سفير قطر الجديد بالسودان .. والبحث عن خارطة طريق..(2)

د. محمد خليفة صديق
سعت قطر من خلال صندوق قطر للتنمية لتنفيذ مجموعـة مـن المشـاريع هدفهـا دعـم برنامـج العـودة الطوعيـة للنازحين وبنـاء الثقـة فـي مسـتقبل قائـم علـى الأمـن والاسـتقرار للحيلولـة دون العـودة للعنـف، وذلك من خلال إنشـاء عشر مجمـعات خدمية نموذجـية بـكل ولايـة مـن ولايـات دارفـور، يشمل كل مجمع: مستشفى ريفي، ومركز للشرطة ومسجد، ومحطة مياه، ومحطة كهرباء، مدرستا أساس، ومدرستا ثانوي، ومجمـع سـكني للعامليـن فـي هـذه المراكـز الخدميـة، ويشـمل أيضـاً تمكيـن الأسـر بتوفيـر سُـبل كسـب العيـش، وكذلـك تعزيـز الوئـام والسِـلم الاجتماعـي، بالإضافـة إلـى تمكيـن الأسـر مـن بنــاء ســكن نموذجــي لهــم، كما نفذ صندوق قطر للتنمية برنامجاً للإنعاش المبكر بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP) بهــدف بنــاء الثقــة فــي مســتقبل يقــوم علــى السلام والاسـتقرار، وتقليـل الاعتمـاد علـى المسـاعدات الإنسـانية، وإيجـاد بدائـل حقيقيـة للشــباب والنســاء مــن خــلال توفيــر التعليــم وســبل كســب العيــش.
نتوقع من السفير السادة أن يعمل على تنمية وتطوير العلاقات الثنائية بين قطر والسودان في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، ومن أبرز المشروعات التي تحتاج إلى تقوية وتطوير ومتابعة في الجانب الثقافي بين البلدين المشروع القطري السوداني للآثار الذي يمثل طفرةً ونقلة نوعية في إدارة التراث الثقافي السوداني، وهو مشروع يعمل كأداة لتعزيز وتحسين تراث السودان الثقافي ووضعه في مصاف الدول المتقدمة، ويمثل المشروع مظلةً لاثنين وأربعين بعثةً علمية تنتمي إلى خمسة وعشرين معهداً علمياً في اثنتي عشر دولة هي: السودان، قطر، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، بولندا، سويسرا، الدنمارك، المملكة المتحدة، كندا والولايات المتحدة الأمريكية. ونتوقع جهداً للسفير السادة في عودة المشروع لبريقه ومواصلة أنشطة التنقيب وإعادة تأهيل وتحديث المتاحف القديمة، وتنمية مواقع الأهرامات والكشف والصيانة والدراسة والترويج للتراث السوداني العريق، وظهور الآثار الإسلامية السودانية في متحف قطر للفن الإسلامي في الدوحة.
نتوقع أن تشهد العلاقات القطرية السودانية في عهد السادة مزيداً من الاهتمام بجوانب الدبلوماسية الاقتصادية، فقد نشر موقع “Africa Intelligence” قبل أسابيع تقريراً كشف فيه اعتزام قطر تعزيز مكانتها في السودان كأحد أكثر المستثمرين فيها خلال المرحلة القادمة، مؤكداً أن الدوحة تستهدف مجموعة من القطاعات الواعدة في الخرطوم وغيرها من المدن الأخرى، وعلى رأسها الزراعة لسد الطلب المحلي في العديد من المحاصيل الزراعية، والمشاركة في عملية تحقيق الأمن الغذائي لقطر عبر الوصول بهذه الخضروات إلى الفواكه إلى الدوحة، وفق ما يتماشى مع رؤية قطر 2030.
وبيّن التقرير أن توجه قطر نحو إطلاق المزيد من المشاريع الزراعية في السودان لن يقتصر على المحاصيل الغذائية وفقط، بل سيتعدى ذلك نحو التوسع في مجال الأعلاف الذي يتميز به السودان، والذي تملك فيه قطر مجموعة استثمارات لشركة حصاد للمواد الغذائية، وأضاف التقرير أن البنية التحتية ستنضم إلى قائمة المجالات التي تنوي الدوحة الاستثمار فيها خلال الفترة القادمة، واصفاً القطاع بالأرضية الخصبة والمحتاجة إلى العديد من المشاريع الجديدة، وهو ما يمكن للدوحة التركيز عليه في المرحلة القادمة بهدف تعزيز وجودها في السودان، والتأكيد على موقعها كأحد أبرز المستثمرين من خارج السودان في الخرطوم، متوقعاً إعلان قطر عن دخولها في مجموعة من المشاريع الجديدة المرتبطة بهذين القطاعين بعد نهاية كأس العالم 2022، وبالذات في الفترة المرتبطة ما بين شهري يناير ويونيو من العام المقبل 2023، في ظل وجود مفاوضات مع المسؤولين في كلا البلدين، وعمل الجهات القائمة على الاستثمار الأجنبي في السودان على تقديم كل التسهيلات اللازمة للمستثمرين القطريين الممثلين للقطاع الحكومي أو الخاص.
وتمثل الاستثمارات القطرية في السودان نسبة كبيرة من الاستثمار الخارجي في السودان من خلال المؤسسات القطرية، مثل بنك قطر الوطني، شركة الديار ومشروع مشيرب العقاري في قلب الخرطوم، شركة وِدام، شركة حصاد العاملة في مجال المشروعات الزراعية، شركة بروة العقارية، قطر للتعدين، بجانب عدد من الأفراد المستثمرين في المجال الزراعي والتجاري، وتعد الخطوط القطرية من أميز الشركات التي تقدم خدماتها للمسافرين من وإلى السودان
وقد يعود للسطح أيضاً الاتفاق المبدئي بين السودان وقطر قبل سنوات للتطوير المشترك لميناء سواكن بقيمة 4 مليارات دولار، والذي وقعه عن الجانب السوداني مدير هيئة الموانئ السودانية آنذاك عبد الحفيظ صالح، وعن الجانب القطري حسن الهيل، مستشار وزير المواصلات والاتصالات القطري، بحضور وزير المواصلات القطري جاسم بن سيف السليطي، الذي أشاد بتطور العلاقات السودانية القطرية، مشيراً إلى أن اللجان الفنية ستعكف على وضع خطة التنفيذ كاملة فيما يتعلق بتأهيل ميناء سواكن، وأن بلاده تتطلع للمزيد من الاستثمار في السودان حسب الخطة المدرجة، وقال: “الميناء سيستخدم لجلب المواشي السودانية لقطر لتحقيق المنافع بين البلدين”.
نتوقع من السفير السادة تنفيذاً عملياً لعزم القيادة القطرية تطوير علاقات التعاون الوثيق بين البلدين في كافة المجالات لتعود بالنفع على الشعبين الشقيقين؛ فالسياسة الخارجية القطرية كما لمسناها في مظانها منفتحة على السودان، ويجب علينا كسودانيين أن نتفهم طبيعة السياسة الخارجية القطرية التي تقوم على الهدوء في معالجة القضايا والتعامل معها والبعد عن صخب الإعلام، كما أن علينا أن نتعرف بدقة على طبيعة الإنسان القطري، وكيف يتعامل مع الأمور، وكيف نجح هذا الإنسان في إدارة كثير من الملفات آخرها هذه النسخة غير المسبوقة من كأس العالم، والتي أدخلت المنطقة العربية والإسلامية للتاريخ من أوسع أبوابه.
نعلم أن قطر قيادة وحكومة وشعباً تريد علاقة أفضل وأرقى مع السودان، لكن يجب علينا كسودانيين أن نعترف جهراً أن أوضاعنا السياسية والاقتصادية المتسمة بالسيولة والهشاشة والضبابية لا تشجع أحداً على أن يملأ يده بعلاقة استراتيجية مع السودان.
ختاماً: خصوصية العلاقات السودانية القطرية لا تنبع من أبعاد اقتصادية ومصالح هنا وهناك، بل فيها بُعد وجداني شعبي من عامة أهل السودان لأهل قطر والعكس، نما هذا الشعور الراقي مع الزمن، وهو شعور طبيعي بالود الحميم، تجده في حقول الحياة المختلفة في كرة القدم والتعليم والصحة والسياسة والثقافة وغيرها، وحينما تمت تسمية السفير محمد إبراهيم السادة سفيراً لقطر بالخرطوم تذكرت رائعة شاعرنا الكبير أحمد محمد الشيخ الشهير بالجاغريو، والتي غناها عميد الفن السوداني أحمد المصطفى، والتي تقول في مطلعها: يا السادة ألميني .. عن ريدو كلميني .. يا السادة بكل صراح .. من نظرتك أنا عقلي راح.. وهذه مناسبة أن نهدي للسفير السادة هذه الأبيات، وهو يخطو خطواته الأولى في الخرطوم، وهي قصيدة قيلت في الأربعينيات من القرن الماضي، وأترك للقارئ الحصيف تحديد مناسبة الأبيات مع موضوع المقال، والاستعانة بقاموس اللهجة العامية في السودان لأستاذنا البروفيسور عون الشريف قاسم عليه رحمة الله.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب