نهى محمد الأمين أحمد
nuha25@yahoo.com
والدتي – أطال الله عمرها ومتعها بالصحة والعافية – إمرأة منظمة للغاية، في جميع شؤون الحياة، ودائماً ما تحدثني أنها اكتسبت عادة النظام هذه من دراستها بالقسم الداخلي منذ المرحلة الوسطى في ذلك الزمان، ففي عمر صغير للغاية، غادرت المنزل إلى الداخلية، وأصبحت مسؤولة عن نفسها بالكامل، وعليها تنظيم كافة تفاصيل حياتها، وأخذ جانب الحذر دائماً؛ خاصة في موضوع المصروفات، حتى لا تعرض نفسها لانقطاع مواردها المالية، وبالطبع كانت طرق الاتصال صعبة في ذلك الوقت، فلا بنكك ولا تحويل الرصيد الذي يحل المشكلة في أقل من دقيقة،
حافظت والدتي على عادة النظام هذه طوال حياتها،
وكان حظها في الزواج موظفاً حكومياً، فكان لا بد أن تستصحب معها فضيلة النظام، وتقوم بوضع بنود صرف للراتب الشهري الثابت والذي يجب أن يغطي الشهر، وبهذا النظام الذي يسير كعقارب الساعة أفلحت في تنشئتنا وتربيتنا، حتى تخرجنا جميعاً من أحسن الجامعات، ولم يحدث أن ألمت بنا ضائقة كبيرة والحمد لله سبحانه وتعالى في الأول والآخر،
التزمت والدتي طوال حياتها مواعيد للوجبات، العاشرة للفطور والثالثة للغداء، وهي ترفض تماماً تناول أي شيء مهما كان بسيطاً بين الوجبات، فجدولها مقدس وغير قابل للتعديل،
طيلة حياتي في منزل الأسرة، كان لزاماً علي أن أخضع لنظام والدتي، وهي بالطبع سيدة المنزل، وربما ورثت منها النظام في ترتيب أشيائي، فقد كانت أرفف دولابي دائماً مرتبة، ومن المستحيل أن أضيع أشيائي، فكل حاجياتي الصغيرة مرتبة، وهناك درج صغير به جواربي، وآخر به أقلامي وخلافها،،
لكن عندما انتقلت إلى منزل زوجي، وجدت أنني أمارس الفوضى في معناها المطلق، خصوصاً في موضوع الأكل والوجبات، وما ساعد على ذلك أن زوجي لا يحب القيود ولا الروتين، ويعمل عملاً حراً يجعل دخله متبايناً، يعلو ويهبط مع السوق، ليس هناك مواعيد واضحة للوجبات في منزلنا، فأي شخص يأكل عندما يجوع، بنود الصرف مبنية على الدخل الموجود، تتراوح بين البحبوحة وشظف العيش.
كامرأة عاملة حرصت على تعليم أولادي الطبخ وإعداد الطعام منذ الصغر، حتى لا يتعرضوا للجوع وأنا في العمل.
النظام شيء مهم ورائع بلا شك ويسهل الكثير من الأمور، ولكن، بعض الحرية مهم أيضاً، الخروج عن الروتين، وإفساح المجال لبعض الحرية يكسر الملل ويجعل الحياة أكثر لطفاً،،
