في كتب التاريخ وفي المروي المتكرر على الأجيال المتعاقبة من السودانيين بخاصة عند مرور ذكرى الاحتفال باستقلال السودان في الأول من يناير ١٩٥٦م يتجدد الاحتفاء باستقلال السودان والاكتفاء بترديد وحصر وقائعه في المقترح الإجرائي الذي قام بتلاوته من داخل البرلمان الشيخ عبد الرحمن دبكة عن دائرة بقارة غرب بجنوب دارفور (حزب أمة)، وتثنية من النائب الشيخ جمعة سهل من كردفان (الحزب الاتحادي)، والتصويت بالإجماع على المقترح وإعلان استقلال السودان من داخل البرلمان، أن تبسيط وقائع استقلال السودان على تلك الشاكلة حجب عن الأجيال المتعاقبة حقائق مهمة متعلقة بالاستقلال وكيف تم إقراره من داخل البرلمان في ٣١/١٢/١٩٥٦م، كما والاستقلال الحقيقي نفسه قد تم وأنجز في ١٩/١٢/١٩٥٥م بإجازة قواعد مشروع تأسيس الدولة الدولة وتم إرجاء الاحتفال به لليوم الأول من يناير ١٩٥٦م وكانت مراسم الإعلان عن استقلال السودان رسمية أعقبتها إعلان دولتي الحكم الثنائي الاعتراف باستقلال الدولة السودانية الوليدة فالدول الأخرى، ثم تم إيداع وثائق الدولة المستقلة للأمم المتحدة وحازت على عضويتها .
معلومات مهمة كنت قد استقيتها من روايات مباشرة من الشيخ مصطفى حسن أول رئيس لحزب الأمة بجنوب دارفور ونائب دائرة مقدومية نيالا في ١٩٥٣ ثم دائرة نيالا الشمالية الشرقية وكنت صغيراً ثم وثائق مهمة وضعت يدي عليها وبعضها حصلت عليها منه منذ فترة مبكرة من عمري ولم أكن أدرك قيمتها وقتذاك جعلت بعض الوقائع الخفية تتضح لي ولاحقاً تطابقت لدي المعلومات المهمة مع البحث المهم الذي أعده الزميل الأستاذ يوسف آدم بشر عن المدخل الصحيح للتأسيس الدستوري السليم وحول القواعد التأسيسية الأربع التي تمت إجازتها في عام ١٩/١٢/١٩٥٥م والخامسة منها والتي أجيزت في ٣١/١٢/١٩٥٥م، وقبيل انقلاب نظام الإنقاذ وكنت طالباً بالجامعة قمت بتجميع بعض هذه الوثائق التاريخية وكتابات الشيخ مصطفى حسن ومراسلاته المتبادلة مع زملائه الآخرين وفي جنوب دارفور كان لرجال الإدارة الأهلية المقدوم عبد الرحمن رجال والشرتاي آدم يعقوب بالمقدومية والناظر إبراهيم موسى مادبو في الضعين والناظر علي الغالي تاج الدين في برام والناظر السماني البشر في تلس والناظر علي السنوسي في رهيد البردي والناظر محمد إبراهيم دبكة في عد الفرسان والشرتاي منصور عبد القادر بمنطقة كاس ومن القيادات المحلية بجنوب دارفور والأعيان المقدوم محمد الفضل رجال والعمدة حمزة والشيخ محمد التوير والشيخ آدم تيمة وآخرون، وردت مساهماتهم في مذكرات ورسائل الشيخ مصطفى حسن، وفي انتخابات البرلمان الأول في نوفمبر ١٩٥٣م قدم حزب الأمة لبعض الدوائر في دارفور مرشحين من خارجها وكانت غالبية دارفور تدين بالولاء لحزب الأمة، وفاز في دائرة الجنينة دار مساليت زيادة أرباب المحامي الأميرلاي عبد الله خليل بدائرة أم كدادة، ولم يرها قبل الانتخابات، وثائق مهمة كنت جمعتها وذلك لإقامة معرض وثائقي بنيالا عن الشيخين مصطفى حسن وعبد الرحمن دبكة وأحضرت عدداً منها من منزل الشيخ مصطفى حسن والذي كان مهتماً وحريصاً على تمليك الأجيال المتعاقبة من أبناء إخوانه وأخواته وأسرته عموماً وقائع استقلال السودان، كما كان حريصاً على تزويدي بتاريخ حزب الأمة ونشأته وربطي بقيادته في الخرطوم، ومنه وقيادات أخرى من حزب الأمة بجنوب دارفور وأمدرمان علمت بحضوره إلى أمدرمان في نهايات الأربعينيات وذلك لتأسيس حزب الأمة وكان نشاطه امتداداً لعلاقة أسرته وجده لأمه الفقيه محمود والذي أسس أول مسجد بخلوة دينية لتعليم القرآن بمدينة نيالا في موقع مسجد نيالا الكبير الحالي، ثم تم إبعاده في أوائل الأربعينيات بموجب قرار مفتش مركز نيالا إلى أمدرمان لاتهامه بتحريض الأنصار على الهجرة إلى أمدرمان للالتحاق بالإمام عبد الرحمن، وذلك بالمخالفة لتعليمات الحاكم العام وظل بها حتى وفاته بأمدرمان بالقرب من الإمام عبد الرحمن، وقد كان منزل الشيخ مصطفى حسن داراً لحزب الأمة حينما تأسس الحزب بجنوب دارفور قبل اقتناء الحزب دار له وحينما تم الإعلان عن أول انتخابات عامة للبرلمان الأول بمجلسيه النواب والشيوخ كانت جنوب دارفور كلها تدين بالولاء للأنصار وحزب أمة وتمت تسمية الشيخ مصطفى مرشحاً لحزب الأمة لدائرة مقدومية نيالا بحضور الإمام الصديق والذي في ذلك اليوم تناول وجبة الإفطار بمنزل المقدوم ثم تحرك ركبه إلى مسجد العم الشيخ عطا المنان والذي بعد ذلك أسس المذهب السلفي بنيالا وفي مسجد الشيخ عطا تم قراءة القرآن وقام بقراءة القرآن اثنان من الصبيان الحفظة وهما إبراهيم حسن شقيق الشيخ مصطفى وعلي الحاج الطالب بالمرحلة الوسطى والذي صار من بعد ذلك من قادة الإخوان المسلمين، ثم من بعد قراءة القرآن توجه ركب الإمام الصديق وجموع الأنصار الهادرة بالأقدام والخيول إلى وادي نيالا القريب من حي الوادي، وتم أداء الصلاة خلف الإمام الصديق وكانت مدينة نيالا القديمة محدودة جغرافياً بأحيائها وما جاورها من قرى وقد خرجت عن بكرة أبيها ولا يزال من حضروا زيارة الإمام الصديق التاريخية لمدينة نيالا يتحدثون عنها ويؤرخون بها .
لا يزال هنالك من يكتبون عن استقلال السودان ويتحدثون عنه دون أن يتحدثوا عن منشأ برلمان الاستقلال والذي تأسس نتاجاً لتوصية لجنة استانلي بيكر والذي شكله الحاكم العام روبرت هاو ولولا تلك اللجنة ورغبة الإنجليز والحاكم العام السير روبرت هاو في استقلال السودان بصورة تضمن وجود حكومة مؤهلة بمرجعية توصيات لجنة استانلي بيكر وقانون الحكم الذاتي وتقرير مصير السودان وبموجب ذلك القانون تم انتخاب البرلمان الأول في نوفمبر ١٩٥٣ برقابة دولية ومارس السودانيون الحكم الذاتي، ثم قرروا مصيرهم من داخل البرلمان بعد أن تمرسوا على الحكم لما كان هنالك برلمان ولا كان هنالك استقلال للدولة السودانية بالشكل الحضاري الذي تم .
من الأخطاء الفادحة تجاوز نشأة البرلمان الذي تأسس في ظل الاستعمار ودور الحاكم الإنجليزي السير روبرت هاو في فصل الشخصية السودانية عن الشخصية المصرية، وقد كانت مصر الطرف الثاني في الاستعمار ترغب في الاحتفاظ بالأراضي السودانية وتدفع بتبعية السودان لأراضيها منذ الفتح التركي المصري .
استعرض بعض المعلومات التي استقيتها من الشيخ مصطفى حسن ومن الوثائق التي كنت أحتفظ بها وسلمتها لقيادات حزب الأمة وكنت طالباً بالجامعة وذلك قبيل انقلاب الإنقاذ ومن المؤكد شهدت من مناطق السودان مثل شمال دارفور وغيرها الكثير من الفعاليات والأنشطة المتعلقة باستقلال السودان كما تم حرق علم المستعمر بالفاشر، ولكن معلوماتي هنا محصورة في مصادرة وغالبيتها روايات الشيخ مصطفى حسن ووثائقه التي لم أطلع عليها كلها، كما هنالك بجنوب دارفور مساهمات أخرى لأعيان وشيوخ قد تكون أكثر تأثيراً ولكن كما أسلفت هذه من مصادري المحدودة وأحتاج بالضرورة لمقابلة بعض الذين كانوا من الجيل الذي شهد الاستقلال أو ما بعده أمد الله تعالى في أعمارهم من أمثال الدكتور آدم موسى مادبو .
مؤتمر دوماية:
سبق الإجماع على استقلال السودان من داخل البرلمان الاتفاق مع النواب الجنوبيين على منح الجنوب الحكم الفيدرالي ذلك الاستحقاق كان ضمن القواعد التأسيسية التي أجيزت في ١٩/١٢/١٩٥٥م وتم التراجع عنه في عام ١٩٦٥م عقب ثورة أكتوبر وعند التراجع عنه وصف نواب الجنوب بالبرلمان ذلك اليوم باليوم الأسود وتنبأوا بانفصال الجنوب يوماً ما، وذلك ما حدث بالفعل في عام ٢٠١١م، وفي دارفور قبيل استقلال السودان من داخل البرلمان شجع مفتش مركز نيالا الإنجليزي الزعماء والأعيان بجنوب دارفور لمطالبة نواب دارفور بالبرلمان بالمطالبة بإرجاء إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان وإلى حين وصول أبناء دارفور إلى مصاف رصفائهم بشمال السودان في التعليم والتأهيل ولكن إجراءات الاستقلال كانت قد بلغت نهايتها كما والحاكم العام في احتفال محضور ومعه زوجته قام بوداع الشعب السوداني وتمنى له التوفيق، وذهبت مساعي مفتش نيالا أدراج الريح، الكتابة عن مؤتمر دوماية تستلزم أيضاً البحث والاطلاع على وثائق الاستقلال وإفادات مِن مَن حضروا من الأحياء وهذا ما قد يكشف اختيار نائب من دارفور لتلاوة مقترح استقلال السودان من داخل البرلمان وتثنيته من نائب من نواب كردفان وقد حصل جنوب السودان على استحقاق الفيدرالية ضمن قواعد تأسيس الدولة السودانية.
الصادق علي حسن المحامي يكتب : استقلال السودان.. وقائع تاريخية مخفية
