إليكم ………………. الطاهر ساتي
:: يوم الاثنين الفائت، بورشة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، عندما رأيت بعض السادة القائمين على إعداد ما أسموه بالإطار الدستوري الانتقالي، تذكرت حكاية الأب الذي هاتف ابنه المغترب طالباً تفويضه باختيار عروسته: (يا ولد خليني أختار ليك عروستك، ح تعجبك وتشكرني عليها، وأنت عارف ذوقي في الاختيار)، فخاف الابن وصاح فيه متوسلاً: (لا لا، عليك الله يا أبوي اطلع من الموضوع دا، ذوقك شايفو في أمي)..!!
:: نعم، إذا أردت معرفة عبقرية القائمين على أمر الدستوري الانتقالي، فما عليك إلا إلقاء نظرة على – أوراق الفوم – المسماة بالوثيقة الدستورية، لتصيح فيهم متوسلاً: (بالله أطلعوا من الموضوع دا، عبقريتكم شايفنها في الوثيقة الدستورية).. فالوثيقة الدستورية لا تختلف عن (أوراق الفوم) التي تستخدم في ديكور الاستوديوهات، لأنها قابلة للقص واللصق والترقيع، أي مثل نصوص الوثيقة التي صاغها بالأمس من يصيغون اليوم الدستور الانتقالي..!!
:: وهي أيضاً مثل (الشَملَة).. وهذه قطعة تُصنع من الصوف، تلتحفها المرأة عند الدخان لتعرق.. ويُقال إن امرأة من البطانة، كان اسمها (كنيزة)، أسلفت شملتها لجارتها التي ماطلت في إعادتها بعد أن تدخنت بها، ولما ألحت كنيزة على جارتها لاسترجاع (الشملة)، قالت الجارة باستهتار: (هي ثلاثية وقدها رباعي، عايزة بيها شنو؟)، فصار القول مثلاً يضرب على الأشياء المهترئة مثل الوثيقة الدستورية التي أعدها بالأمس من يعدون الدستور الانتقالي اليوم..!!
:: ولعلكم تذكرون، كان نصر الدين عبد الباري، وزير العدل بحكومة حمدوك، قد كشف عن وجود نسختين من الوثيقة الدستورية، وأن كل نُسخة تختلف عن الأُخرى، وهذا ما لم يحدث في تاريخ البشرية إلا في دولة النشطاء.. وغير تعدد نسخها، فإن قراءة نصوص الوثيقة الدستورية أيضاً بحاجة إلى أخذ الحيطة والحذر حتى لا تتساقط أسنانك من ركاكة الصياغة، وكأن من صاغها (سماسرة بكرين عربات)، وليسو أعضاء تحت لواء لجنة المحاصصات الحزبية المسماة باللجنة التسييرية لنقابة المحاميين..!!
:: ومن خطاب وجدي صالح في الورشة: (الحرية والتغيير ترى تشكيل مستويات حكم الانتقال من ثلاثة، اتحادي وإقليمي ومحلي، بحيث تتكون المؤسسات من مجلس سيادة مدني ومجلس وزراء كفاءات ليست بالضرورة أن تكون مستقلة، لكن دون محاصصة حزبية، إضافة إلى مجلس تشريعي).. تأملوا، وزراء كفاءات وليس بالضرورة أن يكونوا مستقلين، ولكن دون محاصصات حزبية.. وهذا يعني، على سبيل المثال، يمكن تشكيل حكومة كفاءات متحزبة، ولكن دون محاصصات حزبية، أي (بعثيين فقط)..!!
:: والمهم.. من أهداف الورشة خلق أرضية مشتركة بين السودانيين حول قضايا الدستور، كما يقول نقيبهم علي قيلوب للإعلام، ولكن في الواقع لم يرسلوا دعوات المشاركة إلا للقوى المناهضة للانقلاب، كما قال أمينهم العام الطيب العباس.. تأملوا، فالدستور مراد به حكم كل السودان وليس فقط أوزون، ثم أن الورشة تستهدف خلق أرضية للسودانيين جميعاً وليس للنشطاء فقط، ومع ذلك الدعوة للمشاركة والمناقشة (خاصة).. وعليه، غير أن إحداها تربط (الكرافتة) والأخرى ترتدي (الجُبة)، فليس هناك فرق بين ورشة المحاميين ومبادرة الدراويش.. ومن الجنون أن يتكلم المرء مع نفسه بمظان أنه يحاور الآخر في قضية بلد..!!
المهلوسون..!!
