استغلال النفوذ والسلطة الوظيفية في تصفية الحسابات الشخصية

نهى محمد الأمين أحمد
nuha25@yahoo.com

صديقتي التي ظلت تعمل في واحدة من المؤسسات الحكومية زهاء ربع القرن من الزمان، كثيراً ما كانت تحدثني عن عدم مقدرتها على استقطاب المديرين والرؤساء، وذلك لأنها فاشلة تماماً في التملق والمداهنة (تكسير التلج)، بالإضافة إلى ضميرها اليقظ على الدوام؛ والذي يجعلها لا تخشى في قول الحق لومة لائم،
أخبرتني أنها كانت دوماً تتبنى القضايا العامة وحقوق جميع العاملين، وكانت تطرح رأيها بشجاعة وترفض الخطأ وتوضح موقفها بدون خوف،
عانت الأمرين إبان حكومة المؤتمر الوطني وسياسة التمكين.. سيئة الذكر، فطالما جابهها المديرون بالتهميش والإقصاء، بالرغم من مؤهلها العلمي العالي، خبراتها، بالإضافة إلى الكثير من المهارات الشخصية المعروفة عنها،
عندما ذهبت حكومة الإنقاذ، غير موسوف عليها إلى مزبلة التاريخ، استبشرت خيراً وأنها أخيراً قد تجد من يمكنهم الاستفادة من مؤهلاتها وخبراتها وقناعتها الكبيرة بدور الجميع في بناء الوطن في هذه المرحلة المحكية للغاية من مسيرته،
أتت – ق ح ت – بمدير جديد للمؤسسة التي تعمل بها من ضمن حكومة الكفوات (وليس الكفاءات) في تشكيلة حمدوك الأولى، والتي تم قياس المؤهلات فيها بعدد مرات خروجك في المظاهرات وكم شربت من البمبان، أما إذا كان قد تم اعتقالك فهذا بمثابة وصولك إلى هرم الكفاءة، وهذا كان الخطأ التاريخي الذي أودى بهذه الثورة العظيمة، وقد أفردت مقالاً، قبل هذا، تحدثت فيه عن أن إدارة الدولة أمر مختلف تماماً، يتطلب خبرات عملية طويلة، وأن أركان النقاش في الجامعات لا تصنع رجال دولة، وأن مجازاة الثوار والخارجين في المظاهرات لا يصلح لأن تكون بتعيينهم في وظائف قيادية في الدولة، هم لا يملكون المؤهلات ولا الخبرات اللازمة لتحمل هكذا مسؤوليات وأعباء، فإدارة شؤون الدول هو تكليف وليس تشريف، لا بد هنا أن أشير بإيماني بالدور الكبير الذي لعبه الثوار والمتظاهرون في هذه الثورة العظيمة، وشهداؤنا الأبرار الذين استرخصوا الأرواح والدماء فداء لهذا الوطن، ولا بد أن نحني القامات أمامهم تقديراً واحتراماً، ويجب تكريمهم والتشرف بهم، وهناك طرق عديدة للتعبير عن عرفاننا وتقديرنا لما فعلوه، ولكن وللأسف الشديد، تعيينهم في الوظائف القيادية، من المستحيل أن تكون المكافأة المناسبة لما قدموه، فشأن الدولة أمر مختلف، يتطلب كما أسلفت مؤهلات، خبرات ومهارات مختلفة ليس من بينها الخروج في المظاهرات،
عذراً إن أطلت في هذه النقطة السابقة، ولكنها مهمة، وعوداً إلى حكاية صديقتي، جلبت – ق ح ت – إلى مؤسستهم مديراً من خارج العاملين بالمؤسسة، كان جواز مروره هو ثوريته وخروجه في المظاهرات، وقد أخبرتني أنها لا تنكر أنه يحمل مؤهلاً علمياً، ولكن خبراته الأساسية بمعزل تام عن تخصص المؤسسة التي لا تعمل فيها، وبالرغم من ذلك فقد رحبت به هي وزملاؤها وتوسموا خيراً، وأنه ربما، وبالاستعانة بالخبرات الموجودة لدى العاملين، ينجح في إدارة هذه المؤسسة المهمة،
ولكن من الوهلة الأولى، بدأ يظهر جلياً للعيان ضعفه الإداري والفني، تخبطه، وميله إلى تحكيم رأيه وانطباعاته الشخصية في إدارة المؤسسة، وكما العادة فقد استفزته بصراحتها وشفافيتها واعتراضها الصريح على أخطائه، فما كان منه إلا أن تجاهل تماماً الضمير والنزاهة الوظيفية والتكليف المهم، ولجأ إلى شخصنة الموضوع معها معلناً العداء السافر، مجرداً إياها من كل المهام التي تلي تخصصها ومؤهلاتها، وحارماً لها من جميع حقوقها كموظفة في الدرجات القيادية، حاولت الدفاع عن حقوقها وقدمت شكوى ضده للوزير الذي تتبع له المؤسسة، فكان هذا التصرف كصب الماء على الزيت في النار بالنسبة له فتفرغ تماماً للانتقام منها مستغلاً ثغرات لائحة الخدمة المدنية، ومستخدماً النفوذ والسلطة الوظيفية في النيل منها عبر إدخالها إلى التحقيقات ومجالس المحاسبة، وأنه من حقه كمدير أن يقرر حسب وجهة نظره الشخصية، متناسياً أنه بهذا يدمر المؤسسة المهمة ويسير بها إلى الوراء، فالعمل علاقة مهنية وليست شخصية، والأهم من ذلك أن الظلم ظلمات وسيحاسبه الله على ما فعله،
الأدهى والأمر، أنه عندما أصابها اليأس وجدت فرصة للانتداب إلى خارج المؤسسة فرفض الموافقة زاجاً بها إلى المزيد من مجالس المحاسبة متمادياً في الرغبة المدمرة في الانتقام،
طلبت مشورتي ماذا تفعل، أشرت عليها بأن تصمد حتى النهاية وتناضل في معركتها ضده وتقدم الشكوى تلو الأخرى ضده وبإذن الله سيكون هناك رجل رشيد يدرك مثل هذه المهازل التي تحدث في دواوين الخدمة المدنية من شخصنة للعمل واستغلال للسلطة والنفوذ في تصفية الحسابات الشخصية، والله الذي سمى نفسه العدل سيرد الظلم والكيد عليه وعلى أمثاله.
من هذا المنبر أوجه نداء عالياً للقائمين على الأمر، مؤسسات الخدمة المدنية هي الأساس، ضعوها نصب أعينكم، ولا تسمحوا بالممارسات الفاسدة في داخلها.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب