عبدالحفيظ مريود يكتب: بنات الغنا السمحات

بدون زعل

الجميلة “ريلة” تحاول أن تقنعه أن:” البنات الفي الغنا ديل ما بتلقاهن يا صلاح”ـ يكاد يقتنع، لكنه – وهو المغرم بالحقيبة، الحافظ لأسرارها – يجد تهويمات أبو صلاح، مثلاً، أو ود الرضي، في حبيبات يشبهن الثريات، فينكص.. لا بد أن على الأرض واحدة تستحق الانتظار.. تستحق العناء..
يدخل صديقنا صلاح عباس، “صلاح أبو روف” مشارف الخمسين.. لا تبدو عليه هندسة جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، إلا إذا عرض حديثاً عابراً عن الجامعة.. يتحاوم في الحلة، مثل سمسار فاشل، لا يجد من يقنعه بأن (بيت الورثة المتهالك في ود البنا، أو ود أُرو، يحتاج صيانات خفيفة، فقط).. وهنا هو محك السمسرة، وشطارتها..
شايف كيف؟
ينتظر – غير مبالٍ – صديقاً، أصدقاء، على “بحر أبو روف”.. يفتح البيانات، حتى أطلقت عليه “صلاح بيانات”، لكثرة انكبابه على الهاتف، يضع رجليه على كرسي أمامه، ينظر في المسنجر، “من منهن أرسلت شيئاً، وهي على استعداد للونسة”.. أتأخر عنه – عادة – ساعتين، فأكثر. وأنا على يقين من أنه لن يفتقدني إلا في الساعة الثالثة، أو حين تبدأ بائعات الشاي يلملمن كراسيهن. تتوفر واحدة، وأحياناً ست واحدات على المسنجر، يكون مجلسه عامراً، مبتهجاً، ضاحكاً، وهو الوحيد.. الشباب “المكنات” في الحلة، يعتبرونه منهمكاً في مسألة دقيقة وحساسة، وهو في الواقع يؤانس الحسان..
” القصة دىيدايرة أخلاق، يا مريود.. أنا لو عرست، ح أطلقا ليكم بعد أسبوع.. ما بتحمل ياخ.. أنا زول ملول”.. أجادله: “يمكنك أن تتخلص من المثال.. وأن تتعامل مع الواقع.. النسوان ديل زي العربات.. بعد شوية ح تكتشف – حتى لو العرببة على الزيرو – إنو فيها عيب بتاع تصنيع.. طقطقة، كركبة، تكييف ما ظابط، كهربا ما موزونة.. ولو كانت مستعملة – سايقاها دكتورة قبطية، زي ما بغشونا السماسرة – ح تطلع فيها عشرين عيب.. فشنوووووو”…
– ياخ أنا ما زول حالم.. بس الواقع دا زاتو ما لاقيهو.
ينتهي النقاش النسائي هنا.. يتذكر حبيبات لم تمش قصتهن بعيداً..
كان مغرماً بالمنتديات: الوافر، نادي الزهرة، نادي الشاطئ، منتدى أبناء أمدرمان.. لكنه زهد في كل شيء.. يمكنه أن ينظم، ينضم إلى قعدة محصورة.. عنده فنانين أصدقاء لا يجامل فيهم: إبراهيم خوجلي، محمود فلاح، ياسر تمتام، سيف الجامعة، ضياء السر، عبد الله الطاهر، عبد الحليم، إنصاف فتحي، محمد دفع الله، سعدابي، عوض كسلا، وآخرون.. يمكن أن يفعل أي شيء لأجلهم.. يذهب إلى أي مكان سيغنون فيه.. لأنه محب جداً، وفي جداً، خلوق جداً، دافئ وودود..
شايف كيف؟
كأمدرماني قُح، لا يقبل أن تقول في الحقيبة أية ملاحظة.. لكنه لا يرفض الغناء الحديث.. عزال وعراف ومميز للأصوات، وصديق للعازفين والملحنين وأساتذة الموسيقى..
يكره التقعر في الكلام، وكلامات المثقفين وأحاديث السياسة.. أي نقاش في أي موضوع ينهيه بأن “أحسن تقسموا السودان دا ياخ.. أي ناس دايرين ينفصلوا خلوهم يمشوا ياخ”.. بالنسبة إليه المواضيع كلها تشبه موقفه من النساء.. لا يجب الإصرار على إيجاد حلول مرضية للأطراف، لأنه بالنسبة إليه، لا حلول مرضية.
وك”جعلي”، عمرابي، “الناس ما توجع راسنا ياخ.. المسألة بسيطة.. ما عجبك اتخارج.. ومع ذلك، من شدة حبه للسودان، وأمدرمان، لم يستخرج جوازاً حتى اللحظة.. لم تحدثه نفسه بالسفر، قط.. سيكون موجوداً على شاطئ النيل، قبالة أبو روف، مبذولاً للأصدقاء: عبد الله جعفر، حاتم الخليفة، عبد الله الطاهر، عبد اللطيف مجتبى، خالد الفنوب، عباس، رحمي، هيثم دولة، وغيرهم..
بالنسبة لي، فإنه شخص نادر.. فريد، بسيط ومعقد، محب حتى النخاع، بكاااااااي..
شايف كيف؟
قصصه لا تنتهي، ومحنة..
بس لو ترك أكل الفول، عشاء، في الهجرة…
شايف كيف؟
تستطيع إقناعه بأي شيء، إلا الزواج والسفر.. بدأ ثورياً.. ولجان خدمات وحماس شديد.. بحكم صداقته بعمر عشاري والكثير من الناشطين والناشطات.. لكنه بعد “عملية برهة”، في ٢٥ أكتوبر العام الماضي، قنع من خيراً فيها.. صديقه رحمي، الكوتش، الخفيف الدم يدلع البرهان ب”برهة”.. وعنده أن “برهة” ختاها للجماعة، منذ اليوم الأول للانقلاب، مثل “لبوس ساااااقط، مرقوا من التلاجة”..
شايف كيف؟
أكثر صفات صلاح عباس، التي تحببه للأصدقاء، أنه حاضر عند الفزع.. الملمات.. وثاب وسريع النهضة في الصريخ.. قليل العتاب واللوم.. خفيف على القلب.. يا سلام..
أكثروا من حب أصدقائكم، أيها المغادرون هذه الفانية.. فليس ثمة متسع من الوقت، للتعويض عن الحب..


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب