الروائي المصرى وحيد الطويلة ل( اليوم التالى) أكتب عن أشواق الناس وأحلامهم وكوابيسهم

التاريخ كاذب والرواية أصدق وأقدر:
تعبنا من الصراخ في الواقع وفي الكتابة :

ويعد الطويلة واحداً من الأسماء البارزة على الساحة المصرية حالياً، وسبق له أن أصدر عدة أعمال لاقت نجاحاً نقدياً متميزاً ومنها: باب الليل، أحمر خفيف. حذاء فليني، جنازة جديدة لعماد حمدي. فضلاً عن المجموعات القصصية: كما يليق برجل قصير – خلف النهاية بقليل – مائة غمزة بالعين اليسرى – كاتوشا
اختار المقهى مكاناً لميلاده، كما اختاره فيما بعد مكاناً لميلاد أعماله، فعلى المقاهي تتجلى إبداعات (الطويلة) يستكشف فيها العوالم ويبحث عن الأبطال المحتملين لعمله القادم، فيها يجتمع بأصدقائه من المثقفين، وتدور الأحاديث حول الأدب والحياة، ومنها مُنح لقب رئيس المنظمة العربية للمقاهي، وزعيم دولة المعسل وصاحب الحكايات الحلوة.
التقينا فى القاهرة واتفقنا على هذا الحوار :
اليوم التالى : محمد اسماعيل

لك أن تعطينا صورة عن نشأتك الثقافية والأدبية؟
ولدت في منطقة نائية، لا توجد مدارس ولا مدرسون، حتى وقعت في يدي كتب تولستوي وتشيخوف ونجيب سرور ويوسف السباعي وأمين يوسف غراب وسعد مكاوي، كانت تشحن إلينا مع مسيرات التنظيم الطليعي بعد هزيمة 67، وضعوها أسفل سلم في أجولة، لم يقرأها أحد، وظفرنا بما ظفرنا به حين بدأت الفئران تحوم حولها..

تكتب القصة والرواية من أين جئت إلى عوالم الرواية أي تميزات بينهما؟
الحقيقة لا أعرف، جئت إلى الرواية بعد القصة القصيرة، لكنه لم يكن تمرينًا، أنا أكتب بالحالة، وكان من الممكن أن أكتب الرواية أولًا كتبت القصة القصيدة أو القصص القصيرة جدًا في وقت مبكر، وفي وقت عزت فيه، بلغة مكثفة متوترة جعلت البعض يقولون إنه شاعر ضل طريقه إلى القصة، ولك أن تنظر الآن للقصة القصيرة جدًا كيف صارت وأي حيز تحتله، ولا يشغلني التمايز بين الرواية والقصة، كل عالم وحده بشروطه، المهم أن تصل بي إلى الصدق الفني،

كروائى أعرف أنك من أصول ريفية.. كيف استعطت أن تعكس البيئة فى منتوجك الإبداعي ؟

كتبت روايتين عن هذا العالم فى وقت صعب؛ كان الحديث على الرواية هى ابنة المدينة فقط، لا ابنة الأحلام والكوابيس والأشواق والهزائم، كتبت من لحم الحي كمايقولون . عالم أعرفه جيداً تغير الآن كثيراً وبدت ألعاب الهوى حالة أسطورية، حتى أنك بعد أربع طبعات لن تجد نسخة يتيمة منها، لست مؤهلاً للإجابة عن مدى انعكاس البيئة فى المنتوج ..إن لم تشم رائحة الشخصيات من كتاباتى فماذا كنت أفعل. أنا كتبت عن أشواق الناس وعن هزائمهم بشرط وحيد هو أنسنة الكتابة، فمن يحلم فى قرية موكوندو بلغة إسبانية سيجد حلمه فى ألعاب الهوى بلغة عربية، وابنة بيئتها تمام وأعيد جملتي؛ أن تشم رائحة الشخصيات ورائحة اللغة .

هل ترى أن الرواية لها المقدرة على رصد التحولات الكبرى؟
لا يجب أن نحمل الرواية كل ما فشلنا فيه، لكن وبشكل ما؛ أظن أنها الأقدر على ذلك، بحمولتها من كل من الأجناس الفنية، والمؤكد أن الرواية قرأت كثيرًا الواقع قبل حدوثه، وربما قرأت النتائج، التاريخ كاذب والرواية أصدق وأقدر، إنها ليست تذكرة داوود على أية حال، تحمل الغناء والموسيقى والفن التشكيلي والمونتاج والأفكار، وأظنها كانت الأقدر على فعل ذلك؛ رغم أن هناك فنونًا أخرى لم تقصر أبدًا.
البعض يرى أن رواية (حذاء فلينى ).. اعتمدت على تبني تقنيات التأمل والتهكم، وأظهرت مجموعة من الصور المفككة؛ لكنها متشابهة فى جوهرها؟
فليقل من يقل ما يشاء، رواية لم تحصل على جائزة، لا أحد سيمنح جائزة لرواية تتحدث عن التعذيب، لكنها حاضرة بقوة رغم صدورها من سنوات سبع؛ كأنها صدرت اليوم، الحقيقة أنني فوجئت برد الفعل الإيجابي على الرواية، وأظن أنها أكثر رواية كتب عنها في السنوات الأخيرة بعد الحرافيش وباب الليل، ولم أفهم جملة التشابه في الجوهر! .
حذاء فلينى رواية فريدة من نوعها ..هل يمكن تصنيفها أدب سجون أو رواية رمزية
أو نفسية ؟
لست من يحكم على هذا، لكنها بالقطع ليست من أدب السجون حتى ولو احتوت على بعضها، هي رواية نفسية بالدرجة الأولى كتبها معالج نفسي وهو بطلها، وأي رمز يحتمله نص كهذا، لا أريد أن أغلق باب التأويلات وليس من الحكمة ولا من مصلحة الرواية، أية رواية، أن تقف عند تأويل واحد مهما كان منصفًا.

ما يلفت النظر في (حذاء فليني) اخترت سوريا لتكون مسرحاً لأحداث روايتك؟ رغم غياب المكان عن حضوره في عالم الرواية؟
أنت أجبت بنفسك، رغم غياب المكان، وأنا قلت جملة على لسان البطل حين سأله البروفيسور: من أي بلد عربي أنت؟ أجاب، كلها مثل بعضها، أي أن الرواية بها مكان تجريدي لكننا نعرفه جميعًا.
الرواية مسرحها كلها العالم العربي المستبد المحكوم بالعشيرة وبالهاجس الأمني الرخيص،
ماذا عن روايتك” جنازة جديدة لعماد حمدى ؟
عالم لا يعرفه كاتب ولا قارئ مع أنه يعيش بيننا كدولة كاملة.
وأن الموهوبين كلهم ماتوا مكلومين تقريباً، وإذا كنا نحتاج لعمل جنازة جديدة، فلتكن لهم، بدلاً من الجنازة التي نراها لأحلام الناس، في الشوارع، ولإحباطاتهم، اعتقدت أن رواية جنازة جديدة لعماد حمدى لن تمر. البطل ضابط شرطة فنان والطقس العام لايرى الضابط إلا بطلاً أوشهيداً.
إن فكرة وجود الضابط الفنان غير مريحة للسلطة المتجهمة دوماً. ووجود هذا النموذج يقلل من مساحة الهيئة والصرامة المطلوبة بل الأساسية من وجهة نظرها.
هل تفتكر أن الرواية فكرة أيديولوجية يتم التعبير عنها بالسرد الروائي؟
بالقطع لا، أنا أكتب عن أشواق الناس وأحلامهم وكوابيسهم كأنني أكتب عن الناس نفسهم في قرية ” موكوندو”، قد أحكي من الواقع لكنني في الحقيقة أكتب عن قفا الواقع، هذا الذي يكشف الأيدولوجية دون صراخ، تعبنا من الصراخ في الواقع وفي الكتابة.

في روايتك الأخيرة باب الليل.. ما هو الحد الفاصل ما بين الواقع والمتخيل في الرواية؟

لن أخبرك بالحقيقة على أية حال، في جزء منها سر الطبخة ، نكتب الواقع كأنه خيال والعكس، المهم في رأيي الصدق الفني، أن أقنعك أن الشر الذي يتفجر من الشخصيات قد وصل لقدميك، وعليك أن تهرب بسرعة حتى لا تطالك النار.. نعم هناك جزء واقعي، حين أكتبه يأخذ شكلًا آخر، حين تأخذ مفردة من الواقع لتكتبها تكتشف لحظة الكتابة أنك دخلت في خيالك وبخيالك، رأيت بطلة الرواية تتعرف على خمسة رجال أثناء معرفتي بها، المقعد بجانبها محجوز لصاحبها على مر السنين، يتبدل الصاحب المغرم ويبقى المقعد، كانت تحب أو تمارس الحب أمام عيني، تدلل صاحبها وتخرج معه، والجميع يعرف تقريبًا لكن لا أحد يستطيع أن يحكي، لم أكن أصدق أنها تحب، إنها تحب غرام الرجال بها، تستمتع بأن تظهر أنوثتها، تتيه بها، كانوا يسألونها عني، كانت تقول صديقي، تقول ذلك في فضاء لا يعترف بالصداقة، إما أن تكون صاحبها أو فأنت شخص عادي، وفي اللحظة التي أعلنت فيها أنني سأغادر تونس، كنا متجمعين حول طاولتها أكثر من عشرة أشخاص، انتفضت من مقعدها وقالت أمام الجميع: لم أحب رجلًا غيرك.

يحضر المقهى كثيراً فى روايتك هل يمثل حيزاً جغرافياً لروايتك؟
لم أكتب حرفاً واحداً خارج المقهى..لا أعرف السبب .. ربما أجد تفسيراً أحياناً.. أكلم جدران المقاهي التى أكتب فيها، لامحاذير عندى فليضرب ويقلب. لا يعنينى، أكتب وسط جلبة الناس، لا أرى أحداً ولا أسمع؛ أكتب باستمتاع غريب. وأجد نفسى هناك كسمكة وجدت بحرها، المهم ألا يكون هناك غناء، أذني تذهب مع الغناء ، ولا أستطيع أن أكتب حرفاً. رأسى معباة بالأغنيات وربما الكلام مايشدنى ويخرجنى من الحالة . ويمكنك أن تقول بأننى صاحب نزعة اشتراكية قديمة تحالف قوى الشعب العاملة وغير العاملة الملطوعة بحب أو غصباً..فى المقاهي هؤلاء جمهوري؛ وهم أكثر من يشبهونني . المقهى هو الجزء الكبير في حياتي، ليس أكبر منه سوى محبتي للبشر والحياة بشراهة، عشت نصف عمري فيه، آكل وأشرب وأقرأ وأكتب، لم أكتب حرفًا خارجه، حتى هذا الحوار، جئت القاهرة وحيدًا غريبًا، احتضنني المقهى كأم بديلة طيبة.
لماذا يكتب الطويلة ولمن؟
لم أجب في حياتي على هذا السؤال لماذا تكتب، سؤال وجودى.. سيظل عابراً للأعمار طالما هناك من يمسك بقلم أو يطرق بأصابعه على لوحة المفاتيح، ستجد أن معظم الإجابات فى أزمنة قريبة كانت أن الكتابة تقاوم الموت، أو أنها السلاح اليتيم الذى يشهره فى وجهه.

فيما تتمثل هوية الكتابة عندك.. في اللغة أو المكان…؟
لا تستطيع أن تتجاوز المكان حتى ولو صنعت نصًا بدونه، فاللغة تدل على المكان، نطق الشخصيات لها، أقصد تحديدًا طريقة النطق لا المنطوق فقط، أنا أقيم في اللغة دون أدنى قصدية، ولا أعرف من أين تأتي، إنها أحيانًا تأتي من سخرية زياد رحباني وهجاؤه للعالم، تأت من طريقة الشيخ الباذخ مصطفى اسماعيل في تعبيره بصوته عن لفظ ما، طريقة التقطيع ليصلك معنى غائباً عنك، تأتي من الشعر مهما كانت لغة السرد مختلفة، لا المكان ولا اللغة إلا حين تحمل أشواق البشر وكوابيسهم، هذه هي الإقامة الحقيقية.
أكتب كل نص بلغة، هذا لا يدل على الوفرة، حتى وإن، لكنه يدل أولُا وأخيرًا على اتساع الروح وعلى وسع التجربة وعلى غرام ما، غرام سره فيه.
ما رأيك في الجوائز التي تقدم للرواية.. ماذا أضافت؟
الجوائز جميلة، تقدير من نوع ما، تضع أمام الناس نصوصاً لم يكن ليعرفونها، لو لم يفز.

الكاتب الليبى محمد النعاس الفائز بـ جائزة البوكر ، عن رواية (خبز على طاولة الخال ميلاد)

لربما لم يقرأ نصه أكثر من مائة قارئ، المشكلة أنها صارت حكمًا بالقيمة، مع أن النصوص الكبيرة البديعة لا تحصل على جوائز
دلني بالله عليك على رواية باعت كثيرًا وقرئت على نطاق واسع ولم تكن فازت بجائزة، أستثني فقط( باب الليل) و(حذاء فيلليني) و(بيت الديب) للقمحاوي و(فاصل للدهشة )لمحمد الفخراني.
في البداية كانت مثل شهادات التطعيم أو بالدور كما في الجامعة العربية، واعتراها عوار كبير معظم الوقت وأخطأت نصوصًا كبيرة، الأمر لله لا أستطيع شيئًا أمام المجاملة ، لكن هناك حكايات يندى لها الجبين، على أية حال لا بأس، في النهاية فالكتب الحقيقية ستعيش.

البعض يرى أننا نشهد فائضاًَ في تأليف روائي ..ما رأيك؟
نعم حالة سيولة لا مثيل لها في العالم، وأستطيع أن أكتب يومًا في هذا السؤال، لعبت السوشيال ميديا دورًا كبيرًا، ولعبت الجوائز أيضاً ، طريقاً للشهرة، وكل واحد عنده رواية، أو يعتقد ذلك، المهم كيف يكتبها، منذ سنتين كان عدد الرواية المصرية المتقدمة يتجاوز السبعمائة رواية، فعلت الجروبات فعلها وروجت لكتابات ردئية جدًا وتدخلت فيها العلاقات والمصالح والمشاريع، اللهم ارحمنا.
موضوع روايتك كاتيوشا ما الجديد فيها؟
سآخذ لك مقطعًا من مقال النحرير عمر شهريار عن الرواية، مقطع يدل عليها في رهاناتها
(اختار الطويلة رهاناً صعباً أن يكتب رواية بلا شخوص تقريباً، فلا أحد يحرك الأحداث، بل ربما لا حدث حقيقى على مدار الرواية، باستثناء الحدث الأول، حدث الاعتراف بالخيانة، الذى ألقاه الزوج كقنبلة فجرت الحياة الهادئة للزوجين، خلاف ذلك فلا شيء أكثر من امرأة وأمامها يرقد زوجها جثة هامدة، وبعض مشاوير صغيرة تقوم بها بين غرفته فى المستشفى وبيتها لأداء بعض المهام، هما اثنان لا ثالث لهما).
البعض يرى) أن العودة للتراث بخلق عوالم روائية مدهشة مارائك؟
لا أعرف أي تراث تقصد بالضبط، التراث واسع وهناك ما يمكن أن نلتقطه لندلل على لحظتنا، لكن أظن أن لحظتنا تملك ما لا يكفي العمر لنكتب عنه، لا حاجة بنا للعب في التاريخ، وإذا كنت تقصد الرواية التاريخية فأنا أكرهها وتضيع وقتنا في الفارغ، إنها حيلة العاجز في النهاية، يمكننا أن نحاكم التاريخ من لحظتنا وبها.
هل الرواية العربية اليوم بخريطة أم بلا خريطة؟ وأين هو موقع الرواية المصرية؟

لست مولعًا بالإجابة على هذه الأسئلة الكبيرة، ومع ذلك قد أقول جملة واحدة
انظر إلى مستويات التعليم في مصر مثلًا ، في غاية التردي، بالطبع ينطبق الحال بالتبعية على الثقافي، لذا ونتيجة لهذا المستوى المتوسط – وأنا مجامل بالطبع في ذلك – انعكس على كتاب متوسطين لهذه الشريحة المتوسطة، تجد أن أشهر الكتاب أو من تباع كتبهم أكثر وأسماؤهم متألقة عند الجمهور، هم كتاب من النوع الأبيض المتوسط، وصدق جمال حمدان حين قال: مصر جنة المتوسطين .