عبد الحفيظ مريود يكتب: بعض مناجيات حواء حامد

بدون زعل

نصر الدين العماس، أحد الآبقين المتفلتين، كاهلي من قرية “ود كبيش”، ولكنه يدعي أنه من القطينة.. أنا وموسى حامد نحتفظ – موسى حامد، وأنا – بالسر لم نذعه، قط.. حتى أقرب الأقربين إلينا لا يعرف أنه من الأرياف.. يحب محمد وردي، وهذا هو المهم..
ساخر حتى النخاع، مثقف وأديب ضل طريقه إلى الإعلام. لو أنه انصرف إلى الأدب أو الدراما، لأفادنا، أكثر من مضايقته للشباب ناس “العمارة الكويتية” فى الإعلام.. يحفظ قصص درامية مسبوكة، دقيقة، حدثت في “ود كبيش”، والقرى القريبة والبعيدة.. يضيف إليها تفاصيل من خياله الخصب، لو سرح فيها – بقليل من الجدية – لأثرى ساحة الدراما واليوتيوب، تحديداً..
شايف كيف؟
العماس، ضمن قصص “ود كبيش”، أن اللوري في طريقه إلى قرية من القرى، والدنيا موحلة بالكثبان الرملية والعوائق، أحد الشليقين، وهو جالس إلى جانب السائق، ألحّ في “مكاجرته”، مصراً على أن هذا الطريق لن يخرجك.. السائق يطلب إليه التزام الصمت، وهو مصر “والله توحل.. الشارع دا ما بمرقك”.. وخلق السائق يضيق كلما خصمت مكاجرة الشخص من تركيزه على إخراج اللوري.. حين تمكن – أخيراً – من إخراج اللوري، أوقفه في “النقعة”، ونزل، أخرج سكينه، وهو يزبد ويرغي، نزل كل من باللوري، لتدارك المسألة.. السائق كان يطلب من الرجل “المكاجر” أن يمسك…، وإلا فسيغرس سكينه في صدره.. والسائق ضخم، قوي البنية، طويل، شلولخ..
شايف كيف؟
الرجل المكاجر – برجالة زائدة – يصر أنه لن يفعل، والسكين يلمع نصلها في ضوء الشمس.. كان السائق قد خمشه من جلابيته، قبقبه، تماماً.. اجتمع ركاب اللوري يتوسطون إلى السائق المتطاير الشرر من عينيه، لكنه يحلف “طلاق تلاتة”، وأيماناً مغلظاً، بأنه لن يتراجع.. اتجه توسطهم للرجل المكاجر، لن يكون في مقدورهم أن يحملوه على تلبية طلب السائق، فكانت وساطتهم، لكي لا تحدث جريمة قتل، وكي يتمكنوا من الوصول إلى قراهم: ” يا فلان.. ما تمسكوا.. أدو هبشة ساي، كدي.. خلينا نلحق المغرب عند أهلنا”..
وتحت “الضغوط المحلية والدولية والظروف التأريخية”، اضطر الرجل المكاجر للتجاوب، وهو يمد يده “والله ناس الدنيا ديل يجبروك على حاجات كدا غايتو”…
شايف؟
في الوضع “المكوجن”، مثل لوري ود كبيش ذاك، “ظللنا” نردد – كما تقول البيانات السياسية – إن المكاجرة لا تفضي إلى طريق للخروج. وبما أن لا أحد يملك أن يكسح ويمسح الآخرين من الوجود، فإن على الجميع أن يجدوا صيغة للتعايش، والانفتاح على بعض.. يكمل الجميع الجميع..
لكن الجميع ذهبوا باتجاه “أكسح.. أمسح… ما تجيبوا حي”، بعبارة مولانا أحمد هارون، البالغة الدموية والإقصائية والاجتثاث.. الحرية والتغيير انتفشت، حتى لتظن أنها سائق اللوري، ثم لاح لها بارق تسوية ظريييييفة.. لم يعد العسكر هم العدو، ولا يجب أن تقصيهم، تماماً.. لم يجد البعث العربي الاشتراكي السنهوري نفسه في “العملية السياسية” الجارية، التسوية، فأصدر بياناً غارقاً في “الحلم الثوري”، مثله مثل بيانات مقاومة الخرطوم والجماعة بتاعين “ميثاق سلطة الشعب” ديلك..
شايف كيف؟
تعاملت الحرية والتغيير مع “العملية السياسية” مثلما تعامل الرجل المكاجر مع السائق.. ظهرت تسمية “القوى الداعمة للانتقال”، والتي شملت (الشعبي، الاتحادي الأصل وأنصار السنة)..
حسناً….
من هي الإنقاذ، إذن، إن لم تكن المؤتمر الشعبي؟
سيكون هناك تعالقات هشة، سيقول السفهاء من الناس، في أن الشعبي كان معارضاً للإنقاذ بأكثر مما فعل أي شخص آخر.. وهو محض تدليس وافتئات على الحقائق على الأرض، لكن الحرية والتغيير – مضطرة – ستقوم بعملية الرجل المكاجر.. سقطت الإنقاذ والشعبي والاتحادي “شريكان كاملا الشراكة الإنقاذية”، فكيف تحولا بقدرة قادر إلى “قوى انتقال”؟؟
أليست هذه هي “الهبشة” المطلوبة؟
الله يقطع العماس.. وعموم حلال الكواهلة والحسنات والحسانية.. لو وجد له موسى حامد “شغلاً” في مناطق النزاعات لكان خيراً للأمة..
على العموم…
آمل أن تكتفي “العملية السياسية” بـ”الهبشة”.. وألا تتعدى ذلك، والنصل يلمع على أشعة شمس نوفمبر الباردة، نوعاً ما..


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب