الأسباب يكتنفها الغموض.. ماذا يحدث في الحدود السودانية التشادية؟

تقرير ـ فاطمة مبارك
الملفت هذه المرة في التوترات الحدودية بين السودان وتشاد، التي حدثت مؤخراً، أنها جاءت بعد يومين لزيارة قام بها حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي لدولة تشاد، وبعد يوم من زيارته ، زار نائب المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو دولة تشاد، ومايثير الاستغراب أن الرجلين لم يذهبا إلى تشاد كممثلين لسلطة واحدة، كما جرت العادة؛ خاصة أنهما من قيادات الصف الأول المسؤولة في الحكومة، وهذا قد يشير إلى أن أجندة الموضوعات التي تناولها كل طرف مع الرئيس التشادي محمد ديبي مختلفة أو ربما متقاطعة مع بعضها البعض.
وإزاء ذلك نوه الصحفي والإذاعي بإذاعة دارفور ٢٤ عبد المنعم مادبو – في حديثه لليوم التالي – إلى أن القائدين حميدتي ومناوي لم يوحدا زيارتهما لتشاد، وإنما ذهب كل واحد منهما منفرداً وعقدا لقاءات منفردة مع الرئيس التشادي، وعلى ضوء ذلك لم يستبعد مادبو أن يكون هناك خلاف بين حميدتي ومناوي، وأضاف.. مايؤكد ذلك أن مناوي حتى الآن لم يعلق على ماحدث بالحدود.
اشعال الفتنة:
ويذكر أن حميدتي ظل منذ وقوع الأحداث يتحدث عن وجود جهة تريد إشعال نار الفتنة، دون أن يذكر هذه الجهة، لكنه لم يتردد في تحميل الحكومة المسؤولية و قال في أحد اللقاءات، أن الحكومة فرطت في حدودها وتركتها مفتوحة “دون ضوابط” وأضاف “في ناس شغالين مديدة حرقتني في السودان وتشاد” (المديدة حرقاني) ( مثل دارفوري يعني أن يقف شخص بين اثنين ويشجعهما على الصراع حتى ينجح في وقوع الفتنة بين الطرفين) .
الحديث عن احتمالات ان يكون الصراع بين حميدتي ومناوي، سبب فيما حدث على الحدود التشادية السودانية، تطابق مع وجهة نظر أحد المقربين من ملف دارفور – فضل عدم ذكر اسمه – اعتبر في حديثه لليوم التالي أن مايتم في الحدود بمثابة رسائل متبادلة بين الرجلين، وأشار إلى أن وجود حميدتي في الجنينة لفترة طويلة بحجة عقد المصالحات بين القبائل وتحقيق الأمن في المنطقة، نفسه كان بمثابة رسالة لمناوي مفادها إنكم لم تستطيعوا ضبط الحالة الأمنية في الجنينة وإجراء المصالحات وأنت حاكم للإقليم، بجانب أن وجودك كان ينبغي أن يكون بدارفور وليس الخرطوم، ورسالة مناوي في بريد حميدتي هي رغم وجودكم في غرب دارفور وقعت هذه الأحداث الأخيرة الدامية، لهذا السبب عزا محدثي أسباب ماوقع من أحداث إلى التنافس بين قادة هذه المناطق الذين لديهم قوة عسكرية على الثروات، وقال : قد تتداخل الأجندة الإقليمية والدولية وتقود إلى تعقيدات أمنية في هذه المنطقة.

ماذا حدث:

وكانت منطقة بير سليبة الحدودية قد شهدت في وقت متأخر من ليل الجمعة الماضي، مواجهات مسلحة بين قوة عسكرية سودانية ومجموعة مسلحة من تشاد بمحلية سربا بولاية غرب دارفور، على بعد عشرة كيلومترات من الحدود التشادية، وذلك عقب نهب مسلحين تشاديين لمجموعة من الإبل السودانية، تتبع لرعاة قبيلة المحاميد تم اقتيادها إلى داخل الأراضي التشادية عقب مقتل راعي الإبل وصاحبها.
وكما هو معلوم يوجد تداخل قبلي بين دولتي السودان ممثل في إقليم دارفور وتشاد، يصعب من مهمة استتباب الأمن على الحدود، وماحدث مؤخراً له علاقة بالأطراف القبلية. وسبق أن شهدت هذه الحدود تفلتات في عهد نظام عمر البشير المعزول، تم حسمه بتكوين قوة عسكرية مشتركة لازالت موجودة.
وفي مثل هذه الأحداث، عادة مايتم تحشيد من قيادات القبائل لأخذ الثأر، الأمر الذي يؤدي لتفاقم الأوضاع ، والآن رغم تحركات الحكومة المركزية، إلا أن هناك حديثاً غير رسمي عن، تحشيد قبلي على الحدود قد يجعل المنطقة ملتهبة.
رغم ماتم تداوله عبر وسائل الإعلام عن أسباب ماحدث في الحدود السودانية التشادية، لكن مراقبين كثر يعتقدون أن هناك أسباباً خفية، دفعت إلى هذا الصراع القبلي أولها الاختلافات السياسية لبعض القادة الدارفوريين، ومحاولة كل طرف السيطرة على دارفور، وأشار إلى وجود احتقانات تسببت قبل ذلك في أحداث (كولقي) جنوب غرب الفاشر.

القوات المشتركة:
الغموض الذي اكتنف أسباب هذه المواجهات لم يختصر على الأطراف وإنما امتد إلى القوات المشتركة، وكما هو معروف هي عبارة عن وحدات عسكرية تشادية سودانية تم إنشاؤها بموجب البروتوكول الأمني والعسكري الموقع بين تشاد والسودان في منتصف يناير من العام 2010 و قوامها 3000 جندي و360 شرطياً بواقع 1500 جندي و180 شرطياً من كلا البلدين، ويعمل أفرادها جنباً إلى جنب على طرفي الحدود البالغ طولها 1350 كلم، وبمعدات تسمح لهم بالتحرك والمراقبة براً وجواً وعلى مدار الساعة، و قيادة هذه القوات بالتناوب، واستطاعت طيلة السنوات الماضية حسم التفلتات في هذه الحدود وكانت محل إشادة، لكن في هذه الحادثة تمت المواجهات التي خلفت عدداً من القتلى والجرحى في وجودها، كما لم يكن دورها واضحاً، وحتى التعليق على ماحدث لم يصدر من جانب رسمي واحد من القوات المشتركة كممثل للدولتين، أو بعد اجتماعات ضمت ممثلي الدولتين، وإنما صدر من الجانب التشادي في القوات المشتركة،
بالنسبة لدولة تشاد حتى الآن تعاملت مع ماحدث في الحدود بردود فعل إيجابية، ووعدت حكومة السودان بحسم المتفلتين، وإبداء لحسن النية أطاحت بأحد مسؤوليها في منطقة قريبة من مكان الحدث، لكن بحسب مختصين؛ اذا استمرت المواجهات بين الحدود فإن ذلك سيكون له تداعيات على العلاقات السودانية التشادية، لاسيما أن السلاح متوفر في هذه المنطقة.