الطاهر ساتي يكتب: التعليم والتلقين..!!

اليكم …………………….

:: يونيو2014، بالبرازيل، بعد خسارة منتخب بلادها مباراته أمام كوت ديفوار بهدفين في منافسات كأس العالم، لم ترجم جماهير اليابان حُكام المباراة بالحجارة، ولم تحطم الكراسي، ولم تشتم بلدها، كما نفعل.. ولكنها رمت نتيجة المبارة وراء ظهرها، ثم أدهشت الكون بتنظيف المقاعد والمدرجات التي استضافتها لفترة (90 دقيقة).. وهكذا فعلت جماهير اليابان، الأسبوع الماضي، باستاد خليفة، بعد انتصار منتخبها على ألمانيا.. فالأخلاق هي ذات الأخلاق، مهزوماً منتخبهم أو كان منتصراً..!!
:: وليس في أمرهم عجب.. بمدارسهم، يدرس التلميذ، بجانب المواد الأكاديمية، مادة (الطريق إلى الأخلاق)، ليتعلم ثقافة التعامل مع الأشياء بوعيٍ ومسؤولية.. ومن الصف الأول الابتدائي، وحتى نهاية المرحلة المتوسطة، لا يُوجد ما يُسمى – في نهجنا المتخلف – بالنجاح والرسوب، ولا (الأول والطيش).. فالهدف في مرحلتي الأساس والمتوسطة ليس تلقين التلميذ المواد – بغرض الحفظ والتسميع – كالببغاء.. ولكن التربية، بناء الشخصية، اكتشاف الموهبة واكتساب المعرفة هي أهداف المرحلتين..!!
:: ومع الكتب والأقلام، يحمل التلميذ فرشاة أسنانه في حقيبته، ليستعملها عقب إفطاره، وبهذا يكون قد تعلم الحفاظ على صحة وسلامة أسنانه، أي (مادة النظافة).. علماً بأن الأساتذة يسبقون تلاميذهم في الأكل والشراب من ذات المائدة المعدة للتلاميذ، ليتأكدوا – بالتجريب على أنفسهم – من سلامة ونظافة طعام تلاميذهم، وهذه (مادة التضحية) بياناً بالعمل.. ومع عمال النظافة، يتقاسم الأساتذة والتلاميذ نظافة مدرستهم لمدة (ربع ساعة يومياً)، وهنا يتعلم التلميذ التواضع ثم الاعتماد على النفس، أي (مادة القدوة)..!!
:: وبالتعليم يكتسب الشعب وعياً يسمى عامل النظافة (مهندس الصحة)، وبالتعليم صار الشعب نموذجاً في السلوك والنظام.. وبالتعليم، لا يستخدم الياباني الهاتف السيار في المركبات والأماكن العامة، أي هذا لم يحدث بالمحاذير والملصقات والعقاب، بل بالفطرة السوية التي شكلتها التربية والتعليم في طفولته.. وبالمطاعم، لا يطلب من الأكل والشرب إلا ما يسد بهما (جوعه فقط)، ويحرص أن ينهض من المائدة تاركاً النظافة كدليل على أنه لم يطلب إلا ليأكل، وليس ليرميه في (القمامة).. وبالتعليم، فالأمي في اليابان هو من لا يتقن لغة أجنبية.. هكذا التعليم في كوكب اليابان الذي أدهش العرب والعجم في ملاعب قطر..!!
:: وغير اليابان وأخلاق شعبها، اليكم هذا: (أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، خصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق، بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه بعضاً في الشوارع)، لي كوان يوم، مؤسس سنغافورة الحديثة، حين سألوه عن نهضة سنغافورة.. بالتعليم، وليس بالتلقين، ترتقي الأوطان بحيث لا توسّخ جماهيرها الملاعب أو تخرّب مواكبها أرصفة الشوارع وتكسر أعمدة كهرباء..!!