عقار وعرمان.. نُذر مُفاصلة جديدة في الأفق!

 

الخرطوم: أمنية مكاوي

تفاقمت مؤخراً الخلافات داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة مالك عقار وشهدت الحركة تصدعات وانشقاقات، عقب توقيع اتفاقية جوبا للسلام، وخرج منها إسماعيل خميس جلاب مغاضباً، إبان تشكيل حكومة حمدوك الأولى بعدها أصدرت قيادة الحركة بياناً بفصله، وطالب جلاب رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بعدم اعتماد ترشيحات رئيس الحركة مالك عقار ونائبه ياسر عرمان.

في الفترة الأخيرة شهدت الحركة علاقة فاترة أن لم تكن مقطوعة بين عقار وعرمان، ظهر ذلك الفتور عقب القرارات التي أصدرها البرهان مؤخراً، وأدت إلى حل الحكومة واعتقال قياداتها والذين من بينهم ياسر عرمان والذي خرج من المعتقل فوجد رفيقه عقار ما زال عضواً في السيادي الذي تم تعيينه مؤخراً، إلا أن عقار أصدر بياناً عقب الحديث عن خصومة بين الرجلين، وأكد عقار أن عرمان ما زال عضواً بالحركة وليس هناك جفوة بينهما.

فأصبحت هنالك مواقف متباعدة بين عقار وعرمان وأصبح كل منهما يسير في طريق مختلف الا أن يوم أمس الأول حمل تصريحاً مفاجئاً بلسان قائد الحركة مالك عقار إير هاجم فيه ياسر عرمان الذي أصبح عضواً أساسياً بالحرية والتغيير، السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ظل عقار وعرمان طوال الفترة السابقة صامتين دون أن يبحثا سبب المشكلة أو يعلنا المفاصلة بنهما؟

 

اللعب بمكتسبات السلام

بعد تصاعد الخلاف بين الطرفين جاءت ردود فعل واسعة حيث أصدر يوم أمس الجيش الشعبي لتحرير السودان الجّبهة الثانية مشاة إقليم النيل الأزرق بياناً ساند من خلاله مالك عقار وقال البيان إن الجيش الشعبي ظل يقدم الشهداء والجرحى من أجل سودان جديد تسود فيه العدالة والديمقراطية؛ وقال: جاءت ثورة ديسمبر لترفع شعارات السودان الجديد المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة وتطالب عبر شعارها الشهير بالسودان الجديد (الشعب يريد بناء سودان جديد)، وإن السلام يمثل الركن الثاني في الثورة؛ ويمثل توقيع اتفاق سلام السودان بجوبا الفرصة الكبرى لبناء السودان الجديد؛ إذ ظلت بلادنا في حروب أهلية دائمة منذ ما قبل الاستقلال واتفاق السلام يعتبر مدخلاً صحيحاً لإنهاء الأزمة الوطنية المتشعبة، الأمر الذي يدعو كل القوى السياسية لدعمه واستمراره واستدامته بالمساهمة الفاعلة في التنفيذ، تؤكد قيادة الجبهة الثانية مشاة أنها تقف مع ما جاء في حديث القائد العام للجيش الشعبي ورئيس الحركة مالك عقار؛ وستقف سداً منيعاً أمام محاولة البعض اللعب بمكتسبات السلام أو استخدامه في الكسب السياسي أو محاولة تعطيل تنفيذه بالادعاءات الباطلة؛ فأولئك الذين لم يذوقوا ويلات الحرب لا يعرفون عظمة أن يتوقف البارود ونزيف الدم؛ ولا يعرفون شظف العيش في الخنادق ولا عظمة الفقدان، وإن الجيش الشعبي لتحرير السودان؛ ملتزم بالترتيبات الأمنية المفضية إلى بناء جيش وطني واحد ومهني موحد، وقد بدأت قيادة الجيش فعلياً في الالتزام بالترتيبات الأمنية عبر تفويجها للقوات إلى معسكرات التدريب المنصوص عليها في الاتفاق.

استقالة وزير

مع تصاعد الخلافات وحرب البيانات، أعلنت وزيرة الحكم الاتحادي بثينة دينار ممثل الحركة الشعبية استقالتها من منصبها أمس كردة فعل لتصريح مالك عقار، وقالت: (أتقدم باستقالتي انحيازاً للثورة وقضايا السلام)، مشيرة إلى أن ياسر عرمان من صناع السلام ويقف مع مطالب الجماهير.

 

الأولوية لاتفاقية جوبا للسلام

ويرى المحلل السياسي د. الفاتح عثمان أن انقسام الحركة الشعبية شمال من الأساس تم قبل فترة وتم تقسيمها إلى اثنين، الأولى “حركة تسيطر على الجنود والأرض بقيادة الحلو” وأخرى “قيادة سياسية لا وجود فعلي لها على الأرض بقيادة الثلاثي القائد مالك عقار والقائد ياسر عرمان والقائد خميس جلاب”، وتابع: هم عادة يختلفون كثيراً مع بعضهم البعض، وطالما أنهم  مجرد لافتة سياسية لا وجود لها على أرض الواقع تظل الخلافات بينهم غير مؤثرة وغالباً يتم إيجاد صيغة للتعايش بينهم لأنهم يعرفون أنهم معرضين لفقد كل امتيازات اتفاقية جوبا للسلام إن توصلت الحكومة لاتفاق مع حركة الحلو التي تحمل ذات اسمهم، أي الحركة الشعبية شمال، ويقول الفاتح في حديثة لـ(اليوم التالي) إن الخلافات الواضحة للطرفين ليس بالضرورة تؤدي إلى إبعاد أحد لأن مالك عقار يعرف جيداً أنه يحتاج لاسم ياسر عرمان لمواجهة الحلو، كما أن ياسر عرمان يحتاج إلى عقار لذات الأسباب وأي مواجهة ستصب في صالح الحلو إذاً في الغالب سيضطر عقار وعرمان للتعايش معاً بالرغم من أي خلافات، وأن مالك عقار مختلف مع ياسر عرمان بشكل جذري في الموقف من التعامل مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، لكن هذا لن يجعله يفصله من الحركة الشعبية شمال، بل يحافظ على وجوده فيها مع نزع شرعية تمثيل الحركة الشعبية شمال، لا زالت العلاقات بين الرجلين كما هي لأنهما محتاجان لبعضهما البعض من دون أن يتفقا على الموقف من التعامل مع قوى الحرية والتغيير لأن مالك عقار يرى أن الأولوية لاتفاقية جوبا للسلام وبالتالي لابد من عدم اتخاذ أي موقف معادٍ للعسكر .

 

مسألة إجراءات فقط

وقال المحلل السياسي د. صلاح الدومة إن الخلافات هي نتيجة النواقص وتباين الآراء هو ليس بجديد في الأحوال السياسية، وأضاف الدومة في تصريح سابق لـ(اليوم التالي) إن عرمان سيتم عزله رسمياً من الحركة الشعبية شمال وما تبقى مسألة إجراءات فقط، وتابع الدومة: “عزل عرمان سيؤثر سلباً على تحركات الحركة بأي حال من الأحوال مشيراً إلى عواقب خلافات القادة، وبسبب هذا التصريح أصبح صوت الخلاف عالياً بين الطرفين، وكان هناك استنكار واضح بين الطرفين في وقت سابق الخلاف الذي أصبح في السطح ومعلوماً للجميع.

 

تنظيم راسخ

واعتبر القيادي بالجبهة الثوري السودانية وكبير مفاوضي ملف الشرق في تصريح لـ(اليوم التالي) أن الحركة الشعبية هي تنظيم كبير وراسخ ولها باع طويل في النضال والعمل السياسي وهي حركة تصنع الأحداث أكثر من أنها تنجر وراء الأحداث، أما بخضوص أن القائد مالك عقار صقلته التجارب سواء أن كانت العسكرية منها أو السياسية، واستطرد جميل بالقول: أيضاً بالمقابل الرفيق ياسر عرمان لم يكن بأقل شأناً من القائد عقار، عقار يتفوق بالكاريزما القيادية العسكرية وياسر بالسياسية، الرفيق ياسر مهما اختلف حوله الناس له باع طويل في العمل السياسي.

واستبعد جميل حدوث خلاف بين ياسر وعقار لأن نظرتهما للسودان الجديد واحدة، معتبراً أن تضارب الشعبية الآن (لحظي)، ويرى جميل أن الاختلاف يكمن فقط في تباين المواقف رغم وضوح البيانات بين الطرفين .

وأشار جميل إلى الخلافات داخل التحالفات الحزبية والأحزاب نفسها وأن تباعد الرؤى لا يعني “الانشقاق”.

 

النازحون: نقف جميعنا خلف القائد

وصدر بيان آخر باسم لاجئي معسكرات جنوب السودان (جندراسة، باتيل، كايا) أكد على أن اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في العام 2020م قد أوقف القصف الجوي والحرب وأتاح لنا ولأول مرة بعد تسعة أعوام من تنسم رياح السلام ممارسة أنشطتنا الزراعية وزيارة مناطقنا الأصلية توطئة لرجوعنا مرة أخرى، إننا كلاجئين في معسكرات جنوب السودان نقف جميعنا خلف القائد مالك عقار ونؤيد ما جاء في رسالته، ونؤكد أن أي كيان يريد أن  يضعنا مرة أخرى في مواجهة الخوف وفقدان الأمل في العيش ويمنعنا من عودتنا لمناطقنا التي غادرناها قسراً وذلك بفتح اتفاقية السلام أو الدعوة لإلغائها والتي تعني عودة الحرب والموت مرة أخرى نحن نقف ضده.

ندعو القوى السياسية لوضع قضية اللاجئين والنازحين في أولويات أجندتها وذلك بدعم اتفاق السلام وتوافقهم الذي يؤدي إلى تنفيذه، ونحذر من مغبة استخدام قضايانا في الكسب السياسي والذي نراه الآن من قوى تريد إلغاء اتفاق السلام وأخرى تريد تغيير بعض بنوده.

 

أوضاع معقدة

من جانبه يقول المحلل السياسي محمد أحمد علي، إن الأوضاع في الحركة الشعبية قطاع الشمال برئاسة مالك عقار تبدو أكثر تعقيداً من أي وقت عقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الذي أطاح بالشركاء المدنيين من قوى الحرية والتغيير، ذلك ما وضع الحركة الشعبية في موقف محرج جداً لجهة أن نائب رئيس الحركة ياسر عرمان كان من أوائل الذين تم اعتقالهم من قبل عبدالفتاح البرهان، ووقتها كان ينظر العديد من المتابعين للشأن العام أن رئيس الحركة مالك عقار بعد أن غادر إلى قواته بالنيل الأزرق لن يعود إلى الاتفاق مع العسكريين خاصة وأن نائبه ورفيقه وذراعه الأيمن عرمان ما زال في الاعتقال في بحسب تعبيرة سابقاً، واستطرد محمد بالقول: لكن كان موقف عقار مغايراً ومخالفاً للتوقعات فعاد إلى منصبه بالمجلس السيادي ونائبه ما زال في الحبس، وقال محمد: “أعتقد أن هذا الموقف خلق شرخاً كبيراً داخل صفوف الحركة وإن عقار قلل من ذلك ببيان أخذ الطابع الشخصي عن علاقته بعرمان” وأضاف محمد في تصريح في وقت سابق لـ(اليوم التالي): “ليس الأمر ذو طابع شخصي أصلاً، بل موقف سياسي انعكس على مجريات الأحداث لاحقاً خاصة وأن عرمان عقب خروجه من المعتقل سمى الأشياء بمسمياتها ونعت ما قام به البرهان بأنه انقلاب صريح” وتابع: “لم يكتف عرمان بذلك، بل أصبح فاعلاً في مواجهة الانقلاب وكان مشاركاً ضمن منصة ندوة الحرية والتغيير بميدان شمبات  التي تم فضها بالبمبان من قبل جهات مجهولة”، وأشار محمد إلى أن ما يحدث من اختلاف في وجهات النظر إذا لم نسمِّ ذلك خلافات عميقة داخل الحركة يُمكن أن تؤدي إلى مغادرة عرمان صفوف الشعبية أسوة بخميس جلاب وقبلها انشقاق عبدالعزيز الحلو فيمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الحركة الشعبية وظهورها بمظهر أنها غير موحدة ولها أكثر من رأي في القضية الواحدة وهو الحال الذي يُشابه إلى حدٍ كبير مواقف حزب الأمة المناقصة.

 

تجنب العودة إلى مربع الحرب

وتقول مصادر موثوقة داخل الحركة إن الصراع داخلها يدور بين جناحين، الأول سياسي، والآخر عسكري وإن الحركة لها أدوات معتمدة لتحقيق النضال، وبرر المصدران خطوات التوافق مع المكون العسكري بأن وجود الحركة داخل القصر تم بموجب الوثيقة الدستورية واتفاق السلام أنه في حالة عدم وجودها يكون ذلك بمثابة إنهاء للاتفاق والعودة إلى مربع الحرب مرة أخرى.

وانتقد المصدران في حديثها في وقت سابق لـ(اليوم التالي) تصريحات عقار الأخيرة حول سرقة الوثيقة الدستورية من قبل (7) أشخاص من داخل الحركة ودور أردول.

علاوة على عدم اتساق برامج وأولويات القوى السياسية في تحالف الحرية والتغيير لإدارة المرحلة وتباعد تلك البرامج مع مسار الحركة، وأشار المتحدثان إلى التزامات الحركة تجاه النازحين والجيش عن طريق الاتفاق الذي يمهد للترتيبات الأمنية علاوة على الالتزام السياسي لتحقيق شعارات الثورة وتتويج نضالات الشعب بتحقيق أهدافها.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب