مرثيتي لمكتبة (مروي بوكشوب)

د. وائل احمد خليل الكردي
لقد تربيت ثقافيا منذ كنت بالمرحلة الثانوية في مكتبة (مروي بوكشوب).. وعندما كنت طالبا بالجامعة كانت لي زيارة راتبة لها في صباح كل يوم.. واستمرت علاقتي بها تزداد قوة كلما تقدمت في العلم والعمر.. ومعظم كتبي التي اقتنيتها في حياتي ظلت تحمل في داخلها ديباجة:
مروي بوكشوب
شارع البرلمان
ص.ب: 2381
الخرطوم-السودان
والان ، وفي مطلع شهر يوليو 2022م شهدت احتضارها بأم عيني وبين يدي.. فقد كنت اتي اليها في كل يوم لارى العمال مع صاحبة المكتبة وراهبتها الناسكة التي افنت عمرها فيها (اخلاص) وهم يضبون ما تبقى من
الكتب في اكياس واشولة ثم ترحيلها ، ولكن الكم الاكبر من الكتب والاهم والاكثر ندرة وقيمة كانت قد اغرقتها تماما مياه الخريف التي اقتحمت المخزن الارضي الشاسع الاتساع وعاشت الكتب الثمينة غارقة تحت الماء لمدة عامين حتى تعجنت وضاعت ملامحها ثم تحللت وتحللت معها كل طاولات الحديد والاخشاب العتيقة التي كانت تحملها.. كنت اتي لاواسي تلك الجدران الطيبة الصبورة في حزنها الكبير وتلك الاوراق المعطرة برائحة المطر والعراقة وتراب ارض السودان، فالكتاب الذي كنت اشتريه منها كان عندي ليس مجرد كتاب من الكتب وانما كنت اشعر به اخا صديقا رفيقا ويظل كذلك حتى بعد ان افرغ من مطالعته عدة مرات.. فلطالما اعطت مروي بوكشوب اروع ما عند العرب من زخيرة الكتب والاسفار افلا اعطيها من عندي دقائق ايام احتضارها الاخيرة ولو وقفت عاجزا امام الموت، وياله من موت.. ثم حان الوقت ونظرت خاشعا ابوابها وهي تغلق لاخر مرة والى الابد في هذا المكان، وبكيت سرا.. ومازلت ابكي..
ستظل (مروي بوكشوب) بتاريخها العظيم ومصرعها الاليم نصبا معنويا شاهدا على ظلم الانسان لنفسه في هذا البلد السودان ما بقي حيا.