(حمدوك) ما بين القصر والشارع.. كلاكيت ثالث مرة!

الخرطوم: مهند بكري
يبدو أن بريق “المؤسس” رئيس الوزراء المستقيل د. عبد الله حمدوك، لم ينطفئ منذ أن راج اسم الرجل الهادئ في أبريل من العام 2019م معتلياً قيادة دفة الوزراء أعقاب شراكة بين “الحرية والتغيير” القائدة للحراك وقتها والمكون “العسكري” في إطار وثيقة دستورية أطاح بها قائد الجيش في 25 أكتوبر.
وفي كل مرة يجلس فرقاء الأزمة إلى طاولة الحوار، يعود سهم رئيس الوزراء المستقيل للارتفاع في بورصة رئاسة الحكومة، حمدوك صاحب العبارات الشهيرة: (سنصمد ونعبر وننتصر، وهناك ضوء في آخر النفق) رغماً عن الانتقادات التي كانت توجه له تارة تلو الأخرى إلا أن الجميع كانوا متفقين على أنه يمثل ملهماً في طريق الخروج من أزمة طاحنة شهدتها البلاد.
في الـ(25) من أكتوبر تبدلت الأوضاع بعد “شهر عسل” بين المدنيين والعسكريين، عقب خطوة قال عنها قائد الجيش إنها تصب في إطار تصحيح مسار الثورة، ومؤخراً عاد “المؤسس” إلى واجهة الأحداث بعد تسريبات تشير إلى عودة الرجل الى دائرة الضواء.
وبحسب عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق البروفسير صديق تاور، فإن عبد الله حمدوك كرئيس وزراء حكومة ما بعد إسقاط نظام البشير، تصدى لمهمة غاية في الصعوبة والتعقيد، وتحمل مسؤولية كبيرة في ظرف دقيق جداً، ولا ينكر أحد أنه بذل جهده للمساهمة في عملية الانتقال السوداني.
وبالتالي فهو قد نجح في ملفات مهمة مثل إعفاء الديون، واستقطاب الدعم الدبلوماسي العالمي قبل المادي، وتابع تاور في إفاداته لـ(اليوم التالي): “جعل حمدوك من السودان مركز اهتمام كبير بين الدول الأخرى”، وداخلياً في ملفات إصلاح الخدمة المدنية ومشروعات دعم السلام وغيرها.
ويقول تاور: “ولكن بالمقابل ارتكب أخطاء فادحة وقاتلة عندما حول نفسه لمركز مستقل عن قوى الحرية والتغيير، وأدار ظهره لها بينما كانت هي السند الأساسي له، وأضاف فشله في المحافظة على علاقة جيدة مع حاضنته السياسية جعله فريسة سهلة لمستشارين أقرب للشلة منهم لرجال الدولة.
كما أنه سعى للتماهي مع البرهان وحميدتي متنازلاً عن الكثير من السلطة الدستورية، بينما كان عليه التنسيق بشكل مباشر وكبير مع المكون المدني في مجلس السيادة لأنه الرئيس الفعلي كما كنا نذكره مراراً وتكراراً.
تعقيدات المرحلة!
لكن بالمقابل تقول رئيسة الحزب الليبرالي د. ميادة سوار الذهب، في إفاداتها لـ(اليوم التالي) إن تعقيدات المرحلة كانت تتطلب قيادياً ملماً بتعقيدات المشهد السياسي وتركيبة المجتمع السوداني، علاوة على القدره على اتخاذ قرارات مهمة في منعطفات مفصلية.
بيد أنها عادت وأشارت إلى أن د. عبدالله حمدوك نجح في اختراق بعض الملفات الخارجية بحكم خبرته بكواليس المجتمع الدولي ودبلوماسيته الرفيعة.
وتابعت ميادة: “بالرغم من ذلك الاختراق إلا أن بعض القرارات أثارت جدلاً وخطوات طرحت علامات استفهام”.
وحول أن حمدوك كان بين مطرقة المكون العسكري وسندان قوى الحرية والتغيير، تقول ميادة إن الخبير الأممي لم يكن رجل الحقبة بهذا الكم من التحديات والتعقيد على الرغم من التأييد الشديد والالتفاف غير المسبوق والدعم اللامحدود من كافة شرائح المجتمع السوداني.
وأوضحت أن حمدوك ظل مكبلاً بقيود حاضنة سياسية منقسمة لا تمتلك رؤية حول كيفية إدارة الفترة الانتقالية ولا كادراً مؤهلاً يدير دولاب الدولة، واستطردت بالقول: “ظل رئس الوزراء حبيساً في زنازين قوى الحرية والتغيير، من غير رؤية أو توافق”.

بناء ثقة وجمود سياسي!
وفي ظل الجمود السياسي الذي يهيمن على البلاد، لا يزال الشارع الثوري متمسكاً بمواقفه ومطالبه المتمثلة أساساً في إبعاد الجيش عن المشهد السياسي، ولا تزال دعوات التظاهر التي تطلقها لجان المقاومة والقوى السياسية المعارضة للانقلاب وتجمع المهنيين السودانيين مستمرة.
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل لـ(اليوم التالي): إن نعي ائتلاف الحرية والتغيير للعملية السياسية بالبلاد، وتحميله المكون العسكري مسؤولية انهيارها بارتكاب هذه الانتهاكات وعدم الالتزام بتهيئة إجراءات بناء الثقة، نتج عن مارست السلطات للقمع المفرط تجاه المتظاهرين السلميين في مليونية الثلاثين من يونيو التي خرجت في الخرطوم ومدن أخرى.
وبحسب الجميل فإن ذلك الإعلان قطع الطريق أمام أي تسوية سياسية، مشيراً إلى أن نجاح الفترات الانتقالية وفقاً للتاريخ والتجارب رهين بعوامل ذاتية وأخرى موضوعية، الأولى منها تتعلق دائماً بشخصيات وقيادات ورموز تمتلك تَأييداً داخلياً وخارجياً، وبحسب الجميل يمتلك رئيس الوزراء المستقيل البعد الخارجي وفقاً لعلاقاته الدولية من خلال عملة بالأمم المتحدة ووكالاتها بجانب علاقته المباشرة التي تجمعه بالأمين العام للأمم المتحدة الحالي “أنطونيو غوتيريش” وأن ذلك أنهى حقبة مظلمة من الحصار الاقتصادي الذي ألقى بظلاله على المواطن السوداني طيلة 30 عاماً مضت، علاوة على أن رؤيته حول البعثة الأممية اتضح أنها كانت أبعد من غيره، وأنها كانت بعيدة عن المكونين “العسكري والمدني”.
لكن بالمقابل بحسب الجميل ارتكب حمدوك خطأً قاتلاً عندما انفصل عن حاضنته السياسية وخلق فجوة بينها وبين الحكومة التنفيذية، وبشأن كاريزمة حمدوك يقول الفاضل إنه “لا يمكن أن نجد إجابة من هذا النوع” فالرجل كان متخبطاً في قراراته وخصوصاً ما تعلق منها بموقف الحكومة الانتقالية من قضية التطبيع بجانب محاولته أن يقف وحده دون حاضنته السياسية في اتفاق نوفمبر.
ورأى الكاتب الصحفي أن استقالة عبدالله حمدوك ” كانت حتمية وتترك الجنرالات في البلاد في مواجهة أزمة دستورية رغم الخطأ الأول بقبول الاتفاق الذي أعاده إلى منصبه”.
وأوضح الجميل أن هنالك من يرى أن الخبير الأممي كان ينفذ سيناريوهات مرسومة خارجياً، لكنه يرى أن رئيس الوزراء المستقيل كان يوجه العلاقات الخارجية لصالح السودان أكثر من ضرره.
وأشار الجميل إلى أن خيار عودة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك إلى منصبه لا يزال مطروحاً على الطاولة لتجاوز الأزمة السياسية في البلاد، وذلك للقبول الذي يحظى به الرجل رغم المستجدات التي طرأت على المشهد السياسي السوداني.

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب