عبد الحفيظ مريود يكتب: لا قواعد للحب في

بدون زعل

د. عبد الله علي إبراهيم حين سألناه عن الطيب صالح، قال عنه “إنه رجل بلا ادعاءات”، لخص ما يمكن أن تقوله الكتب عبارة مقتصبة، محتشدة.. مثقلة مثل عناقيد العنب، أو سبائط الموز في جناين كسلا.
ينسحب وصف الناس على الأماكن والأشياء. الإنسان جزء من الأرض. من مخلوقاتها. أخذ منها كل ما هو أرضي، لذلك تراه يرق مثل جدول صافٍ، يهيج مثل عاصفة. يتكثف ويثقل حتى لتظنه من الضواري، يأكل كل شيء، ويتخلق بأخلاق السباع.. ثم تجده عصفوراً رهيفاً، تكفيه بضع حبات من الذرة.
شايف كيف؟
ذات مرة صادفت رجلاً غريباً، يقود “أمجاد”. أثناء الونسة، اتضح أنه تخرج في كلية الزراعة جامعة الخرطوم، ثمانينيات القرن الماضي، ورث عن أهله المتصوفة طرائق الكشف والعلاجات الروحية زاولها ردحاً من الزمن، قبل أن يعود أدراجه معالجاً بالأعشاب، ونظراً لدراسته الأكاديمية، فقد كان بارعاً بشكل غريب في معرفة الأعشاب والأشجار، يحدثك عنها كأنه يحدثك عن بشر. قال لي إن الأرض، الشجر، الصخور، المغارات، كل شيء يمكنه أن يرمي عليك طاقته السالبة، حين تكون في الزمان والمكان الخطأ، حتى أن أعتى السحرة لا يمكنه أن يفعل ذلك بك.. كما يمكن لهذه الأشياء، في الزمان والمكان الصحيحين، أن تلقي عليك طاقتها الإيجابية، فتشفيك من أمراض مزمنة، أعيت المداوينا.
شايف كيف؟
إذا كان الطيب صالح كما وصفه عبد الله علي إبراهيم، فإن كردفان، كمكان، بيئة، بشر، عطاء هي طيب صالح البلاد والأقاليم السودانية، تتواضع حتى كأنها ما وجدت، قط، ضمن خريطة السودان، حين يفخر السودان بأنه ينتج ٨٥% من الصمغ العربي في العالم، فإن كردفان لا تقول إنه تنتج لوحدها ٩٠% من ذلك الرقم، وحين يتباهى السودان بالضأن الكباشي والحمري – السواكني في الخليج – فإنها لا تقول إن تلك إحدى مفاخرها العظيمة التي لا تحصى، وحين ينتج السودان النفط، على علاته، فإنه يفعل ذلك في كردفان، وحين يجعل الكركدي، القنقليس مشروبات قومية، عنواناً له، فإن كردفان تمده بأكثر من ٧٠% من ذلك.
تصمت كردفان وهي تقدم للفن السوداني ضروباً عجيبة: إبراهيم موسى أبا، عبد القادر سالم، عبد الرحمن عبد الله، صديق عباس، بلونيات فاقعة، جاهرة، على إيقاعات المردوم، الكمبلا، الجراري، الهسيس، التويا وغيرها. حتى أن الأسماء اللامعة في سماء الفن، مؤخراً، تدأب في تقديم لونيات كردفانية، إمعاناً في التميز: نانسي عجاج، إنصاف فتحي، هدى عربي، إيمان الشريف.
وفي صمتها وتواضعها، تقدم موسيقيين أفذاذ وملحنين: جمعة جابر، عبد الله الكردفاني، يوسف القديل، حافظ عبد الرحمن، وغيرهم.
شايف كيف؟
حين جهر محمد أحمد المهدي بدعوته، وتأهب للقتال، لم يذهب إلا إلى كردفان، وحين تدلهم الخطوب بأهل السودان، وتنقطع السبل، تتعتم الرؤية لا يجدون إلا رجلاً من أهل كردفان يخرجهم إلى البر، والجادة، مثلما فعل المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وكاد يفعل عبد الله حمدوك.. حين يجري طرح اسم لتولي رئاسة الوزراء للعبور بالفترة الانتقالية، ستجد أن الأوفر حظاً هم أبناء كردفان، لأنهم ببساطة: بلا ادعاءات لا يجري الخلاف حولهم وعليهم.. ثمة آباء مؤسسين لهذه الحكمة الكردفانية، من لدن الناظر يس، الناظر علي التوم، الناظر أبو قدم، الناظر بابو نمر، الناظر زاكي الدين، الناظر دينق مجوك، المكوك والسلاطين في جبال النوبة: عجبنا، وإخوانه، وملوك تقلي، الناظر منعم منصور، ونظار وعمد قبيلة راسخة هي الجوامعة، الأكثر صمتاً والأكثر عطاءً.
شايف كيف؟
تقدم كردفان، على مرّ التأريخ سياسيين من طراز خاص. بعيدين عن الجلبة وإثارة القلاقل والفتن: عبد الرسول النور، مجاور جمعة سهل، حافظ الشيخ الزاكي، بكري أحمد عديل، عيسى بشرى، الدرديري محمد أحمد، أحمد إبراهيم الطاهر، فيليب عباس غبوش، مكي علي بلايل، حامد البشير، فرانسيس دينق، الحريكة عز الدين، بونا ملوال، دينق ألور، إبراهيم منعم منصور وغيرهم..
شايف كيف؟
في المدن الكردفانية، والقرى، تجد كل شخص كأنك تعرفه منذ أمد بعيد.. لا تحتاج أن تتعرف عليه، كما لن تلفظك قرية أو مدينة، قط.. أو تشعرك بأنك غريب.. وذلك ما يجعل كل السودان متفسح في كردفان، يشعر بأنها بلاده، داره، بيته، أهله.
كردفان هي أم بلينا السنوسي، رابحة الكنانية، مندي بنت السلطان عجبنا.. هي إسماعيل الكردفاني، إسماعيل الولي، عبد الرحيم البرعي، محمد أحمد أبو عزة، فضيلي جماع، عبد الله الكاظم، ميرغني عبد الرحمن.. هي دوبيت الكبابيش، جراري الدارحامديات، كرير الحمر، شطارة الجوامعة، مردوم المسيرية، سماحة النيمانانغ، شدة بأس التيرا، الكدوقلي، نعومة نساء المورو.
كردفان هي عبد الماجد حامد خليل، تبلديات دار حمر.. إبل الكواهلة، خلاوي أبو عزة…
هي الجمال الذي يأخذ لبك.. هي الحب الذي لا قواعد له.. العشق البسيط الذي تتبارك به أيامك.
شايف كيف؟