شجن.. عثمان حسين.. تظل نسيج وحدها  في أوتار التغني والطرب الشفيف 

شجن.. عثمان حسين.. تظل نسيج وحدها  في أوتار التغني والطرب الشفيف

إبراهيم أحمد الحسن

(١)

جلس غير بعيد مني.. نهض، أقبل نحوي وقال لي اكتب ياخ!! عن شنو؟ عن (شجن)؟ شجن عثمان حسين؟ لا!! بل عن كل الأَشْجان، والشُجون السودانية، فالأشجان السودانية تترى بلا انقطاع، والشجن في لغتنا الجميلة هو الهمُّ والحُزْنُ، كما هي الحاجة الشاغِلَة ثم إنها الغصن المشتبِك والشُّعْبَة من كلّ شيءٍ ابتسم ثم قال: اكتب إن شاء الله عن (أخو شجن)، وكان بليغاً وهو يربط الأشجان بمعانيها القريبة والبعيدة بعضها البعض ومع سخريته المازحة الا أنني أكاد أجزم أنه كان يعرف أن (أخو شجن) لا معنى لها سوى أنها شخص ملازمٌ للحزن والهمّ أو حتى إنسان شجنته أمور الدنيا فأهمته وشغلته.

(2) حسناً دعني وشأني وسأكتب، ولكن لن أكتب بالأشجان القاتمة التي عددتها، بل سأكتب عن أشجان أخرى كُثر مصدرها ومحورها هنا في القلب المعنى، سأكتب عن شجن بمعناها الأعم أي بكل ما هو مؤثّر ومحرّك للعواطف.. غرب عني وابتعد، خلوت إلى نفسي أكتب ثم أرسلتها له، مدخلي في الكتابة كان شجن عثمان حسين ثم غلبني أقيف.. كتبت:

(3)

أبو عفان:  لو كان صبرت شوية عمر السنين أيام.. ومع تواتر الشجن وطرق وطأته المستدام على عَصّب حس ووجدان شعب كامل فتداعت وخزات الشجن تترى عبر (الشجن الأليم) و(أشجان) و(أشجان) إلا أن شجن عثمان حسين تظل نسيج وحدها.. تظل هي (الوتر المقسى) في أوتار التغني والطرب الشفيف.. ومن لدن البلابل اللائي وجدن شجن عزيز التوم منصور حين كتب (في السماء نجمة) و(في الصدى كلمة) في (ليالي الشجن والشوق)، لا تبرح (شجن) حسين بازرعة تباريح هوى شعب بأكمله، شعب جميل وشفيف ما أنفك يردد وراء إسماعيل حسن (لو ما كان غرامك ما كان صابني ريد)، ووراء التجاني حاج موسى في عز الليل (وجرحك مهما طول وغار / مطبوع فيني بالفطرة) ومع صلاح حاج سعيد في الحزن النبيل (نهاية الأماني المترفة) (الجاية من آخر المدى) (تفوتو وتهجع مع مواعيده القبيل) ومع أزهري محمد علي (أديني لروحك درب/ واتعلمي إنو العشق / يعني الغُنى في من تحب / يعني اشتعالك فيك / واخضرارك في القلب)، ووراء حميد (جاييك من آخر الريد/ مشياً على الأشواق/ عز الليالي البيد/ آنست نورك باقٍ/ خبيت مشاعري شديد/ الدروخا الساساق/ كلما ليك أنت بعيد / تومئ لي بالأطواق) ومع روضة الحاج تغني (تغني تحتال للأحزان وتسكت الأشجان حين تجئ)

(4)

بل لا تسكت الأشجان حين تجئ شجن حسين بازرعة تتساءل (لي متين في هواك يلازمك مر الشجن) تأتي تمتشق (هواه الأكبر الما ليه تمن) جاءت (بجراحانا بأشواقنا بنضوي الزمن)  جاءت شجن وقد (عادت مراكب ريدنا الى بر الأمان)، وتتناسل الأشجان لتأتي (تستاهلي / تستاهلي تستاهلي تستاهلي لو درت من قلب القمر باقات أساور أو حُلِي) ولأن الشجن قد يكون كلمة واحدة فقط تودي وتجيب، تمس الغرور كما عند محمد يوسف موسى في الدرب الأخضر (عرفت الحب وفاء وإخلاص حنان ووداد ورود وسلام أو في كلمة مع صلاح بن البادية (عشت معاك ليالي جميلة ليالي حنينة كالأنسام) ولأنها كلمة منك حلوة من عبدالله حامد الأمين سارت بها ركبان اللقاء الأول فجاءت كلمة منك حلوة كنت مستنيها/ بالأمل والسلوى من زمان راجيها) ثم سؤال العاشقين الأبدي (لا تسلني بل سل الشاطئ عندما كنت ألقاك دواما) ولأن العوازل لا ينفكون يكيدون كيداً قال لهم أبوعفان والسر دوليب: (ما بصدقكم.. وأصبحنا رغم البين/ روح واحدة في جسدين/ مهما تقولوا ظلمني/ مهما تقولوا هجرني أو بعد حبي خدعني/ ما بصدقكم/ دا حبيبي الروح بالروح).. وعندما تشتد وطأة الهوى على محبيه ومعجبيه يصدح لهم مغنياً: (مالي والهوى وسألت عليه ما أتكلم لا رد علي لا سلم) وتنفرد أشرعة الحب في ربيع الدنيا (يا ربيع الدنيا في عينيا يا نور قلبي يا معنى الجمال/ يا أخت روحي يا أماني هوايا في دنيا الخيال).

(5)

أجمل أيامي لحسين بازرعة لها جمهور خاص (حاولت أديك من روحي شوية من أدبي وفني ونهار عينيا/ حاولت كتير ما لقيت من حبك غير كل أسية/ خليت الدنيا لرضاك ورميتا والكلمة النادرة في هواك غنيتا) وتمتد عشرة الأيام من عوض أحمد خليفة ليستحلف بها عثمان حسين في غناه من قال له: ووريني أيه ضراك لو كان صبرت شوية عمر السنين أيام) وأدوني خاطركم الغالي فقد شفني الوجد وأنا أغوص في بحر عثمان حسين فأعود منه باللآلئ والدرر وأعود منه بـ(خاطرك الغالي): ولكني يا نور العذاب ما بغير حبي قول/ وما أظن من عرف الهوى يعرف عداوة مع السلام) ومع السلام عليكم جميعاً ورحمة من الله وبركاته.