حرب الأسافير

نهى محمد الأمين أحمد
nuha25@yahoo.com
لا يخفى على أحد، أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تسيطر على حياتنا بشكل كبير، والغالبية العظمى من الناس يقضون جل وقت فراغهم أمام هواتفهم وحواسيبهم، ولا شك أن هذه الطفرة التكنولوجية التي قادت الناس لما يعرف بـ(العولمة) قد أسهمت كثيراً في تسهيل حياة البشر وربما أسهم اتصال لاسلكي في إنقاذ حياة إنسان يتعرض لخطر محدق من حرائق أو لصوص، وربما أنجحت وجهة نظر جراح في أقصى الغرب عملية مستعصية تم إجراؤها أونلاين، لمريض في أقصى الشرق.
أصبح التواصل يسيراً، وبمكالمة ڤيديو أثيرية تطمئن الأم يومياً على ابنها الذي أرسلته للدراسة بقارة أستراليا، في زمن ليس بالبعيد كان يستغرق الخطاب بالبريد زهاء الثلاثة أشهر تقضيها هذه الأم في حالة قلق حتى تتلقى خبراً مطمئناً.
وبالرغم من هذه المزايا العديدة، حملت العولمة في معيتها الكثير من العيوب، فأصبحت عيادة المريض تتم برسالة واتساب، والتهنئة بالأفراح عبر كارت إلكتروني، حتى واجب العزاء الذي كنا في غاية الحرص على القيام به كسودانيين استعضنا عنه بتلك الصور الجاهزة التي يتم إرسالها مع الإيموج للوجه الباكي.
تسيد التواصل الإسفيري الموقف، وهذا سلاح ذو حدين، استخدمه البعض استخداماً ذكياً، فجلب المنفعة إلى حياتهم وحياة المحيطين بهم، وأساء آخرون استخدامه، واستغلوا منصات التواصل الاجتماعي للنيل من الناس، فضحهم ونقل أسرار البيوت، تسبب ذلك في هدم الكثير من المؤسسات الاجتماعية مثل الزواج، وتفرغ الكثير من الذين يعانون من الخواء الفكري لبث السموم من خلال هذه المنصات.
الصمود في وجه مثل هذه التيارات يقتضي شخصية قوية وإنسان يؤمن بمبادئه حتى ينأى بنفسه من مثل الترهات ولا يخوض مع الخائضين.
صراحة الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، فقد أصبحت هذه المنصات ساحات حرب وكل يشحذ جيشه، وتجد أنك في حالة دفاع دائم عن مبادئك وقناعاتك، وأنهم لن يتركوك، سيقفوا ضدك على الدوام وسيكونون لك بالمرصاد، فهناك من تخصصوا في الترويج لأفكار مسمة وسلوكيات ضارة وبرعوا في تجميلها واكتساب المؤيدين والمعحبين، وتباروا في الحصول على أكبر عدد من (اللايك والشير) التي أضحت وسيلة التقييم.
الصمود الإسفيري مرهق للغاية ويستهلك الكثير من أعصابك، ولكي تنجو بمبادئك، يجب ألا يجرفك التيار، تتمسك بمواقفك الواضحة مهما كان حجم الاستفزاز والضغوطات.
الذي ينجو بمبادئه من هذا الخضم، يمتلك شخصية قوية وقناعات راسخة، لا يهزه هذا اللغط ولا يستجيب مهما كانت الضغوطات لسياسة القطيع والعقل الجمعي، ويظل يعبر عن رأيه بكل شفافية وشجاعة، ولا يهتز له رمش مهما كثر الأعداء وتكالب عليه المحبطون، يظل قوياً صامداً بخياراته المؤسسة التي ارتضاها لنفسه.