القوانين وسُنت التشريعات والتي تسير الحياة بها في كل الدنيا وليس في مؤسسته فحسب، وبموجب هذه الحيثيات ذكر لهم أنه سيقوم بالاتصال بأحد وكلاء توزيع منتجات مؤسسته ليعمل معه ابنهم وبالتالي يتخلص من قيود الوظيفة ويدخل عالم التجارة من أوسع أبوابه وعالم التجارة قال لهم المدير إن لديه قوانينه وأعرافه التي تحاسب بصرامة دون تعقيد إجراءات وبلا ظلم، هناك يستطيع أن يحقق كثيراً من النجاحات من خلال مرونة الحركة التي تتيحها التجارة التي فيها تسعة أعشار الرزق، وفي حضور القبيلة اتصل المدير بوكيل التوزيع، تحدث اليه هنيهة، شكره وأغلق الهاتف ليخبر زعيم القبيلة أن علي ابنهم مقابلة الوكيل غداً عند العاشرة صباحاً. هلل زعيم القبيلة وصفق شبابها، وهنا التفت المدير الى الشباب قائلاً: “أما أنتم أيها الشباب فإن لديكم عندنا كمؤسسة شيء آخر، غداً إن شاء الله وعند العاشرة صباحاً سيكون معكم فريق الاتصال المؤسسي في شركتنا ليقف على حوجتكم في النادي الرياضي الثقافي الاجتماعي ويرفع توصيته فيما يتعلق باستيفاء احتياجات المنطقة، يقول عبدالمعين لأصدقائه: “انظروا كيف قلب المدير هذا التحدي الى فرصة، والمدير الناجح هو الذي يحول كل تحدٍ الى فرصة، انظروا كيف تعامل مع هذا الموقف الصعب، وما كان ليتأتى له ذلك لولا إلمامه العميق بثقافة المكونات القبلية والإثنية في بلده، ما كان يتأتى له ذلك لولا قناعته الراسخة بقوانين ولوائح ونظم مؤسسته وعمله الدؤوب على إرسائها وعدم التفريط فيها، التحدي الذي شمخ أمامه هو كيف يخرج الضيوف من صالون منزله برضاءٍ تام، كيف يحقق القاعدة الذهبية التي آمن بها وعمل لإرسائها والتي تنادي (بمكسب للجميع)، “مكسب لا يكون فيه طرف خاسر بسبب تعنت الطرف الأقوى ولا طرف كاسب على حساب الطرف الأضعف “انظروا الى هذه القاعدة الذهبية التي حققها المدير “يقول عبدالمعين، انفض سامر الضيوف عن منزل المدير والكل راضٍ، زعيم القبيلة وسط عشيرته غادر مرفوع الرأس يملأه الفخر، الموظف المفصول وقد عرف عظمة مؤسسته حيث كان يعمل وقد تم إنهاء عقده معها، شباب القبيلة الذين أتوا مؤازرة لزميلهم متحفزين ومستعدين لنصرته ظالماً أو مظلوماً خرجوا سعيدين بمكاسب ما أتوا لأجلها ولكنها تحققت، جيران المدير الذين وقفوا الة جانبه في إكرام ضيوفه وخدمتهم.
أما المدير يقول عبد المعين: “فقد ذهب الة سريره لينام قرير العين ملء جفونه فقد قاتل بهدؤ وروية لأجل قوانين مؤسسته ولوائحها ـن يراها تسري وتُطبق بلا مجاملة ولقيمها أن تسود دون تفريط ولا تنازل وبلا مهادنة، واستطاع أن يعمل ذات اللوائح وما تتيحه له صلاحيات منصبه في بذل بعض مسئوليات الشركة الاجتماعية وجعلها طوع بنانه في إيجاد حلول لمشكل كان يمكن أن يعصف بالمؤسسة التي يديرها ثم أنه استخدم علاقاته مع أصحاب المصلحة والشركاء الآخرين بما لديهم من مرونة في حل المشكلة التي أمامه”.
ولا تنسى يا عبدالمعين قال صديقه: “إن ابن القبيلة الذي تم إنهاء عقده بالأمس قد أضحى نموذج نجاح يشار اليه البنان بعد أن أخطأ، اعترف بخطئه ونال الجزاء المستحق وضرب في الأرض يسعى، فحقق ما حقق من نجاحات ما كانت تتيحها له الوظيفة بقيودها الكُثر، قمينٌ بنا يا عبدالمعين أن نطرق الأبواب كافة لتحقيق الأهداف وأن لا نتوقف عن السعي وعندما نخطئ، نعترف بالخطأ، نتعلم من الأخطاء ونمضى الى الأمام.. نمضي الى الأمام”.
“والآن انظروا للخطوط الحمر عند القبيلة وعند المدير كيف تماهت واتسقت ووقفت جميعاً لحل المشكل ما أجمل الخطوط الحمر عندما تكون في خدمة القضية تتفاعل بإيجابية وتنتج حلولاً ناجعة” ختم عبد المعين حديثه لأصدقائه ولوح لهم بالوداع قبل مغادرة مجلس الأنس.
عبدالمعين.. كل الخطوط حمراء
