الوقود المستورد.. من يتحكم في السلعة الاستراتيجية..؟

وكيل استيراد: القرار الصادر من الوزارة يؤكد وجود مافيا في القطاع
خبير في مجال النفط: دخول مجموعات في استيراد الوقود ربما يقود إلى المزيد من التعقيدات
باحثة اقتصادية: الاستيراد الخاص بدعة سيئة وليس له مبرر
الخرطوم: علي وقيع الله
ظلت من فترة لأخرى، تتجدد وتتعدد المشكلات حول استيراد الوقود بما يزيد من تعقيدات تصبح معالجتها أمراً في غاية الصعوبة، وهنا يتعلق الأمر بالشركات المستوردة للمنتجات البترولية كاستيراد خاص والتي طالبتها وزارة الطاقة وفقاً لقرار صدر أمس، بمدها بالعقودات للجهات المتعاقد معها في فترة وجيزة، وإلا سيتم إيقاف تدفيع الاستيراد الخاص في حالة لم يتم مدها بالمعلومات المطلوبة، كما أن الوزارة ألزمت جميع الشركات بالبيع بالأسعار التي أعلنت عنها وفقاً للقرار الذي أصدرته تجاه شركات الاستيراد التي برز الحديث المثير للجدل عنها في السنوات الأخيرة، ووفقاً لحديث بعض المختصين في مجال النفط، فإن القرار الصادر من الوزارة يشير إلى وجود مافيا تعمل في قطاع الاستيراد وهذا ما ليس له علاقة بتبعات ما يحدث في أرض الواقع، وأن الأسعار التي تم الإعلان عنها انتقدت من قبل شركات عديدة باعتبار أنها غير حقيقية لكونها أعلى من السعر العالمي، فيما يعتقد بعض الاقتصاديين أن وزارة النفط تريد من ذلك الابتزاز حتى تعطي هذه الميزة لمن يوالونها خاصة بعد ظهور رأسمالية الحركات المسلحة والدعم السريع وقد تكون واحدة من قنوات الاقتصاد غير الرسمي، فيما يشدد البعض على ضرورة تذليل المشاكل الفنية المتعلقة باستيراد المحروقات لجهة أن استيرادها مهم للغاية للاقتصاد المحلي.
قرار وزاري
فاجأت وزارة النفط شركات القطاع الخاص بقرار يقضي بعدم بيع البنزين والجازولين المستورد في محطات الخدمة بولاية الخرطوم، ودعت الوزارة في قرار تحصلت (اليوم التالي) على نسخة منه، الشركات المستوردة للمنتجات البترولية كاستيراد خاص مدها بالعقودات للجهات المتعاقد معها في فترة أقصاها 48 ساعة، وهددت الوزارة الشركات المعنية بأنه سيتم إيقاف تدفيع الاستيراد الخاص في حالة لم يتم مدها بالمعلومات المطلوبة، وأضافت: سيتم اتخاذ إجراءات لمن يخالف القرار، وحددت وزارة النفط سعراً خاصاً لجميع المستهلكين، في بورتسودان بسعر أدنى، 720 جنيه لجالون الجازولين و740 جنيه لجالون البنزين، والجيلي 740 جنيه لجالون الجازولين و760 جنيه لجالون البنزين، ودعت الشركات الى الالتزام بهذه الأسعار، وألزمت الوزارة جميع الشركات بالبيع بالأسعار أعلاه، ودعت لعدم تخفيضها لأي سبب من الأسباب، وقالت في حال عدم الالتزام بالسعر الأدنى المتفق عليه تقوم غرفة الشركات بعمل خطاب للمؤسسة لإيقافها من التدفيع في كل السودان وحرمانها من الاستيراد، وقالت: يتم العمل بالمسودة حتى الاجتماع القادم لتحديد سعر جديد، وأكدت الوزارة أن هذا القرار يجيء ضبطاً لحركة المنتجات في الأسواق وتحقيقاً للاستقرار.
وجود مافيا
يقول وكيل لشركة استيراد الوقود فضل عدم ذكر اسمه إن القرار الصادر من الوزارة تشير إلى وجود مافيا تعمل في قطاع الاستيراد وليس لها علاقة بتبعات ما يحدث في أرض الواقع، وأوضح أن الأسعار التي أعلن عنها انتقدت من قبل العديد من شركات الاستيراد باعتبار أنها غير حقيقية، بل هي أعلى من السعر العالمي، وأكد أن إنتاج النفط المحلي يقدر بـ70% من البنزين و50% من الجازولين أي أكثر من الوقود المستورد وبالتالي يكفي حاجة البلد، وتساءل: لماذا يباع الوقود المحلي بأكثر أو ما يعادل السعر العالمي لجهة أن ليست عليه جمارك أو موانئ أو ضريبة؟، وأبان أن القرار قضى بتوحيد الأسعار المحلية والعالمية خاصة أن حساب التكاليف للاستيراد تختلف عن السعر المحلي، وأشار إلى أن الأسعار وضعت على أثر تاريخي وليس بناءً على المستقبل سيما أن المؤشر الذي تعتمد عليه الوزارة هو السعر العالمي، واستبعد وجود أي أسباب لتحديد أسعار الوقود المستورد والمحلي، ونوه وكيل استيراد الوقود عبر إفادة لـ(اليوم التالي) إلى أن هناك مجموعات لديها مصالح مع الوزارة ما دفعها لإصدار مثل هذه القرارات، وقال: لا يمكن مراراً وتكراراً أن يتحمل المواطن مثل هذه القرارات المتعلقة بإضافة أسعار الوقود، وزاد قائلاً: (ما في زول بِنْضُم)، مشيراً إلى وجود خلل في المنهجية المتبعة، بدوره طاعناً في دقة المعلومات التي بناءً عليها تم توحيد الأسعار، وكشف عن وجود رسم قيمته 46 جنيه مقابل كل جالون على أصحاب المركبات، وقال: هذا لصالح ولاية الخرطوم والمؤسسة النفطية ووزارة البنى التحتية لمعالجة الطرق، وأكد أن البترول سلعة تؤثر على الاقتصاد وترفع من تكاليف السلع والخدمات لهذا فهي سلعة حساسة لا يمكن المساس بها.
إحداث التعقيدات
يقول الخبير في مجال النفط إسحق بشير إن المواد البترولية مسؤولية الحكومة أولاً، وبالتالي يتم استيرادها عبر مواردها بواسطة البنك المركزي، وتابع: لا بد من التحكم في السعر النهائي للمستهلك وضمان احتياجات الاقتصاد فيها إذا ما أرادت الحكومة تحقيق نمو اقتصادي، وأوضح أنه في الآونة الأخيرة بقدر ما زاد الاستهلاك تفاقمت الأزمة في مجال الطاقة، وأكد في تصريح لـ(اليوم التالي) أن الحكومة لجأت مؤخراً للقطاع الخاص عبر اتفاقيات حول العائد المتفق عليه، ويفترض أن عملية الاستيراد تكون تحت إدارة وزارة الطاقة، وقال إن دخول مجموعات في مجال استيراد الوقود ربما يقود إلى إحداث المزيد من التعقيدات وكأن هذا حدث وسيحدث، منوهاً إلى بعض ممارسات القطاع الخاص في شراء الدولار من السوق الموازي.

عوامل تتحكم
فيما شدد الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي على ضرورة تذليل المشاكل الفنية المتعلقة باستيراد المحروقات، لجهة أن استيرادها مهم للغاية للاقتصاد المحلي، وأشار إلى السماح للقطاع الخاص باستيراد المحروقات من الخارج واستخدام البنية التحتية لقطاع البترول في هذه العمليات، وأكد أن هناك تسعيرة متفق عليها، ويرى أن هناك عوامل تتحكم في سعر برميل النفط العالمي، وأوضح أن الكميات التي تُستَورد شهرياً أو كل مدة من الشركات وفقاً للسعر العالمي، بالإضافة لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني، وطالب د. هيثم عبر حديثه لـ(اليوم التالي) بضرورة تخفيف احتكار الشركات المُستورة للنفط، ودعا إلى فتح مجال أكبر للمنافسة لخلق تنافسية في الأسعار، وقال: ذلك لضمان ألا يحدث ارتفاع في الأسعار نتيجة اتفاق تحالف من الشركات النفطية مع بعضها، وتابع قائلاً: لابد من نظام حوكمة لتمكين السوق من السيطرة على الأسعار، ونوه إلى عدم الخضوع لتحالفات الشركات مع الدولة لتحسين قدرة البلاد للاستفادة من المشتقات النفطية وبناء قطاع طاقة قوي قادر على خدمة المواطنين.

مسؤولية الدولة
بينما قالت الباحثة الأكاديمية و لاقتصادية دكتورة دلال عبدالعال إن الاستيراد الخاص بدعة سيئة وليس له مبرر وهو نافذة يمكن أن تقود إلى تصاعد أسعار الوقود، وأكدت أن مسؤولية الدولة هي توفير الوقود من البنزين والجازولين والفيرنس وغيره لكافة الأغراض سواء كان للاستخدام الشخصي أو الشركات أو الزراعة أو الصناعة أو القطاع العام بما يغني عما يسمى بالاستيراد الخاص، ومضت قائلة: ظللنا منذ بداية الفترة الانتقالية نطرح ضرورة أن تتولى الدولة عبر مؤسسة النفط استيراد جميع المشتقات البترولية بعقود مباشرة مع منتجي النفط دون وسيط بما يؤدي إلى تخفيض الأسعار على المواطن وعدم ترك ذلك لسماسرة القطاع الخاص، وتعتبر د. دلال عبر حديثها لـ(اليوم التالي) أن الاستيراد الخاص أداة لرفع سعر الوقود بما يؤثر سلباً على أسعار جميع السلع الأخرى، ودعت إلى التركيز على تطوير حقول النفط السودانية بما يؤدي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن الاستيراد.
ظهور الرأسمالية
وأشارت إلى أن الحكومة اعتمدت في الموارنات السابقة وما زالت تعتمد على بيع النفط المحلي زهيد التكلفة بالسعر العالمي، ونوهت إلى أن ذلك يحرم المواطن من ميزة ثروته النفطية إذ أن ثلث إيرادات الموازنة العامة يتحملها المواطن في سلعة واحدة هي النفط، وقالت إن هذا خلل كبير كان وراء ارتفاع أسعار كل السلع بسبب ارتفاع تكلفة النفط وارتفاع تعرفة المواصلات التي تمتص كل أو جزء كبير من راتب العاملين، وبحسب رأيها لا للاستيراد الخاص للوقود، وقالت: بالطبع بعد انقلاب 25 أكتوبر الماضي أصبح سعر جالون البنزين في السودان أعلى سعراً في العالم وبالتالي يفرق من السعر العالمي بكثير أو كما ذكرت، وتعتقد د. دلال أن وزارة النفط تريد ابتزاز الجميع حتى تعطي هذه الميزة لمن يوالونها خاصة بعد ظهور رأسمالية الحركات المسلحة والدعم السريع وقد تكون واحدة من قنوات الاقتصاد غير الرسمي، وفي إشارة منها زادت بالقول إن الوزارة تريد أن تحتكر هذا القطاع وبالتالي تقوم هي بتحقيق ربحية فتسيطر على السعر.

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب