التأمين الصحي.. بين الترنح والديون

35 مليون مواطن مشترك في التأمين
اتهامات للصندوق بطرح أدوية رخيصة بينما الغالية خارج التأمين
مديونية ولاية الجزيرة تجاوزت الترليون جنيه
دعوة لتخصيص أموال العلاج المجاني لتوجه للتأمين الصحي
الخرطوم : ابوبكر محمود
عند فشل تجربة العلاج الاقتصادي في عهد الإنقاذ بدأت الدولة في البحث عن معالجات أخرى لكبح تصاعد فاتورة العلاج خاصة لشريحة الفقراء، حيث تسارعت الخطى لإيجاد مخرج عاجل من خلال إقامة منظومة علاجية تكافلية سميت بالتأمين الصحي؛ حيث بدأ التنفيذ بقانون الهيئة العامة للتأمين الصحي في العام 1994و تم تقديم أول خدمة طبية بولاية سنار في 1995م. ثم انداحت دائرته ليغطي كل الولايات الشمالية وولايات الاستوائية الكبرى فى عام2002م وأخيراً ولايات بحر الغزال الكبرى وأعالي النيل الكبرى فى أواخر 2003 ومطلع 2004م.
وذلك بعد المرور بتجارب العلاج المجاني ثم الاقتصادي واللذَيّن أفرزا العديد من المشاكل والتي أقعدت إلى درجة كبيرة بتطور الخدمات الصحية بالسودان.
والتأمين الصحي نظام تكافلي أضفت عليه الدولة الصبغة الإسلامية، وأضافت إليه القيم المجتمعية، فشمل بذلك تحت مظلته الكثير من الشرائح التي أغفلتها عمداً كثير من الدول التي تطبق نظمًا للتأمين الصحي، وذلك مثل الأسر الفقيرة والمعاشيين والمزارعين والرعاة، وهي شرائح مستضعفة تقل فيها فئة الاشتراك وترتفع نسبة المرض وتكلفة العلاج.
ابتكر التأمين الصحي لإدخال هذه الشرائح مصادر متعددةً من مصادر دفع الاشتراكات، من أهمها الزكاة وذلك لكفالة الأسر الفقيرة ،أسر الشهداء , طلاب الخلاوي وأئمة المساجد.
قوبلت هذه المبادرة بالإشادة من قبل المنظمة العالمية للضمان الاجتماعي ومركز التدريب الدولي التابع لمنظمة العمل الدولية والسيناتور الأمريكي ريتشارد نيميير في زيارته للسودان في أواخر 2003م
تم تعديل اسم (الهيئة) لتصبح (الصندوق القومي للتأمين الصحي) بقانون 2001 تعديل 2003 والذي أيضا كانت أهم ملامحه : قومية النظام وقومية بطاقة التأمين، واعتمد التطبيق على المناهج الآتية:
تخطيط وتنظيم العمل على أساس مركزية التخطيط والسياسات ولامركزية التنفيذ.
تجميع الموارد وإعادة توزيعها حسب تكلفة الخدمات الطبية.
ومثلت تجربة التأمين الصحي الذي اقترب من إكمال ثلاثة عقود من انطلاقته، طوق نجاة لعدد مهول من عمال وموظفي الدولة، حيث كانت ولاية سنار بداية لصرخة ميلاد أفضل صرح خدمي على الإطلاق، ومن ثم عممت التجرية على جميع ولايات البلاد، وانتشرت المراكز التي تقدم الخدمة مابين العاصمة والولايات، ولكن التجربة ظلت محصورة على وزارة الرعاية الاجتماعية، وإن كانت هناك أصوات برزت على السطخ خلال سنوات ماضية جهة تبعية التأمين الصحي لوزارة الصحة الاتحادية، مع دعوات أخرى تطالب بتوجيه أموال العلاج المجاني للتأمين الصحي وهو أمر سيكون من باب المستحيلات باعتبار أن وزارة الصحة ظلت ممسكة بتلابيب العلاج المجاني، وأن ذهاب أمواله لجهة أخرى يعد خطاً أحمر .
خروج الخرطوم عن القومية
عندما تولى الوالي الأسبق في عهد المخلوع البشير عبد الحليم المتعافي أصاب تجربة التأمين الصحي في مقتل، وهي خروج الخرطوم عن دائرة القومية وتأسيس هيئة التأمين الصحي ولاية الخرطوم، وقتها شهدت أجهزة الإعلام معركة حامية الوطيس بين الصندوق القومي وحكومة المتعافي التي كادت أن تعصف بالمشروع الكبير.
وحتى يومنا هذا ورغم ذهاب نظام الإنقاذ إلا أن الخطوة كانت لها تاثير سالب على مسيرة قومية الصندوق؛ رغماً عن الجراحات والمعالجات التي تمت، ومن ثم اتسعت دائرة التغطية الخاصة بالصندوق القومي الذي صار يشتري الخمات الطبية من الصحة والمؤسسات الخاصة، وسارع على الفور في تقوية مكتب المحولين من الولايات لغلق أي تقاطعات من شأنها الإضرار باستمرارية خدمات الصندوق، وفي جانب آخر ظلت الدولة تتحمل دفع الاشتراكات، وفي جانب آخر يتحمل ديوان الزكاة الاتحادي والولايات دفع اشتراكات 5 ملايين مواطن؛ فضلاً عن قيام الصندوق القومي بشراء الأدوية عبر منفذ الإمدادات الطبية.
35 مليون مشترك والديون سيدة الموقف
برزت على السطح مؤخراً؛ ولما تعانيه البلاد من ضائقة اقتصادية أزمة تراكم ديون الصندوق على الحكومة، وفي جانب آخر توسعت خدمات وبطاقات الصندوق التي وصلت حتى الأسابيع الماضية ل 35 مليون مواطن، في حين أن العدد الكلي لسكان البلاد صار 40 مليون مواطن، وأن قائمة الأدوية وفق آخر تجديد لها تقارب ال700 صنف، وأن انتشار التأمين بات مواجهاً بجملة من التحديات أبرزها ارتفاع مديونيات الصندوق على الحكومة، وإذا ذكرنا بعض الولايات – على سيبل المثال وليس الحصر – نجد أن مديونية ولاية الجزيرة لوحدها تجاوزت الترليون من الجنيهات، فضلاً عن مديونية ولاية شمال كردفان التي قاربت الترليون أيضاً. وتعالت الصرخات من قبل المؤمن عليهم والإدارات المختصة بأمر التأمين من أجل إنقاذ المشروع المهم من الانهيار حال تقاعس الدولة من حسم أزمته الحالية، خاصة وأن عدداً من المشافي التي كانت تقدم الخدمة في بعض الولايات أضربت عن العمل كما أن مديونيات الإمدادات الطبية وصلت لمبالغ خرافية، في وقت ارتفعت فيه فاتورة الدواء مع بروز أصوات داعية لتحرير الدواء الحكومي الذي نفته وزارة المالية جملة وتفصيلاً. واللافت للنظر أن الخدمات الطبية تأثرت سلباً بالديون.
اجتماع طارئ
الأمور المتسارعة والحال المائل الذي تمر به البلاد على كافة الأصعدة، والصرخات التي أطلقتها عدة جهات عجلت ببعض متخذي القرار إلى عقد اجتماع عاجل الأيام الماضية لرسم وصفة علاجية لإخراج التأمين من كبوته الحالية وأن الاجتماع ضم كلاً من وزراء الصحة والمالية والتنمية الاجتماعية ومدير عام الصندوق القومي للتأمين الصحي، وهنا تكررت الدعوات إلى تخصيص أموال العلاج المجاني ليتوجه للتأمين الصحي؛ لكن الوزارة صاحبة الشأن في أمر المجانية رفضت الأمر مجدداً لتكون حصيلة الاجتماع وطبقاً لمراقبين؛ صفراً كبيراً والدعوات أيضاً صارت ترتفع لعلاج الأزمة قبل نهاية العام الحالي حتى تعود الأمور إلى نصابها.
أدوية رخيصة السعر
كانت هناك اتهامات ترشح من هنا وهناك بشأن أن الصندوق يطرح خلال القائمة الدوائية أصنافاً رخيصة، في حين أن الأصناف الغالية تكون خارج التأمين، وهذا مافنده مصدر مسؤول بالصندوق، الذي كشف عن وجود أدوية غالية وبكميات مهولة تصرف للمرضى، وبخلاف العمليات التي تتم بربع القيمة؛ مع فحوصات مجانية.