داخل عيادات العلاج.. عندما يعزف الألم على وتر معاناة الفنانين..

 

اليوم التالي – أبو الكنزة
خرجت الفنانة حنان بلوبلو متعافية من عيادة العلاج، في الوقت الذي يتأهب فيه الموسيقار “أسامة بيكلو” دخولها لإجراء عملية صمام، وقبلهما عانى عدد من الفنانين الموسيقيين من رحلات صعبة وقاسية بحثاً عن الشفاء داخل وخارج البلاد، فمنهم من عاد سليماً معافى، ومنهم من رحل وبينهم آخرون لا يزالون يعانون ويلات الألم ..
عندما يمرض فنان و شاعر، أو يرقد موسيقار طريح الفراش لا حول ولا قوة له، تلك اللحظة الوحيدة التي تكشف حقيقة مؤلمة، هي أن ثمن الغناء لا يساوي جرعة علاج، وإن الرصيد الضخم من الأغاني التي أثرى بها الوجدان فقيرة، ولم يكن ذلك مجرد ادعاء، وإنما وقع معاناة يعيشه اليوم كبار الفنانين والموسيقيين بسبب المرض والإهمال الذي يعزف على أجسادهم فاصل من الألم..
وقبل الموسيقار “بيكلو” وحنان بلوبلو، ولم يجد الفنان المبدع “محمود تاور” في الخرطوم التي أطربها ردحاً من الزمن، العناية الكافية لمواجهة داء السكر الذي عزف على وتر الألم، فغادر إلى القاهرة وهناك تخلى عن جزء من جسده النحيل بعدما بتر الطبيب بعضاً من أصابعه فصمت عن الغناء وانقطع عن جمهوره..
وفي مكان غير بعيد من “تاور”داخل مدينة القاهرة، رقد رئيس اتحاد الفنانين الدكتور “عبد القادر سالم” يبحث بين مراكز العلاج عن الشفاء ومسح آثار المضاعفات التي لحقت به عندما كان في السودان؛ حيث تعرض لوعكة صحية نقل على إثرها إلى مستشفى آسيا في مدينة أم درمان، ومكث “سالم” قرابة الأسبوعين قبل أن يخرج من آسيا إلى منزله الذي توافد نحوه زملاؤه دون اهتمام من المسؤولين، ولكن حالته الصحية لم تتحسن فقرر السفر إلى القاهرة التي وصل إليها وسط استقبال من السودانيين وهناك في أرض الكنانة استرد الفنان الكبير عافيته وعاد يواصل نشاطه اليوم..
الموقف الحالي لمعاناة المطربين أمر مكرر استدعى مشاهد مؤلمة من رحلات المبدعين حتى الموت في حقبة التاريخ الحديث، مثلما حدث للفنان الراحل عبدالرحمن عبدالله الملقب ب”بلوم الغرب” الذي لحق الفنانين السودانيين المرضى في القاهرة، ومع ذلك فإن رحلته مع المرض بدأت مبكراً منذ أكثر من سنتين، عندما أطلق الدكتور (أنور أحمد عثمان) على منصات التواصل مبادرة عاجلة لدعم الفنان الكبير عبد الرحمن عبدالله، الذي يصارع المرض وظروف معيشية صعبة لدرجة أنه بات مهددًا بالطرد من المنزل لعدم سداد إيجار ثلاثة أشهر.. وأثرى الفنان الكردفاني الساحة بمقطوعات موسيقية وأغنيات بديعة أبانت بشكل كامل براعته في هذا المجال المرهف، وأصبح المبدع واحداً من أفضل المطربين وأكثرهم شهرة، قبل أن يقعده المرض الذي سجن الفنان بمنزله والمستشفى في انتظار من يقف إلى جانبه ويرد له الجميل، ورغم حبه للوطن وكردفان مات “بلوم الغرب” في القاهرة..
وقائمة ذكرى معاناة المرض ضمت الفنانين ياسر تمتام و مصطفى مضوي، الأول يعاني مشاكل على مستوى القلب، وقد أجريت له عملية جراحية ناجحة، وقد احتفت منصات التواصل الاجتماعي به ونشرت صوره وهو بملابس العملية..
رحلات الألم وقصص المعاناة تعكس بشكل واضح الإهمال الذي يعانيه الفنانون والمغنيين الذين بذلوا سنوات أعمارهم يبحثون بين بيوت القصائد اشعارًا صالحة للغناء يفصلون عليها ألحانًا من الموسيقى ممزوجة بأصوات شجية تطرب المستمع وتملأ جوانحه بالبهجة، ولكن كل هذا الإبداع بات لا يساوي شيئاً خاصة عندما تستعيد القصة الحزينة والمؤثرة للفنان الراحل “أبو عبيدة حسن” الذي ضجت به الأسافير قبل فترة وهي تحمل معاناة صراعه مع المرض وظروفه القاسية، هو الذي دفع بالمسؤولين خجلًا الإسراع إلى زيارة منزله البسيط وتقديم يد العون وعلاجه لستر عورة القصور والإهمال سواء كان منهم أو من الشعب قبل أن يترك الدنيا وما فيها ويرحل..
قد يستجيب بعض المسؤولين ورجال الأعمال لنداء علاج المبدعين، ولكن حتى الآن لم تضع الدولة حلاً ناجحاً مثل نظيراتها في العالم ينقذ هؤلاء الفنانين من الوصول إلى هذا الوضع المحرج من المرض ويقطع دابر معاناتهم المتواصلة..