النيل الأزرق.. آفاق التنمية المستدامة

النذير إبراهيم العاقب
لا يخفى على أحد حجم الدمار الشامل والممنهج، بل والمقصود، الذي إجتاح إقليم النيل الأزرق خلال الثلاث عقود التي ساد فيها حزب المؤتمر الوطني البائد حكم السودان طوال ثلاثين عاماً بالتمام والكمال، شهد خلالها الإقليم تدهورا مريعا في كافة المجالات التنموية، ناهيك عن الإهمال المريع من قبل الحكومة المركزية حينها من إنفاذ أبسط مقومات التنمية الاقتصادية والمتمثلة في تشييد الطرق وسفلتتها، لاسيما أن الإقليم يمثل أحد أكبر دعامات الاقتصاد الوطني السوداني، بحكم إحتواء أراضيه على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من التنمية الاقتصادية في السودان ككل، والمتمثلة في وجود كل المعادن النفيسة، مثل الذهب والكروم والبترول، ناهيك عن أن أراضيه الزراعية تعتبر من أخصب الأراضي الزراعية في العالم ككل، فضلاً عن الثروة الغابية والسمكية والحيوانية التي لا تحصى ولا تعد، بيد أن كل ذلك لم يشفع للنيل الأزرق عند مسئولي الحزب الحاكم حينها مركزيا كان أو حتى من أبناء الإقليم الذين استوزروا مركزيا ومحليا، وفي أرفع المناصب، ليس أولها وزراء مركزيين، ولا آخرها ولاة من صلب النيل الأزرق، ولكن للأسف لم نشهد أي سعي جاد من قبلهم لأجل تحقيق التنمية المستدامة بالإقليم.
وحتى فترة حكم الحركة الشعبية للإقليم عقب توقيع اتفاقية نيفاشا، والتي إستمرت لثلاث سنوات فقط، شرع الوالي وقتها الفريق مالك عقار في إنفاذ طريق الدمازين الكرمك، والذي يعتبر رافداً مهم جداً في تعزيز أطر النمو الاقتصادي بالسودان، ناهيك عن تسهيله لحركة التجارة الخارجية مع الجارة أثيوبيا، إلا أنه قد واجهت مسألة إنفاذه الكثير من العراقيل المركزية، وعدم إلتزام الحكومة بالإنفاذ في وقته، حيث وضعت أمامه الكثير من المطبات والعراقيل، ومن قبل قيادات عليا في المؤتمر الوطني مركزيا كانوا أو ولائيا، بحجة أن هذا الطريق حال اكتماله فستجتاح الحركة الشعبية ولاية سنار.
ولاشك أنه وفي ظل التطورات السياسية التي أعقبت التوقيع على اتفاقية سلام جوبا، والتي بموجبها نال إقليم النيل الأزرق الحكم الذاتي، فالفرصة مواتية الآن للعمل الجاد من أجل تحقيق أكبر قدر من التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في الإقليم، وذلك عبر إستغلال موارده الذاتية خير إستغلال، فضاء” إلى تنمية حقيقية ومستدامة في النيل الأزرق.
ولتحقيق ذلك واقعاً ملموساً فلابد من اتباع السبل الكفيلة بتحقيق ذلك على أرض الواقع، لاسيما وأن التنمية الإقتصادية تتسم بمجموعة من الخصائص والسمات والتي تتمثل أهمها في السعي لتحقيق الأهداف التنموية المختلفة التي تعتمد على وجود مجموعة عديدة من الإستراتيجيات المناسبة للعمل والتي تسعى للوصول لمعدل النمو الإقتصادي الجيد، والإتجاه ناحية تطوير البيئة الداخلية للمجتمع كله وكذلك للقطاع الإقتصادي المحلي الذي يخص الدولة.
مع ضرورة أن يتم الإعتماد بصورة واضحة على كافة الجهود الإقتصادية الذاتية من أجل تحقيق معدل التنمية الإقتصادية، ومن ثم استغلال جميع الموارد والإمكانات المختلفة التي تعمل على تطوير قطاعي الصناعة والزراعة وكذلك التجارة المحلية.
فضلاً عن أهمية السعي للإستفادة من التكنولوجيا وكذلك من الأجهزة الإلكترونية المتقدمة، حيث يعمل كل ذلك على تقديم دعم مناسب وجيد للتنمية الإقتصادية من خلال الإستثمار في شتى الإمكانات وكذلك الطاقات العلمية والمعرفية المختلفة، وسوف يساعد ذلك على تطوير الكثير من المجالات المختلفة ومن أهم هذه المجالات هى مجال الأبحاث وكذلك التعليم، وغيرها من المجالات الأخرى المختلفة.
وبلاشك فإن التنمية الإقتصادية تهدف لزيادة معدلات الدخل القومي بصورة كبيرة، حيث يساعد ذلك على تطوير المستوى المعيشي لجميع أفراد المجتمع كله.
أما فيما يختص بالإجراءات التي يمكن اتباعها في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فذلك يستوجب أهمية العمل على زيادة الوعي لدى جميع الأشخاص فيما يخص التحديات الاقتصادية، وذلك من خلال تعريفهم بهذه الأهداف ومدى أهميتها في مواجهة التحديات، ويتم ذلك عبر وسائل الإعلام والتثقيف المختلفة، والحث على التعاون والتكاتف بين جميع المنظمات والمؤسسات المعنية بتحقيق التنمية المستدامة، وتوحيد جهودهم معا للوصول إلى الغاية المنشودة، وذلك بتشجيع الشباب وحثهم على المشاركة في الأنشطة المختلفة المعنية بالتنمية المستدامة، وذلك نظرًا لكونهم أكثر نشاطاً وإبداعا، الأمر الذي سيساهم في تحقيق الأهداف المرجوة بسرعة وفعالية أكبر، بجانب ضرورة تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في عملية تحقيق التنمية المستدامة، وذلك نظراً لكونهم الأكثر علماً بحاجات مجتمعاتهم المحلية، والتحديات التي تواجههم، وبالتالي فهم الأقدر على إيجاد الحلول المناسبة التي تمكنهم من تحقيق التنمية المستدامة في هذه المجتمعات، ولتحقيق جل أهداف التنمية المستدامة، والهادفة للقضاء على الفقر على مستوى الإقليم ، والعمل على تحسين نوعية الحياة والبيئة لجميع الأشخاص، والقضاء على الجوع بشكلٍ نهائي، ويتم ذلك من خلال تحقيق وتوفير الأمن الغذائي، وتحفيز عمليات الزراعة المستدامة، وتوفير الصحة الجيدة وحياة الرفاهية لجميع الأشخاص، مع أهمية توفير التعليم ذي الجودة العالية، والتأكيد على المساواة بين الجنسين، والعمل على تمكين المرأة في مختلف قطاعات الحياة، وتوفير مياه الشرب النظيفة، والتأكيد على معالجة مياه الصرف الصحي بشكلٍ آمن وسليم، وتوفير الطاقة الحديثة والمستدامة وبتكلفة مادية قليلة، والتشجيع على النمو الاقتصادي المستمر، وتوفير العمالة المؤهلة لذلك، فضلاً عن الحرص على وجود بنية تحتية مناسبة، الأمر الذي سيزيد من تعزيز وتطور العمليات الصناعية، وتوفير الأمن والأمان في جميع المدن والدول، زيادة على ضرورة اعتماد الإجراءات المناسبة التي تساعد على الحد من التغير المناخي والآثار المترتبة عليه، والمحافظة على الحياة النهرية بجميع أنواعها. والأهم من كل ما سبق تعزيز مفهوم العدل والسلام بين جميع أبناء المجتمع بالإقليم، والتشجيع على الشراكة الحكومية والتحالفات بين مؤسسات المجتمع المدني لأجل الوصل لأكبر قدر من التنمية الحقيقية والمستدامة في النيل الأزرق.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب