الخرطوم: علي وقيع الله
بات تحرير سعر دولار الدواء بالكامل؛ السبيل الأوحد لتوفيره في البلاد، لكن هذا السبيل قد يفضي إلى انفلات جديد في أسعار الأدوية بصفة عامة، ولعله الاتجاه الذي أعلنت عنه وزارة الصحة الاتحادية نحو اعتماد سعر الدولار المحرر في تسعير الدواء بواسطة الإمدادات الطبية لتحقيق الوفرة الدوائية واستدامتها وسداد مديونية الإمدادات، عقب ورشة عمل “إصلاح تمويل النظام الصحي” فمن الخبراء الاقتصاديين من يرى أن السودان بحاجة ماسة لتنظيم عملية تسعير الدواء، وبالتالب ينبغي بالضرورة وضع الأسعار على الدواء مباشرة؛ طالما أن سعر الصرف للدواء بات شبه ثابت، والبعض يقترح على الدولة طالما هي ماضية في اتجاه تحرير سعر الدواء؛ عليها أن تلغي الرسوم الجمركية على الأدوية و الأمصال المنقذة للحياة و مدخلات الإنتاج للصناعات الدوائية تشجيعاً للصناعة الوطنية.
أضعاف مضاعفة
بحسب بيان تجمع الصيادلة المهنيين، أنه دونما أدنى مجهود، تتجه الحكومة لإطلاق قاصمة الظهر لملايين المواطنين المنتظرين في صفوف خدمة الدواء بسعر معقول من الإمدادات الطبية وصيدلياتها، مُحملة إياهم مزيداً من الأعباء الثقيلة، وقال التجمع في بيان، إن هذه الخطوة ستضاعف من أسعار الدواء أضعافاً مضاعفة وخاصة الأدوية المنقذة للحياة؛ والتي لايتم توفيرها إلا عبر الإمدادات الطبية، الجهة المنوط بها الأمن الدوائي، وأكد.. مما يجعل الحصول عليه غاية في الصعوبة للمواطن السوداني الذي لايتجاوز متوسط دخله سعر عدة أمبولات مضاد حيوي.
التحرير الكامل
وأوضح التجمع.. أن الدعم الحكومي غير المباشر للدواء؛ يأتي عبر الصندوق القومي للإمدادات الطبية، حيث كان يتم تسعير الدواء ب18 جنيهاً مقابل الدولار حتى أكتوبر 2019، بعدها تمت زيادة التسعيرة ل55 جنيهاً في مطلع عام 2020، وفي عام 2021 تم التسعير ب165 جنيهاً مقابل الدولار، وتوالت الزيادات بعدها وصولاً لتسعيرة بسعر الدولار المحرر بالكامل الآن، وأضاف: يواصل القطاع الصحي في البلاد الترنح والانهيار يوماً بعد يوم في ظل السياسات الفاسدة والخانقة التي مافتئت تنهب جل أموال الشعب السوداني وتعيدها رصاصاً وغازاً مسيلاً للدموع.
الدواء الباهظ
وأفاد التجمع بأن الحكومة بهذا الاتجاه رفعت يدها تماماً عن قطاع الدواء عن طريق تحرير سعر دولار الدواء، مما ترتب عليه ارتفاع في الأسعار بشكل لا يُطاق، ونوه التجمع إلى أن المواطن أصبح في حيرة من أمره نتيجة لسعر الدواء الباهظ، وبالتالي نتج عن ذلك تخلي البعض عن الأدوية المستديمة واستخدامها بطرق خاطئة، وذكر التجمع.. نتابع الزيادة المهولة في أسعار الإنسولين وأدوية السرطان والتخدير وغيرها من الأدوية المنقذة للحياة؛ والتي تتقلص بدائل استخدامها للموت بعد هذه الزيادات بالنسبة للمرضى وذويهم، وأردف التجمع.. سبق أن حذرنا من الانفلات القادم في أسعار الدواء وأثره على المواطن والنظام الصحي و تحول الصندوق القومي للإمدادات الطبية من توفير الأدوية المنقذة للحياة؛ إلى مؤسسة ربحية منافسة للقطاع الخاص في مسار تجفيفها، ويخشى التجمع من أن يفقد المواطن صحته بسبب سياسات النظام الدوائي الجديد.
الدواء المعدوم
عضو تجمع الصيادلة المهنيين، سماهر المبارك، قالت.. حذرنا مراراً، في تجمع الصيادلة المهنيين، من هذا المصير المظلم القاتم القاتل، وأوضحت في حديثها ل(اليوم التالي) إن الذي نراه في توصيات الورشة التي أقامتها وزارة الصحة؛ بحضور وزير المالية باعتماد سعر الدولار المحرر في تسعير الدواء بواسطة الإمدادات الطبية، بأنه الطلقة القاصمة في جسد المواطن المنهك المثقل بالأعباء خصوصاً من يعانون من أمراض كالسرطان والسكري والكلى، مؤكدة بأن لها تبعات قاسية في العديد من الأدوية المنقذة للحياة، وتعتبر أن هذه الخطوة لن تحقق الوفرة الدوائية، مشيرة إلى أن أسعار الدواء الآن لا يستطيع المواطن شراءه في ظل الدواء المعدوم.
إلغاء وتخفيض
الخبير المصرفي الدكتور، لؤي عبد المنعم، قال إن الحديث عن الاعتماد كلياً على توسيع مظلة التأمين للتخفيف من آثار تحرير سعر الدواء، فهو حديث فضفاض للاستهلاك الإعلامي، مشيراً لكونه أن التأمين الصحي يعتمد في جدواه الاقتصادية على الانتشار الأفقي الواسع، بيد أنه في السودان محدود و يتركز في أوساط العاملين في القطاع العام و الخاص في المدن الرئيسية، نافياً بأن لا وجود له عملياً في الأرياف و البوادي التي تشكل 60% من التعداد السكاني؛ لذلك يخشى أن يتأثر قطاع التأمين الصحي سلباً بالقرار، ويقترح د. لؤي في حديثه ل(اليوم التالي) إذا أرادت وزارة المالية الحد من تهريب الدواء المدعوم إلى دول الجوار عبر تحرير سعر الدواء؛ عليها أن تلغي الرسوم الجمركية على الأدوية و الأمصال المنقذة للحياة و مدخلات الإنتاج للصناعات الدوائية تشجيعاً للصناعة الوطنية، وتابع: عليها التزام بتخفيف الضغوط على المواطنين و تحسين الخدمات المقدمة لهم و تخفيض الرسوم الجمركية على بقية الأدوية المستوردة لتصبح بنسبة 1% و المستهلكات الطبية بنسبة 1.5% و المستحضرات الطبية بنسبة 2%، ونادى بضرورة حشد التمويل المصرفي لدعم و توطين الصناعة الدوائية في السودان، في ظل استقرار سعر الصرف نسبياً عقب سياسة التعويم الحر، وطالب بتكوين محفظة تمويل بإشراف بنك السودان تمثل نسبة ما بين 7 إلى 8% من إجمالي أرصدة التمويل المصرفي بنسبة أرباح تصل إلى 25% لتمويل رأس المال العامل لفترة عام و 22.5% للتمويل لفترة 6 أشهر و 20% للتمويل لفترة 3 أشهر.
خطوة ممتازة
المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، يرى أنه بعد إعلان توصيات ورشة إصلاح النظام الصحي التي جاء فيها اعتماد سعر الدولار المحرر في تسعيرة الدواء بواسطة الإمدادات الطبية، من المتوقع حدوث وفرة في الدواء، وربما تتوحد أسعاره في كافة صيدليات السودان، وبالتالي إنهاء الفوضى الحالية في سوق الدواء، وقال.. إذ أن معظم الدواء في الأصل يتم تحديد سعره عبر الدولار المحرر ومن غير رقابة من هيئة الإمدادات الطبية، بحكم أن الجهة المستوردة لا علاقة لها بالإمدادات، وقال في حديثه ل(اليوم التالي).. إن تحرير سعر الدواء لا يعني إلغاء دعم العلاج ولا توفير العلاج المدعوم لأصحاب الأمراض الخطرة مثل السرطان والفشل الكلوي ولا الأمراض المستوطنة مثل الملاريا وعلاج الطوارئ، ويعتقد بأن الخطوة تعتبر ممتازة إن تم التعامل معها وفق المحددات أعلاها.
محاربة المافيا
وأكد د. الفاتح أن السودان بحاجة ماسة لتنظيم عملية تسعيرة الدواء، وشدد على ضرورة وضع السعر على علبة الدواء؛ طالما أن سعر الصرف للجنيه السوداني بات شبه ثابت، داعياً الحكومة للاسترشاد بالتجربة المصرية في توفير الدواء بسعر معقول في متناول الجميع، من دون دعم الدواء بشكل مباشر، بل يتم الدعم بتقديم كل التسهيلات اللازمة لصناعة الدواء لتتمكن من إنتاج الدواء بسعر معقول، وحث على ضرورة محاربة المافيا في الدواء التي تنهب المواطنين عبر المبالغة في تسعير الدواء أو استيراد أدوية مغشوشة.
