(مكب الإغاثات)

إليكم ………………….. الطاهر ساتي

:: قديماً كانت حكومات السودان تتفاجأ بالخريف، ولكن حالياً صار الخريف يتفاجأ بعدم وجود حكومة في السودان.. وبالأمس، كان أول الغيث غزيراً بالخرطوم.. وكما الحال سنوياً، فالميادين ستكتسي بالطحالب، وتتحول ساحات الأحياء إلى مستنقعات، وبالحدائق ستعزف أوركسترا الضفادع ألحانها طوال الليل.. ومن المستنقعات ستنتشر أسراب البعوض والذُباب، لتتفشى الأمراض في مجتمع بالكاد أسره توفر قوت اليوم..!!

:: قُرى بأكملها تتوسّد مجاري السيول، ولم تجد حكومة تُبادر بتوفيق أوضاعها بالتخطيط والتوزيع.. وشوارع المُدن التي تحتفظ بمياه الأمطار – لحين التبخُّر – لم تجد حكومة تحث المُجتمعات بتحسين أحوال ميادينها وشَوارعها، بحيث لا تتحوّل إلى مُستنقعات.. فالتخلُّص من البِرَك الآسنة ليس بحاجةٍ إلى (مُعجزة)، بل حكومة.. وطاقات الشباب قادرة على إصحاح البيئة لو وجدت قيادة غير مشغولة بالرقص مع الدراويش بمظان تأسيس الدولة..!!

:: ثم لعلكم تذكرون، في خِضم الثورة، كان هناك نشاطٌ أسبوعيٌّ في جدول تجمُّع المهنيين مسمى (ح نبنيهو)، بحيث كانوا يدعون الشباب إلى إصحاح البيئة في أحيائهم.. وكان الشباب يُلبُّون النداء في طول البلاد وعرضها بهِمّةٍ ونشاطٍ.. سقط نظام البشير، وكذلك سقط نداء (ح نبنيهو) من جدول أعمال حكومة النشطاء، وانقسم تجمع المهنيين إلى تجمُّعيْن مُتنافريْن، ثم تصارعا في قضايا ليس من بينها قضية (ح نبنيهو)..!!

:: وكما انشغل النشطاء بأجندتهم الذاتية وهم في السلطة، شغلوا الشباب أيضاً بالمواكب والمتاريس.. لم نسمع لهم نداءً من أجل الإنتاج والبناء، رغم أنّ أزمة السودان في عدم البناء و قلة الإنتاج.. فالبذل والعطاء والبناء في ساحات المعارضة لا يختلف عن البذل والعطاء البناء في ساحات السلطة.. ولكن البذل والعطاء والبناء عند النشطاء (فرض كفاية)، بحيث تقوم به الحكومة وتسقط عن المعارض..!!

:: على كل، التحسُّب لمخاطر السيول والأمطار كان يجب أن يكون جماعياً، لتجتاز البلاد فصل الخريف بأمان.. وهذا ما لن يحدث كما تشير البدايات.. فالبرك الآسنة ستغرق المُدن، والسيول ستجرف القُرى.. وهكذا.. فالخريف رمزٌ للخير والنماء، لو تحسّبنا لمَخاطر أمطاره وسُيوله وأحسنّا استغلال مياهه.. ولكن في موطن فيه عقول من نلقبهم بالمسؤولين لا تعي ما تفعل، صار الخريف رمزاً للكوارث ومصدراً للصراخ..!!

:: واليوم (نبصم بالعشرة)، لم يُبادر أي مرفق من مرافق الدولة بالتفكير في تجهيز نُمُوذج من نماذج التّعامل الجيد مع مخاطر أمطار وسيول هذا العام، وكذلك لم يُبادر أيِّ مُكوِّن من مُكوِّنات الحكومة بالتّحسُّب والوقاية.. التفكير الاستباقي الذي يتحسّب لمخاطر الأشياء  ولا يزال مَفقوداً في عُقُول أجهزة وسُلطات الدولة، ولذلك تتكرر سنوياً في المجتمعات  من المآسي والكوراث ما تحول البلاد إلى (مكب إغاثات)..!!


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب