مزمل عليم
muzamilmozart@gmail.com
– عندما تنظر للمشهد المجتمعي في السودان هذه الأيام تجد تناقضات في شتى المجالات، وعلي سبيل المثال وليس الحصر هناك مراكز صحية لغسيل الكلى متوقفة جزئياً أو كلياً عن العمل مقابل أفراح ومناسبات تقام في صالات ذات (إيجارات) مليارية، كثير من مدارس الأساس والثانوي الحكومية أصبحت آيلة للسقوط تحديداً في الأحياء الطرفية للعاصمة الخرطوم، وهناك مبانٍ ضخمة وعقارات نشاهدها تنمو يومياً كالبنيان المرصوص لأفراد ـ أكرر ـ لأفراد وليس لشركات حكومية أو خاصة!! أصبحنا نلتقي يومياً في الشارع العام بنساء متعففات أصبحن يتسولن من أجل الطعام أو (حق المواصلات) مقابل أشخاص يتسابقون في كل سنة من أجل أداء فريضة الحج المليارية التكلفة.
هل حثنا الإسلام على ترك المستشفيات بدون دعم ليموت المرضى من أجل أن يوفر المال في بناء مولات تجارية ضخمة تباع فيها توافه الأمور كالحواسيب والجوالات النقالة وملحقاتهما!!، كيف نرتضي لأنفسنا كمسلمين أداء الحج مرة ومرتين بهذه المبالغ الكبيرة وهنالك نجد التي تمد يدها للتسول من حرائر النساء من أجل إطعام نفسها!!
– للأسف الأمثلة كثيرة للأنانية وعدم اللامبالاة التي ضربت مجتمعنا السوداني.. هناك طبقة برجوازية أصبحت أتفه متطلباتها في الحياة توازي حلماً لطبقة مطحونة أخرى تعاني الأمرين في مجتمع مسلم ومتدين كالمجتمع السوداني.
– بحثت كثيراً عن مصطلح السياحة الدينية ووجدت تعريفات مختلفة ووجهات نظر متباينة، ولكن في الأخير توصلت لنتيجة أو فلنقل حقيقة واحدة فقط وهي أن هناك فروض واجبة على المسلمين يتم تجاهلها لصالح أداء النوافل ومن لا يعرف النوافل جمع نافلة هي العبادات التي تقام بعد الفريضة أو تزيد عن الفروض.. فالحج معروف أنه أحد أركان الإسلام ولمن استطاع إليه سبيلاً، ولكن إذا كان في أسرتك القريبة أو البعيدة أشخاص يحتاجون لأساسيات المعيشة، فهنا من الأفضل ومن المفروض ترك الحج مباشرة ومساعدة الغير فهنا يعظم الأجر أكثر من لو أنك ذهبت للحج، فالدين المعاملة والدين أساسه التعاون بين الناس.. وتكافل المجتمع وتراحمه هو أساس كل العبادات..
– يأتي موسم الحج بعد عدة أشهر ونرى الآلاف من السودانيين يشدون الرحال الى الأراضي المقدسة في حين تجد في نفس أسرة الحاج أو المعتمر مريضاً ومحتاجاً وجائعاً!!
– أرجو الابتعاد عن الرياء وعن (البوبار الديني)، في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز لن يجدوا شخصاً يستحق الزكاة بسبب عدل الحاكم وتراحم المحكومين مع بعضهم البعض!! دعونا من عدل الحكام الآن فهم يتصارعون في كراسي السلطة لكن أين التراحم والتكافل بين السودانيين؟؟؟
– في كتابه (الاختيارات الفقهية) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والحج على الوجه المشروع أفضل من الصدقة التي ليست بواجبة، وأما إن كان له أقارب محاويج، أو هناك فقراء تضطرهم الحاجة إلى نفقة، فالصدقة عليهم أفضل، أما إذا كان كلاهما تطوعاً فالحج أفضل، لأنه عبادة بدنية ومالية”.. انتهى.
– شرح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية واضح جداً النافلة أفضل من الصدقة في حالة عدم وجود محتاجين للصدقة والعكس صحيح في حالة وجود محتاجين تصبح الصدقة واجبة على أداء النافلة.. في حالة التطوع وعدم وجود محتاجين فالأفضل التطوع بالنافلة بكل تأكيد.. ولكن ما أكثر المحتاجين في زمننا هذا..
– صدقني عزيزي الحاج أو المعتمر وبالأخص الذي سبق له الحج والعمرة من قبل صرف هذا المال في مكانه الصحيح للمرضى والمحتاجين والمتعففين من الأسر الفقيرة لهو أعظم أجراً عند الله.. فالسفر للحج والعمرة في ظروف بلادنا الحالية لا يعدو كونه سياحة دينية فقط لا غير.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.