النيل الأزرق.. الإعلام الحلقة الأضعف

*
النذير إبراهيم العاقب
*
لا يخفى على أحد ما جرى من أحداث عنف واقتتال قبلي دامٍ في إقليم النيل الأزرق منذ مطلع يوليو، وحتى أكتوبر الماضيين، والذي راح ضحيته المئات من القتلى وآلاف الجرحى، وما زالت آثاره متتابعة حتى الآن، وآخرها مقتل شخصين الأربعاء الثامن والعشرين من ديسمبر بخور ماريو شرق أمدرفا بمحافظة ود الماحي، عقب شروع ثلاثة من الشباب في الذهاب إلى قرية ألمان، حيث داهمهم ثلة من شباب قبيلة الهوسا وأطلقوا النار عليهم، وأدى ذلك الهجوم إلى مقتل أحدهم وجرح الآخر، وتمكن الثالث من الفرار والوصول إلى ألمان وإبلاغ سكانها بالحدث، ومن ثم قامت نفرة كبرى للثأر.
تلك هي حقيقة الأوضاع الأمنية المتردية في النيل الأزرق، وتصاعد أعمال العنف بين الفينة والأخرى بين سكان محافظة ود الماحي، في ظل غياب تام للتغطيات الإعلامية الفاعلة، وغياب أكبر لوزارة الإعلام، ممثلة في المجلس الأعلى للثقافة والإعلام بالإقليم، والذي في الحقيقة لا وجود له البتة في الساحة، لجهة تفعيل دور الإعلام الفاعل للمساعدة في حسم تلك الفوضى العارمة التي اجتاحت الإقليم، ورغم تمكن قائد المنطقة العسكرية الجديد، دكتور اللواء ربيع والمتخصص في حل النزاعات، وإصدار لأوامر صارمة لكافة الأجهزة الأمنية بالإقليم ببتر أي تحركات أو أحداث عنف متجددة في مهدها ودون تهاون، بيد أنه من الملاحظ عدم توقف أحداث العنف والتفلتات الأمنية حتى الآن، والتي تحدث بين الفينة والأخرى، خاصة في محلية ود الماحي، الأمر الذي يستدعي تداعي كافة مكونات إقليم النيل الأزرق السياسية والأهلية والاجتماعية والأمنية والإعلامية لتسريع الخطى والتفاعل الإيجابي مع القضية لحسم هذه الفوضى العارمة، وخاصة وسائل الإعلام المحلية التي من واجبها العمل لجهة عكس الواقع المعاش في الإقليم لحظة بلحظة، والعمل على تفعيل دور إذاعة وتلفزيون المجتمع لبث ثقافة الأمن والسلام في كل محافظات الإقليم، وذلك عبر تنظيم ندوات وليالي ثقافية لبث ثقافة السلام وسط كل سكان الإقليم.
لا سيما وأن الإعلام يلعب دوراً هاماً وبارزاً في تنشيط ونشر ثقافة السلام لكافة شرائح المجتمعات التي تعيش على أرض المعمورة، من خلال التعريف لشخوص الإعلاميين والوسائل الإعلامية المحلية والدولية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكيفية نشر ثقافة السلام.
وإن إبراز دور المؤسسة الإعلامية في نشر وتوعية الشعوب والمجتمعات في التعايش السلمي فيما بينهم من خلال عملية بناء السلام وكيفية مد الجسور لإقامة السلام والتعايش، وهذا يأتي من خلال تبني الإعلام كمؤسسة دور الإدراك والتبني للقضايا المجتمعية وتعزيز الوعي الإعلامي والحقوقي، وكذلك تزويده بالمعلومات التي تخص قضايا المجتمعات المؤثرة واعتمادها على دقة وصحة الوقائع انطلاقاً من مبدأ تعزيز حقوق الإنسان.
حيث يعتبر الإعلام سلاح فعال ذو حدين، حد يضع السلام، وحد يصنع الحرب والدمار، وأن الفارق هو في آلية الاستخدام وكيفية توظيف الإعلام السلمي لصنع حياة جديدة ملؤها السلام والتآخي والمحبة بين الشعوب والأفراد من خلال التعايش السلمي والمساواة بين فرد وآخر ومجتمع وآخر ودولةٍ وأخرى، حيث أنه يكون بمثابة جسور أمان بين تلك المجتمعات، والحث على عدم نشر روح التفرقة والعدائية والإكراه والتمييز والإقصاء للآخر فيكون بذلك ماكنة لإشعال الحروب والدمار، وقد يكون أحياناً عقبة كبيرة تمنع تحقيق السلام.
وقد يكون الإعلام بلا شك أداة سلمية لتحقيق عملية صنع السلام، وهناك الكثير من المؤسسات التي تعمل وتعج بها مطابخ الإعلام بالتمييز العنصري والتفرقة والإقصاء وهذا هو بعينه الإعلام الأصفر الذي يتبنى كل سبل التفرقة والأحقاد وتشويه الحقائق وتزويرها، لا سيما أن ماكينة الإعلام النظيفة هي التي تكون مستقاة وصاحبة أكبر جمهور لمتابعتها واستقاء أخبارها لنقل الواقع الحقيقي في زرع روح المحبة والسلام فهم من ينشرون تغاريد الوئام والمحبة للتعايش السلمي والسلام لتعيش الشعوب بأمان واستقرار.
ولو تساءلنا كيف يكون للمؤسسات الإعلامية دور في نشر ثقافة الحوار المجتمعي وترسيخ أطر سلام مشرف يخدم الإنسانية والشعوب فيظهر الحق عن الباطل وينصرف الحق على الباطل وهذا ما يحتم على الإعلامي أن يكون هو الحق ويظهر الحق ولا يقول إلا الحق.
إذ يجب أن يكون الإعلامي صادقاً في كل ما يتداوله وينقله إلى الناس ولا يعتمد التظليل والتدليس والكذب عليهم لأنه مؤتمن وموكل أن ينقل الأحداث كما هي، وكذلك التزام العدل والإنصاف عند نشر المعلومة وصحة مصدرها، وكذلك تجنب الإشاعات المغرضة التي تؤدي بالناس إلى الإرجاف.
وعن كيفية لعب وسائل ومؤسسات الإعلام في جعل السلام منهجاً لها ونشر ثقافته والتسامح، نجد أن ذلك يأتي من خلال انتهاجها طريق للسلام في نشر الروح المعنوية العالية فيما بين المجتمعات والأفراد ورص الصفوف وتوحيد الكلمة في مواجهة الإرهاب والتطرف الفكري المتعدد كأقصاء الآخر والدعوة إلى القتل وهذا كله يتم من خلال تربية النشء في كافة مدارس الإقليم على القيم الفاضلة والعظيمة واستغلال المجال التعليمي في ذلك، وتفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة الوسائل والتقنية الحديثة من خلال شبكة الإنترنت لما هو خير للإنسانية والصلاح للمجتمعات من خلال شبكة التواصل الاجتماعي التي تغلغلت في كل مجالات الحياة وفي شتى صنوفها من البيت إلى خارجه والمؤسسات والمجالات الشديدة الصلة مع الأفراد والمجتمع وخاصة الشباب تلك الفئة الأكثر استهدافاً من قبل المتطرفين وأصحاب الفكر المنحرف المغرر فيه.
ومن جانب آخر فإن على قادة الرأي العام ممثلة في وزارة الإعلام، إن وجدت بالفعل، في النيل الأزرق، وذوي الاختصاص دعوة الأفراد والمجتمعات إلى التقارب الفكري والروحي السليم ومد يد العون فيما بينهم للآخر، وتوحيد صفوفهم وزيادة التلاحم الاجتماعي.
فكلما تقارب الأفراد والمجتمعات مع بعضهم أكثر كانت لهم القدرة على مواجهة الفكر المتطرف والعنف وعملت على محبتهم لبعضهم البعض وهذا كله سيؤدي في النهاية إلى إحلال ثقافة السلام والتعاون وروح التضحية.
كما أن لنشر السلام والثقافة دور كبير في نشر ثقافة الحب والتآخي والعون ورص الصفوف هي كلها صورة من صور السلام فسيطرة مثل هذه الأمور على عقول الأفراد تجعلهم أكثر ألفة وتعطشاً نحو السلام والتسامح ووئد الفتن وطمرها في مكان ولادتها ولا ندعها النشوء وسط المكونات السكانية بالإقليم، بل على العكس العمل على نشر ثقافة القبول الفرد للفرد والتقدير لكل ثقافات الإثنيات والقبائل وتماذجها بعضها البعض.
وبالتالي لابد للسلطة الرابعة لعب دورها المشرف في الأخذ بنشر ثقافة السلام والتآخي والوئام، من منطلق أنها تؤدي دوراً محورياً في حياة الفرد والمجتمعات، وبالتالي ينعكس هذا على الصعيد المحلي من خلال المنظمات الإنسانية وبناء حضارات ثقافية جديدة نهجها وأساسها السلام والمحبة، ومن ثم تسهم في التنشئة الاجتماعية الإنسانية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وفي تشكيل رأيٍ عام والذاكرة الجماعية للمجتمعات كافة، كما أنها تؤدي دور استراتيجي في بث روح التعاون والسلام، وأنه لابد للإعلام في النيل الأزرق أن يكون له دور مؤثر وأساسي في وضع وبناء أسس مجتمعات مستقرة هادئة تنعم بالسلام، وتفضي إلى تطور وازدهار حياة إنسانية أفضل، مبنية على التعايش السلمي والسلام والأمن العام المستدام.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب