الاحتماء بالقبيلة… هل يهدد القومية؟

أزهري محمد: تكامل الأهداف ينهي القبلية ويكون الولاء للقومية السودانية
محمد محي الدين: ارتفاع صوت القبيلة تعبير عن إحساس بعدم الاستقرار السياسي
أحمد عابدين: الاصطفاف القبلي مدخل خطير لتفكيك اللحمة الوطنية
يسعى الشعب السوداني عبر ثورة ديسمبر لبناء دولة المواطنة التي تكفل الحقوق المتساوية للمواطنين وترعى حق الفرد في التعبير عن رأيه وتعطيه حق الاختلاف مع الآخرين، بعيداً عن القبيلة، إلا أنه وبعد ثلاث سنوات من الثورة عاد الاحتماء بالقبيلة مرة أخرى، وقطع متحدثون لـ(اليوم التالي) خطورة الاحتماء بالقبيلة ويرون أنها تعبير عن إحساس بعدم الاستقرار السياسي، مدخل خطير لتفكيك اللحمة الوطنية، وفي الوقت ذاته أكدوا أن تكامل الأهداف الوطنية ينهي القبلية ويقود إلى الولاء للقومية السودانية.

اليوم التالي: القسم السياسي
عودة إلى القبيلة
ووفق صحيفة (التغيير) فإن محلية مروي بالولاية الشمالية تشهد هذه الأيام حراكاً سياسياً واجتماعياً للترحيب بعودة مدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق في عهد الرئيس المخلوع الفريق أول صلاح عبد الله المشهور بقوش الذي غادر السودان للقاهرة عقب سقوط نظام البشير، وقالت الصحيفة إن لجان المقاومة بمحلية مروي ترفض إرهاصات عودة مدير جهاز المخابرات السابق، بغطاء قبلي وأهلي وإثني بحجة أنهم مستهدفون، ونوه البيان إلى المجازر التي حدثت في عهد قوش في كجبار وكسلا وبورتسودان وأمري والعرقوب، فيما أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة بعنوان صلاح قوش (قاتل)، وفي الوقت ذاته دعم فنانون عودة قوش إلى البلاد.
وفي وقت سابق استقبل مواطنو ولاية جنوب درارفور في مطار نيالا الدولي، وزير المالية الأسبق في حكومة البشير علي محمود محمد عبد الرسول، الذي تم إطلاق سراحه عقب (٣) سنوات من السجن بعد أن برأته المحكمة في قضايا كان متهماً فيها بالفساد.
وفي مطلع أكتوبر المنصرم استقبل البجا في مطار بورتسودان شرق البلاد، رئيس الوزراء الأسبق محمد طاهر أيلا الذي عاد إلى للبلاد، وسط استقبالات حاشدة حيث خرجت جموع غفيرة محتشدة بمطار الولاية وساحات المدينة الساحلي، بعد غياب أكثر من ثلاث سنوات.
ولم يذهب بعيداً سكان كردفان إذ أطلقت إدارات أهلية زعماء الطرق الصوفية مبادرة لمناصرة والي شمال كردفان الأسبق، أحمد هارون وسط حضور كثيف في مدينة الأبيض، وفي الاتجاه ذاته نظمت أسرة وزير الدفاع الأسبق في نظام البائد، الفريق أول ركن مهند عبدالرحيم محمد حسين، حملة من أجل إطلاق سراحه.
تحصيل مكاسب
يرى الباحث والمحلل السياسي محمد محي الدين في حديثه لـ(اليوم التالي) أن ارتفاع صوت القبيلة تعبير عن إحساس بعدم الاستقرار السياسي وأن هذه سانحة لتحصيل مكاسب سياسية لصالح القبائل بدوافع مختلفة وأن ما تقوم به القبائل أمر خطير ويؤثر على الاستقرار بشكل كبير.
وينوه إلى أن الدعوات القبلية تدلل على أن المنظومات السياسية والأحزاب غير قادرة على التعبير عن احتياجيات المواطنين في المناطق الطرفية الذين شعروا بأن إسناد أبنائهم سيحقق لهم مصالح أكثر من إسناد برنامج لأحزاب سياسية لا تمتلك رؤية لتقديمها في معادلة الحكم خلال الفترة الانتقالية.
وحذر محي الدين من ارتفاع دعوات القبلية لمناصرة العاملين في مؤسسات الدولة المختلفة سواء كانت أجهزة نظامية أو خدمة مدنية الأمر الذي يقود إلى تسييس المؤسسات والذهاب بها في اتجاه المناصرة والاصطفاف القبلي الذي سيفقدها قوميتها وهذا أخطر ما في القضية.
وطالب بضرورة التفريق بين الانتماء القبلي وبين الصبغة القومية لمؤسسات الدولة المختلفة، وذلك لأن من حازوا على المناصب حازوها بالترقي الطبيعي للعمل إذا كان عسكرياً أو في الخدمة المدنية، بالتالي لا يجب أن يذهب الناس في اتجاه الدعم المكشوف للقبيلة لهذا الشخص أو ذاك ـ حتى لا يؤثر ذلك على الفترة الانتقالية ويجب على الجميع أن يعمل على إسكات هذه الدعوات العنصرية البغيضة.
تصريحات خطيرة
فيما وصفت القيادية والناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية جناح جلاب، كفاح تيراب، في تصريح سابق لـ(اليوم التالي) ظاهرة الاحتماء بالقبيلة وزعماء الإدارات الأهلية بأنها ظاهرة خطيرة في ظل عمل الجميع من أجل سودان موحد يسع الجميع ويسند بآراء تنصب في مصلحة الشعب السوداني بصفة عامة.
وتؤكد أثرها على الوضع الانتقالي، فضلاً عن أنها تزيد من التعقيدات السياسية بتعقيدات قبلية وجهوية في ظل سعي الجميع للخروج من النفق المظلم، محذرة من التقوقع والاحتماء في الجهوية والقبلية، وأن السعي للاحتماء بالمنظومة الأهلية يقود إلى ضياع السودان وسط هذا الاصطفاف ونظل في وضع كارثي تماماً.
وشددت كفاح على ضرورة أن يتمتع كل من يتولى منصباً عاماً بالقومية ولابد أن يقف على مسافة وسطية واحدة من جميع الإثنيات والقبائل السودانية بحكم المنصب العام، لأنه لا يمثل قبيلة بعينها، بل يمثل السودان أجمع، وأشارت إلى أنهم في الحركة الشعبية يكرسون للقومية وسودان يسع الجميع من منظور الحركة.
شعارات السياسية
ومن جانبه قال الأمين العام للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، عبدالله أوبشار لـ(اليوم التالي) إن ظاهرة الاحتماء بالقبيلة التي انتشرت مؤخراً مرتبطة، بالجانب الاجتماعي أكثر من الوضع السياسي الراهن خاصة وأن القادة السياسيين هم من تبنوا قضايا الشعوب وتصدروا المشهد، وأن قيادتهم للمشهد ليس حصرياً على بني جلدتهم أو أهلهم أو شخصهم وفق تعبيره، وأضاف: وإذا كان هنالك ضرر سيشمل كل السودان وهذه المسألة لا تنضوي في قبيلة أو مكون حتى يصرح بالحماية وزاد: ليس هنالك من يظن في شخص لانتمائه لقبيلته أو إثنيته والموضوع مرتبط بخلافات وآراء سياسية لحدٍ كبير.
واعتبر أوبشار أن الاحتماء بالقبيلة لن يكون له أي تأثير على الوضع في السودان ومضى إلى أن الشعب السوداني حكيم ولديه تجارب أفادت كثيراً حتى لو كانت هنالك أخطاء ربما زعماء الإدارات الأهلية هم الذين يتصدرون المشهد ويسعون الى حل المشاكل، وتابع: إذا صدرت بعض التصريحات القبلية بشكل صارخ قد تؤدي الى إشارات سالبة، وفيها خطأ كبير من الإدارات الأهلية وقال أوبشار: نتمنى أن لا تتجاوز هذه القضية الرؤية الأهلية، ولكنه قال: لا تعدو أكثر من أنها شعارات سياسية ونوه الى أنها إذا أخذت التصريحات من الأشخاص في إطار سياسي على الدولة معالجة هذه القضية بشكل شفاف بعيداً عن أخطاء التشفي على أي شخص وأن لا تؤخذ في إطار القبلية على حساب القومية وأن الشعب السوداني واعٍ وقومي.
الصراع السياسي
وفي السياق ذاته يرى الباحث والمحلل السياسي أحمد عابدين في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الاصطفاف القبلي يشكل مدخلاً خطيراً لتفكيك اللحمة الوطنية ويشجع الأطماع الخارجية.
ويقول إنه يعكس هشاشة التكوين السياسي للقوى المدنية ومدى فشلها في توحيد الحس الوطني وجعله الخط الأحمر علاوة على أن الاصطفاف يشكك في مدى تأثير الصراع السياسي الحزبي في تراجع قادة الدولة نحو حواضنهم الاجتماعية وهي في نظرهم الملاذ الذي يمكن أن يحفظ عملية التوازن، محذراً من الاصطفاف وقال إن نتائجه وخيمة على مستوى القبائل التي اصطفت أو التي ستصطف في مقبل الأيام.
وبحسب عابدين أن البيئة الحالية ساهمت في تراجع الحس الوطني القومي فترى القبائل أنها قادت أبنائها للسلطة من الهامش المحروم تاريخياً من كافة المزايا، وإنهم يعبرون عن تضامن وتمسك بهذا الكسب بلغتهم أو تعبيرهم الذي يراه أبناء المركز باعثاً للقبلية.
ويقول إن ما يحدث الآن من اصطفاف قبلي أسلوب خشن لتوصيل رسائل تحذيرية مضمونها: “لن نقبل مرة أخرى بالعزل أو الاستعلاء” لجهة أن زعماء القبائل هم قادة خرجوا من بيوت ساهمت في تشكيل الوجدان الوطني القومي وأن وبعض القبائل لديها عقلاء لن يتركوا الأمر ينزلق.
وطالب بضرورة العمل لصالح البناء الوطني المنشود، دون ابتزاز الآخرين وممارسة ذات أدوات القمع التي استخدمت سابقًا.
ظواهر دخيلة
إلا أن القيادي بحزب الغد الديمقراطي دكتور أزهري بشير يعتقد في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الاحتماء بالقبيلة برز خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الحكومة الانتقالية، وبرزت ظواهر دخيلة على المجتمع السوداني، واستمرار التهميش.
ويوضح أبرز هذه الظواهر، خطاب الكراهية، وعدم قبول الآخر، والفتنة بجانب ظاهرة العنصرية والقبلية، ما أدى إلى خلافات ونزاعات قبلية في الشرق ودارفور وكردفان، كل ذلك بسبب ضعف الدولة، التي سمحت بالتدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي.
وزاد: وعليه لابد من المخرج الأمن لسلامة الإنسان في السودان وذلك لابد من قيام الانتخابات بأسرع ما يمكن، السودان يحتاج إلى حكومة شرعية منتخبة لمعالجة الأزمات المتلاحقة والصراعات القبلية والسياسية، لتحقيق السلام الشامل والتنمية المستدامة، ووضع دستور دائم متفق عليه،
وأردف أزهري: إذا تكاملت كل الأهداف السابقة فمن المؤكد ستنتهي القبلية ويكون الولاء للقومية السودانية في جميع مؤسسات الدولة التي يكون عنوانها المساواة والعدالة في كل مستويات الحكم.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب