البرهان بحطاب.. نيران في كل الاتجاهات!!

عروة الصادق: رسائل البرهان مناورة ومراوغة سياسية
جعفر خضر: رسائل البرهان تعني رفض عودة الجيش للثكنات
عبدالقادر محمود: رسائل البرهان تكشف ترتيبات جديدة للمؤسسة العسكرية
الخرطوم: محجوب عيسى
بعد تفاؤل ساد الساحة السياسية بقرب التوصل لحل بعد أكثر من عام على الانسداد السياسي الذي سيطر على البلاد، خرج رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وأطلق رسائل على صفيح ساخن في بريد القوى السياسية، وحذر “المؤتمر الوطني” والحركة الإسلامية”، من محاولة “الاحتماء بالجيش أو الترويج لإشاعات بأنهم سيعودون للحكم من خلال المؤسسة العسكرية.
وقال إن الجيش قام بإجراء تغييرات حقيقية لحماية البلاد، وأنها تمر بظروف سياسية استثنائية، وأنهم لا يوقعون على اتفاق يمزق البلاد، وأكد جاهزيتهم للانضمام إلى أي مقترح يخرج البلاد من الأزمة، وفي غضون ذلك اعتبر متحدثين لـ(اليوم التالي) حديث البرهان، توجهات جديدة لخلق واقع سياسي جديد، ومناورة ومراوغة سياسية، ورفض إصلاح المؤسسة العسكرية والعودة إلى الثكانات، ما لم يتم اتباعها بعمل عاجل وفوري.
رسائل البرهان:
خلال زيارة تفقدية لقاعدة حطاب العسكرية شمال شرقي الخرطوم، شدد رئيس مجلس السيادة، وقائد القوات المسلحة الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان على أهمية الحوار بين كافة الفرقاء في البلاد، إلا أنه أشار إلى أن الجيش لن يقف متفرجاً على انهيار البلاد، بينما تستمر القوى السياسية في حواراتها، وأكد أن الجيش لن يتخلى عن سلاحه ودوره في ضمان الأمن.
كما أعلن في كلمته أمس أن القوى المسلحة شهدت العديد من التغييرات المهمة والحقيقية في تنظيمها وسلوك عملها.
وأكد على أن القوات المسلحة قوات قومية وطنية، تحمي البلد ومواطنيه، ولا تتبع لأي جهة أو حزب أو فئة، لا الحزب الوطني ولا الحركة الإسلامية، أو حزب شيوعي أو غيره. ولمن اتهم الجيش بأنه موالٍ لجهة معينة، قطع أن القوات المسلحة لا تنتمي إلا للوطن، وتوجه للحركة الإسلامية قائلاً: “ارفعوا أيديكم عن الجيش”.
كما لفت إلى أن العسكريين وقادتهم تعرضوا لهجوم من قبل فئات معينة، لكنه حذر تلك الفئات من التحريض، وفق تعبيره، كذلك، اعتبر أن القوات النظامية خط أحمر، لن يُسمح بالتلاعب بها.
أما عن الحوارات والتفاهمات السياسية الجارية في البلاد، فقال: صحيح هناك تفاهمات لكن لدينا خطوط حمراء، ولن نسمح بتفكيك الجيش أو البلاد. واعتبر أن السودان لا يتحمل تكرر المبادرات دون اتفاق، مشدداً على أن السودانيين لا يستحقون البقاء بدون حكومة لـ3 سنوات.
إلى ذلك، قال لن نقبل بانهيار السودان بينما تستمر القوى السياسية في حواراتها.
رفض عودة للثكنات
وفي السياق ذاته يعتبر رئيس حركة بلدنا جعفر خضر خطاب البرهان يعبر أن الحرج الكبير الذي سببه له الشارع الثوري وإصراره على التمسك بالسلطة وموارد البلاد الاقتصادية، وأن قوله: (لن نسمح لأي جهة بتفكيك الجيش) يعني أنه يرفض الإصلاح المؤسسة العسكرية الذي دعت له ثورة ديسمبر، وعودة الجيش للثكنات.
ويشير جعفر في إفادة لـ(اليوم التالي) إلى أن الخطاب رسالة إلى دعاة التسوية بألا ترفعوا طموحاتكم وتتوقعوا تنازلات في هذا الجانب، ويرتكز البرهان هنا على منطق قوة السلاح بسفور، إذ أكد للضباط والجنود أن سلاحه الشخصي الذي يحمله (معمر).
ويفسر، قد قدم في حديثه السلاح على المبدأ مرتين على الأقل، حين قال أولاً: (ما بنتخلى عن سلاحنا)، ثم (ما بنتخلى عن مبدأنا)، وكذلك قال: (طالما نحن عندنا سلاحنا في يدنا) ثم (طالما نحن مؤمنين بمبدأنا).
ونوه إلى أن البرهان لم يورد ذكر الدعم السريع، مما يدلل على أن الشقة بين قائدي الانقلاب قد اتسعت جداً، ويضيف: في حقيقة الأمر إن البرهان يخاطب في مخاوفه الشخصية، جراء الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت في فض مجزرة القيادة العامة وغيرها، فكأنما البرهان يقول: (أنا الجيش والجيش أنا).
وحول حديثه عن المؤتمر الوطني يقول جعفر: فيه غاية التناقض ولا معنى له إذ أن البرهان نفسه عملياً قد أعاد المؤتمر الوطني ليحكم قبضته على جهاز الدولة والنقابات، وأرجع قيادات مثل إيلا تحت نظر البرهان.
وإن الحديث عن قدرته على تشكيل الحكومة رسالة في بريد دعاة التسوية للقبول بشروط البرهان لنيل حظهم من السلطة، وتساءل: ماذا سيفعل البرهان مع الشارع الثائر والبسالات المدهشة والهتافات المضادة للعساكر؟
مراوغة سياسية
فيما اعتبر القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق حديث البرهان في منطقة حطاب العملياتية، مناورة ومراوغة سياسية، ما لم يتم إتباعها بعمل عاجل وفوري وهو إعلان التنحي عن الحكم والموافقة على إنهاء الانقلاب وإبطال إجراءاته وقراراته، والإذعان لإرادة الشعب السوداني في تحقيق الحرية والسلام والعدالة والعدالة والعدالة.
وقال عروة لـ(اليوم التالي) إن الخطاب ليس بجديد، وقد رشحت به بعض التسريبات منذ أمس الأول، وأنه تهيئة للشارع السوداني والمراقبين الإقليميين والدولين، وأن رسائل البرهان التي قال بها يكذبها الواقع، علاوة على أنه حديث مكرر قاله بنفس الطريقة حينما احتد الخلاف بينه وبين المدنيين في الحكومة الانتقالية، ما يعني وجود خلاف ما بينه وبين الإسلاميين.
ويرى أن البرهان يريد كسب نقاط وثقة من قوى المعارضة حينما قال: “لم نلمس منهم إلا الوطنية والشعور القومي”، وأن يجد تعاطفاً يحقق له بعض رغباته الوقائية من المساءلة والمحاسبة التي لا تملك القوى السياسية أمرها.
وبحسب عروة أنه رغم ما في ظاهر الحديث من إيجابيات إلا أن الواقع والوقائع تكذب البرهان، ويشرح: فمنذ قرارات الانقلاب في 25 أكتوبر تمت استعادة الحزب المحلول والحركة وتمكينهم من كل مفاصل الدولة.
ووفق الصادق أن البرهان رمى بكلمة مفتاحية وهي أنه لن يبصم على وثيقة تفكك الجيش السوداني، وأن قوى الثورة لا ترغب في تفكيك القوات المسلحة، إنما تريد تجريد المؤسسة من العناصر الأيدلوجية وتنظيفها من الحزبيين، ويترك أمرها للمهنيين ليعملوا على تطويرها وفق قانون وأسس تراصف مثيلاتها في دول العالم المتقدم، وفي ذلك يعلم البرهان أن قطع الطريق أمام عمليات الدمج والتسريح والترتيبات الأمنية لتتوحد القوات المبثوثة في كيان قومي جامع واحد وهو الجيش السوداني الذي لا يشاركه في سلاحه تكوين غير نظامي.
واقع جديد
وأكد القيادي بالحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، محي الدين إبراهيم أن موقفهم من خطاب رئيس مجلس السيادة يؤكد، أنهم لن يسمحوا بعودة عناصر المؤتمر الوطني إلى سدة الحكم مجدداً، أو أي نظام شمولي كنظام حكم في البلاد.
وأشار إبراهيم في إفادة لـ(اليوم التالي) إلى أن التوافق الوطني عبر الحوار بين الفرقاء السودانيين هو المخرج الوحيد للأزمة السياسية في البلاد، مطالباً الآلية الثلاثية أن تراعي مشاركة جميع الفاعلين السياسيين في المشهد الآن ومشاورتهم لإنهاء الأزمة السياسية وتشكيل واقع سياسي جديد، وحذر من اتخاذ خطوة غير هذه لوقف استمرار عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وما تشهده البلاد حتى لا ينعكس ذلك سلباً على الوحدة الوطنية.
توجه جديد
غير أن أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية مصعب محمد علي، قال إن خطاب البرهان بمثابة بيان عن توجهات جديدة ربما تعقبه قرارات في الأيام المقبلة يمكن أن تؤثر في الفترة الانتقالية، سيما وأنه يأتي في سياق التطورات الأخيرة التي تمر بها الأزمة السياسية بالبلاد والأحاديث المختلفة التي تشير إلى اقتراب تسوية بين المكون العسكري والقوى السياسية، بالإضافة إلى أنه يحمل رسائل للعديد من الجهات لعل أهمها هو عدم انحياز القوات المسلحة لحزب أو فئة، ورفض تفكيك الجيش حسب ما ذكر في خطابه.
وطبقاً لمصعب أن الخطاب خطا خطوات جديدة تجاه المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ولجهة أنها المرة الأولى التي يذكرهما بالاسم خلال خطاب رسمي وتوقع أن تشهد الفترة الانتقالية تغييرات.
انقلاب جديد
من جهته يقول المحلل السياسي عبدالقادر محمود أن تصريحات البرهان التي أطلقها في الهواء الساخن تخفي نوايا المؤسسة العسكرية باتجاه ترتيبات جديدة أو ربما انقلاب جديد خاصة وأنه قد أشار إلى إمكانية القفز على الأزمة وتشكيل حكومة في أسرع وقت، بالإضافة إلى أن التصريحات تأتي في وقت حذرت فيه وكالة الاستخبارات الأمريكية بإمكانية حدوث انقلاب عسكري في السودان.
ويؤكد محمود لـ(اليوم التالي) أن القوات المسلحة لن تسمح لقوى التسوية الخوض في مسألة هيكلة وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، لأنه يعتبر ذلك تفكيك وإعادة تركيب للمنظومة الأمنية وفق هوى الكتل السياسية المتصارعة.
واتفق محمود مع عروة بأن التصريحات مناورة سياسية لجني المزيد من المكاسب للمكون العسكري في أي عملية سياسية قادمة خاصة وأن قوى الكفاح المسلح طرحت تعديلات دستورية يمكن أن تؤدي إلى فض الشراكة مع المكون العسكري والانضمام إلى الشارع بعد أن كانوا الداعمين بقوة للإجراءات التصحيحية الانقلابية.
ويرى محمود تصريحات البرهان ومسودة التعديلات الدستورية وضغوط الشارع المتزايدة برفض التسوية بالإضافة إلى تهديد الإسلاميين للبرهان، طبيعية في سياق الفعل السياسي في خضم الصراع السياسي الراهن، حيث أصبح الكل ضد الكل، وأن الشارع يتمدد ثورياً لإسقاطهم جميعهم حال عدم التوصل إلى تسوية توافقية وتسلطية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب