النيل الأزرق .. من أيقظ الفتنة!!

المك أبو شوتال: ما زلنا نرحب بالتعايش السلمي والحديث عن الإدارة الأهلية خط أحمر
أردول: افتعال العنف يؤدي لمزيد من سفك الدماء وبث روح الانتقام
الحركة الجماهيرية الشعبية: ما يحدث في النيل الأزرق يتطلب تدخلاً فورياً وقوياً
مفوضية حقوق الإنسان: نطالب بتقديم المتورطين للعدالة وعدم الإفلات من العقاب
الخرطوم: الرصيرص ـ النذير دفع الله ـ النذير إبراهيم
ما زالت الدولة السودانية منذ نشأتها وحتى اللحظة تعاني أزمة النزاعات القبلية والإثنية، فكلما خمدت نار الفتنة القبيلة أيقظها بعض الجهلاء وأصحاب المصالح وتجار الأزمات لاعتقادهم المزعوم المبني على العنف والكراهية والبغضاء بأنه كلما توسعت دائرة الحرب والفتنة، كلما ازدادت مصالحهم ومساواتهم البائسة على حساب أرواح المواطنين والأبرياء ..
ومع تباشير السلام التي أطلت على النيل الأزرق جراء توقيع اتفاقية جوبا للسلام وعودة الحياة إلى طبيعتها والاستقرار بدأ يعم مناطق الولاية، بدأت نار الفتنة تشتعل مرة أخرى بين قبليتي الهوسا والهمج في ظاهرة تعتبر دخيلة على مجتمع النيل الأزرق الذي يتسم بالبساطة والتسامح والسلام والمحبة، حيث بلغت الأحداث ذروتها أمس بالهجوم على بعض القرى وحرقها وإزهاق الأرواح فمن أيقظ الفتنة في النيل الأزرق؟!..
أعلنت حكومة إقليم النيل الأزرق حالة الطوارئ وحظر التجوال بمدينتي الدمازين والرصيرص، فيما أصدرت اللجنة الأمنية بالإقليم بياناً صحفياً، حول الأحداث والاشتباكات القبلية العنيفة التي شهدها الإقليم أمس الأول الجمعة واستمرت أحداثها حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وعلى إثرها لقي أكثر من 50 شخصاً مصرعهم وجرح أكثر من تسعين آخرين.
وفي وقت حاولت (اليوم التالي) الاتصال بالمسؤولين كافة بحكومة الإقليم واللجنة الأمنية والمكوك والعمد والمشايخ، إلا أنهم رفضوا الرد على الاتصالات، وتحجج البعض منهم بوجوده داخل اجتماعات بخصوص الأحداث، وفي السياق كشف مصدر موثوق ومتابع للوضع عبر اتصال هاتفي، رافضاً كشف هويته، عن تجدد الاشتباكات بين قبائل البرتا والهمج ضد قبيلتي الهوسا والفلاتة، إثر اغتيال رعاة من الفلاتة لمحمد حنقوق بقرية حمّاري بمحلية قيسان، الأمر الذي أفضى بأهله في مدينة بكوري بالاعتداء على الفلاتة والهوسا بالمنطقة، ومن ثم انتقلت الحملة الانتقامية إلى مدينة قيسان، والتي تم من خلالها حرق كل متاجر الهوسا بالمدينة وإعاقة العشرات منهم، لتنتقل الشرارة من بعدها إلى مدينتي أم درفا والرصيرص، والتي بدورها شهدت قتالاًعنيفاً بين القبيلتين، أفضى إلى حرق كل أسواق الهوسا بمدينة الرصيرص وأحياء قنيص شرق والجنوبي، وقال المصدر إن القتال وإطلاق النار ما زال مستمراً حتى نهار أمس في ظل صمت مريب وغياب تام من قبل المسؤولين واللجنة الأمنية، والتي لفت إلى أنها لم تفعل شيئاً حيال القضية سوى إصدار بيان أعلنت فيه حالة الطوارئ بكل مدن الإقليم.
وقال البيان إن إقليم النيل الأزرق يشهد استقراراً أمنياً وجنائياً عقب توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان، ويشهد حالة من التعايش السلمي بين المكونات السكانية بالرغم من التعدد القبلي، مما أكسب الإقليم مزايا اجتماعية تستند على المواطنة، ولفت البيان إلى أنه ومنذ منتصف الأسبوع الماضي وتحديداً نهار يوم الجمعة الماضي، ونتيجة لمقتل أحد المزارعين بمحلية قيسان ومنطقة حمَّاري، شهدت بعض مدن الإقليم تفلتات قبلية ترتب عليها قتلى وجرحى وإتلاف للمحلات التجارية وإثر ذلك تدخلت قوة من الشرطة بإسناد من القوات المسلحة والدعم السريع، وتمكنت من السيطرة على الموقف وضبط بعض المشتبه بهم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وذكر البيان أنه نتج عن الأحداث بالمدن المختلفة قيسان – أمورا – وبكوري – أم درفا الروصيرص، قنيص عشرات القتلى والجرحى، وإتلاف عدد كبير من المحال التجارية، وقال: وأثناء هذه الأحداث عقدت لجنة الأمن اجتماعات طارئة برئاسة حاكم الإقليم وبكامل عضويتها وظلت تتابع كل دقيقة هذه التفلتات، واتخذت عدة تدابير في سبيل الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين، وأصدرت اللجنة قرارات قضت بحظر التجوال بمحليتي الدمازين والروصيرص من الساعة السادسة مساءً وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي، ومنع التجمعات غير الضرورية، على أن تستمر هذه الإجراءات لحين استتاب الأمن.
وناشدت لجنة أمن الإقليم المواطنين بضرورة الالتزام بتلك القرارات والتعاون مع الأجهزة الأمنية في سبيل حفظ الأمن وضبط المتفلتين والجناة وتقديمهم للعدالة، وشددت اللجنة على أن كل من يخالف هذه القرارات يعرض نفسه للمساءلة القانونية، وأكدت بأنها ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على الأمن والسلامة والطمأنينة العامة وتقديم الدعم الكامل لأجهزة إنفاذ القانون للاضطلاع بواجباتها القانونية.
وفي الوقت الذي أحجم فيه المسؤولون من حكومة الإقليم واللجنة الأمنية، وعدد من المكوك والمشايخ اتصلت بهم (اليوم التالي)، أصدرت قبيلة الهوسا بياناً ذكرت فيه أنه تم تنفيذ مخطط ضد منسوبيها بالهجوم على مدينة أم درفا وقيسان وحي قنيص شرق، وقال البيان إنه وعلى إثر ذلك، تم نهب وحرق بعض المحال التجارية، وقتل الأطفال والشيوخ والشباب، وذكر أن الهجوم على أفراد القبيلة متواصل حتى لحظة كتابة هذه السطور، وقال إن مستشفى الدمازين وقسم الحوادث ما زالا يستقبلان أعداداً متزايدة من الجرحى والمصابين، وطالب البيان بمحاكمة كل من له يد في زعزعة أمن المواطن والإقليم.
من جانبها دعت لجنة أطباء السودان في بيان لها، كافة الكوادر الطبية والصحية إقليم النيل الأزرق إلى الاستجابة السريعة والقيام بواجبهم المهني والأخلاقي رغم شح الإمكانيات، وقالت اللجنة إنها لاحظت أن هذه الأحداث المؤسفة وقعت وسط صمتٍ وتعتيم إعلامي مريب من قبل حكومة ولاية النيل الأزرق، وعجز تام عن القيام بواجبها القانوني ومسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية تجاه المواطنين.
وفي السياق قال الإعلامي الأستاذ قاسم ونيس إن الأزمة والنزاع القائم حالياً في النيل الأزرق هو صراع قديم بين قبليتي الهوسا والهمج.. حيث تعود تفاصيل الصراع أن قبيلة الهوسا طالبت في وقت سابق بأن تكون لها إمارة أهلية مثلها والقبائل الأخرى، مضيفاً: مع عمليات الرفض من جانب الإدارات الأهلية بدأت بعض الملاسنات والألفاظ بين الطرفين والتي تحمل في طياتها شيئاً من العنصرية والإثنية ما أدى لتوليد الغبن بين الطرفين وأدى لنشوب الصراع، كاشفاً أن بعضاً من قبيلة الهوسا حسب بعض المصادر والشهود أنهم اعتدوا على شخص من قبيلة الهمج مما جعل بعض من الهمج يردون على العدوان فانتشر الصراع ..مبيناً أن قبيلة الهوسا كانت قد أصدرت بياناً في رمضان الماضي تطالب فيه بإمارة نسبة لتوسع القبيلة الأمر الذي دعاهم للمطالبة بإقامة إمارة منفصلة علماً أن أمير الهوسا كان خارج البلاد وعند حضوره أرادوا تنصيبه أميراً ..
الحركة الجماهيرية
قال د. أحمد المفتي مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان ومؤسس الحركة الجماهيرية الحقوقية، إن ما يحدث في ولاية النيل الأزرق يتطلب تدخلاً قوياً وفورياً، من الحكومتين الولائية والاتحادية مطالباً الحكومتين الولائية والاتحادية، بالتحرك القوي والفوري، لوقف الاقتتال، وإسعاف المصابين، وحل كافة الخلافات بالطرق السلمية. وناشد المفتي عضوية الحركة الجماهيرية بالولاية، للوقوف يداً واحدة، بمختلف انتماءاتهم القبلية، ومساعدة السلطات الحكومية في التصدي بالطرق السلمية لإيقاف الاقتتال والعنف فوراً، والدعوة للتآخي والتعاون، وحل كافة الخلافات بالطرق السلمية، والأعراف القبلية السمحة، وعدم تمكين أي جهة، للمتاجرة بأرواح المواطنين.

صوت العقل ونبذ العنف
فيما أبدى الأمين العام لقوى الحرية والتغيير “التوافق الوطني” ورئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية الأستاذ مبارك عبد الرحمن أردول أسفه البالغ لسقوط قتلى وجرحى في الأحداث الدامية التي شهدتها ولاية النيل الأزرق أمس، وناشد أردول في تغريدة له على حسابه بمنصات التواصل الاجتماعي العناصر المتنازعة من قبيلتي (الهمج والهوسا) إلى ضرورة الاحتكام إلى صوت العقل وإعمال الحكمة ونبذ العنف والتمسك بالموروث الاجتماعي المرتكز على التعايش المجتمعي لحلحلة التباينات ومعالجة الخلافات الحالية، مبيناً أنه لا مكسب من افتعال العنف سوى مزيد من سفك الدماء وتوزيع الآلام والغبن وبث روح الانتقام، وهو أمر الجميع في غنىً عنه بحسب تعبيره، منوهاً إلى النموذج الذي ظل يضربه مجتمع النيل الأزرق في التساكن المبني على الماضي والحاضر والمستقبل المشترك بين جميع الإثنيات والمكونات القبلية، وشدد أردول على ضرورة تطوير هذا النموذج وبنائه بمحبة ووئام، داعياً قيادات المنطقة من السياسيين والمثقفين والأعيان في القبيلتين المتنازعتين إلى لعب دور فاعل في تحقيق الصلح وخفض التوتر، وعدم السماح للحمية أن تسيطر على المشهد وقفل الطريق أمام الجهلاء لتجاوز الأزمة العابرة.
الإفلات من العقاب
بينما أكدت المفوضية القومية لحقوق الإنسان أنها ظلت في حالة متابعة مستمرة للأوضاع هناك منذ الساعة الأولى لاندلاعها، وقال رئيس المفوضية دكتور رفعت الأمين: طالبنا السلطات باتخاذ التدابير لوقف العنف، ونتابع الخطوات التي اتخذت من قبل السلطات والتي أعلن عنها مساء السبت 15 يوليو، وأضاف: نتطلع إلى أن تجرى تحقيقات شفافة وأن يقدم جميع المتورطين في أحداث العنف للمحاكمة العادلة، الإفلات من العقاب في مثل هذه الحالات فيه خطورة كبيرة.
وأوضح رفعت: ندرك أن هناك حاجة لتضافر جهود الفاعلين جميعهم من أجل معالجة أسباب الاحتقان والتوترات القبلية.
التعايش السلمي
وقال المك أبو شوتال خلال تسجيل صوتي إن إنسان المنطقة في النيل الأزرق متسامح وإن هذه الأحداث قام بها أفراد يعتبرون نكرة في المجتمع خلقوا هذه الفتنة، مضيفاً: نحن في أفريقيا لا نعرف غير الحواكير أنا مسؤول عن كل القبائل في النيل الأزرق، ولكن بعض القبائل جاءت لخلق فتنة في السودان من خلال المطالبة بنظارة وحاكورة في النيل الأزرق وهذا أمر غير مقبول مهما كان ولا مجاملة في ذلك ..مشيراً أن كل من لديه حاكورة في النيل الأزرق يحق له الحكم الأمر لا يحتاج إلى ما حدث.
وأوضح شوتال: ما زلنا نراقب ما يحدث من بعيد وما زال الحكم في النيل الأزرق للإدارة الأهلية، كل من لديه حق سنعطيه حقه تماماً والإدارة الأهلية منذ السلطنة الزرقاء في النيل الأزرق معروفة لمن تتبع ومن هم أصحاب الحواكير .
مؤكداً أن أي مواطن في النيل الأزرق (نشيلو في راسنا فوق) ولكن دون ادعاء أو المطالبة بحق ليس له ولا نسمح بالحديث في الإدارة الأهلية في النيل الأزرق وحتى اللحظة نطالب بالتعايش السلمي بين كل الأطراف والأطياف في النيل الأزرق ونرحب بكل من جاء به الرزق في النيل الأزرق