إصلاح الخدمة المدنية (٦)

موقفنا في السودان مما يعرف بالوصف الوظيفي وواجبات ومسؤوليات الوظيفة
Job description, duties and responsibilities,
نهى محمد الأمين أحمد
nuha25@yahoo.com
ظللت أردد مرار وتكراراً أن الخدمة المدنية هي أساس نجاح أي دولة، لأنها تجمع مؤسسات الدولة جميعها وهي التي تسير دولاب الدولة كافة، وفي جميع الدول المتطورة سواء كانت غربية، عربية، أفريقية وخلافها، نجد أن الدول تولي الاهتمام الأكبر للخدمة المدنية، ومخصصات العاملين في القطاع الحكومي مجزية، وتفوق في أحيان كثيرة القطاع الخاص، وذلك لوعيهم الكامل بأهميتها، والدور الأهم الذي تقوم به هذه المؤسسات.
جميعنا نعلم أن الإنجليز أسسوا نظاماً فريداً ومتقناً للخدمة المدنية في السودان، وكانت المؤسسات الحكومية السودانية تتمتع بالكفاءة، الرقي والتقدم في وقت كانت ترزح فيه دول الخليج تحت طائلة الجهل، وكان لموظف (الميري) في السودان شأناً في المجتمع، ولديه هيبته ومكانته.
وكما أضعنا الكثير الجميل، فقد أضعنا هذا النظام الممتاز للخدمة المدنية في السودان، بالتغطرس والفوضى وعدم الاجتهاد لوضع نظم وأسس، وأن تطوير الوطن وأن يعم الخير على الجميع لم يكن يوماً ما من أجندات الساسة والحكام، والكل يلهث وراء الأهداف الشخصية، والأنا دوماً كانت سيدة الموقف.
كثيراً ما أناقش شقيقتي المقيمة بأمريكا وتعمل في مؤسسة حكومية هناك، وأحدثها عن الويلات التي ألاقيها أنا ومن هم مثلي من المنتسبين للمؤسسات الحكومية، جراء عدم وجود أسس، نظام وقوانين يخضع لها الجميع، وكيف أنني عانيت الأمرين بسبب عدم مقدرتي على كسب المدراء لفشلي الذريع في السكوت عن الحق ورفض الأخطاء، وعدم مقدرتي على التملق وتكسير التلج.
أخبرتني أن هؤلاء الأمريكان ليسو ملائكة، بل ولديهم خصال في غاية السوء لعل أبرزها العنصرية، ولكن الفارق بيننا وبينهم انهم يخضعون للقانون شاءوا أم أبوا، وهذا القانون يسري بالتأكيد على الجميع بدون استثناءات لعرق، دين، أو مركز وظيفي،
من المعروف أنه في أي وظيفة يقوم بها شخص ما ابتداءً من الملوك، السلاطين والرؤساء، أصحاب الشركات والمؤسسات العملية العالمية الصخمة وحتى ماسح الأحذية وجامع القمامة (مع احترامي وتقديري لهم جميعاً على السواء)، فهنالك ما يسمى بالوصف الوظيفي، المهام والمسؤوليات، وهذه مفصلة على كل وظيفة بحيث يتم إنجازها على الوجه الأكمل.
معضلتنا الرئيسية في السودان الفوضى، عدم الالتزام باللوائح (إن وجدت)، فعندما أسلط الضوء على مدراء المؤسسات الحكومية، لا شك أن أهم واجبات الوظيفة هي إدارة العمل لإنجاح عمل المؤسسة المعني، وأن أولى أولوياته هي الموظفون الذين يعملون في المؤسسة، توفيق أوضاعهم، حلحلة مشاكلهم، والسعي الدؤوب لزيادة مخصصاتهم المالية التي تعينهم على مجابهة التزاماتهم في الحياة.
وهذا للأسف الشديد غائب تمام في الكثير من المؤسسات، ففي الوقت الحالي ومروراً بعهد الإنقاذ و(موضة) التعيينات السياسية للمؤسسات في الحكومية (الكفوات وليس الكفاءات) كما درجت على تسميتها، فمدير المؤسسة الذي يعي تماماً أنه لن يطول عهده، يحول مهام هذه الوظيفة المهمة إلى الآلية التي تمكنه من حصد أكبر كمية من الحوافز والنثريات، يقرب إليه بعض الموظفين لينضموا إلى مائدته في تلك المأكلة ويفوزوا بما يتبقى، أما المصلحة الجماعية وعمل المؤسسة فهو لا يأتي إطلاقاً في قائمة أولوياته.
صديقتي التي تعمل بإحدى المؤسسات المهمة، حدثتني أن مديرهم المعين سياسياً، سافر خلال شهرين أكثر من ست مرات للمشاركة في ورش خارجية، بنثرياتها ومخصصاتها بالإضافة إلى حوافز عن المشاريع أكثر من ١٠ مليون جنيه (مليار يعني)، كيف يعقل أن يدير شخص مؤسسة مهمة وهو في الخارج أكثر من بقائه في المؤسسة، وكان الدليل على فشله الإداري أن كمية كبيرة من العاملين بهذه المؤسسة لم تتم ترقيتهم لوقت طويل جداً وعندما عقدت الترقيات استبعد الكثيرون لوجود خلل معروف يخص الهيكل البالي الذي لا يستوعب العدد الحالي للعاملين، ولكن السيد المدير لم يفكر في حلها لانشغاله بالسفر الخارجي ونثرياته بالطبع، بالإضافة إلى المشاريع التي تعبئ جيبه بحوافز مليارية، وبالتأكيد لن يجد زمناً للموظفين الذين من المفترض أن يكونوا أهم أولوياته كما تنص واجبات وظيفته..
اوجه النداء للسيد وزير مجلس الوزراء، والذي لا بد أن يوافق على هذه المأموريات الخارجية (الفايتة الحد)، أرجو منه أن ينتبه لأمر سفر مدراء المؤسسات إلى الخارج، ووضع الضوابط، وأن الأهم هو الواجبات والمهام الأصلية لمدير المؤسسة، وليس المشاركات الخارجية..


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب