فاغنر والدعاية الروسية المضللة .. تدخل مباشر لتقويض الإتفاق الإطاري

فاغنر والدعاية الروسية المضللة .. تدخل مباشر لتقويض الإتفاق الإطاري

بقلم: محمد إبراهيم

من الواضح أن روسيا تشعر بقلق عميق إزاء مستقبل علاقتها بالسودان، خاصة عقب تورطها في الحرب الأوكرانية، وتدخل موسكو السافر في شرقي أوكرانيا، مع إرتكاب القوات الروسية، وبمساعدة مرتزقة فاغنر للكثير من الفظائع وجرائم الحرب هناك، تماماً مثلما فعلت في سوريا وليبيا ومالي وافريقيا الوسطى، و بإستخدام عوامل وأنشطة خبيثة لتعزيز النفوذ الروسي وحماية مصالحها في السودان.

وفي الوقت الذي يحاول فيه الشركاء الخروج بالبلاد من مأزقها السياسي، عقب الإطاحة بالحكومة المدنية في 25 أكتوبر 2021 ، و برعاية من الأمم المتحدة والرباعية، وبعد الوصول الى المرحلة النهائية من العملية السياسية الرامية لإنهاء الأزمة التي طال أمدها، ومع تواصل المشاورات بين المدنيين والعسكرين الموقعين على إتفاق الإطار السياسي بهدف تفكيك نظام الإنقاذ وإنهاء مرحلة الإنقلابات العسكرية في السودان، وإستقرار البلاد سياسياً وإجتماعيا وإقتصاديا، وبالرغم من ذلك، إلا أن هذه المرحلة تواجهها الكثير من التحديات من بينها وجود جهات عديدة تعمل على عرقلة هذه العملية السياسية برمتها، بل وتسعى الى إيقافها والدفع بالبلاد الى مصاف الدول الفاشلة، وسيادة حالة عدم الإستقرار، والترويج لمظاهر الإنفلات الأمني والإجتماعي، وذلك بإختصار لأن هذه العملية وما يعقبها من إستقرار ورفاهية للسودانيين تتعارض مع مصالح أطراف ودول خارجية عديدة، وفي مقدمة هذه الدول روسيا و وعملائها من مرتزقة فاغنر، اذ تسعى تلك الكيانات الروسية في سبيل ذلك إستخدام شبكة تضليل إعلامي واسعة تُدار من عواصم إقليمية ودولية من بينها موسكو، وتستخدم منصات التواصل الإجتماعي لنشر مواد إخبارية مضللة ومفبركة، و مستفيدة من الأخبار الكاذبة والشائعات التي تستهدف الإتفاق بين العسكريين والمدنيين، وذلك ببساطة لأن اي إستقرار سياسي في السودان سيتعارض مع المصالح الروسية المتمثلة في نهب ثروات البلاد من الذهب، ذلك المعدن الاصفر الذي تحتاجه روسيا لدعم إحتياطيها من الذهب والعملات الأجنبية، خاصة عقب حربها على أوكرانيا، والعقوبات المفروضة عليها من المجتمع الدولي.

لم تتوانى روسيا وعبر سفارتها في الخرطوم على التدخل المباشر في الشأن السوداني و إنشاء تحالفات وعقد لقاءات مع كيانات دينية وسياسية، قد تختلف معها إختلافا جذريا وفكرياً، مثل لقاء السفير الروسي بالخرطوم فلاديمير جيلتوف أواخر نوفمبر الماضي مع القيادي في التيار الإسلامي محمد على الجزولي، ولقاء السفير ذاته مع الناظر محمد الأمين ترك، رئيس المجلس الأعلى للبجا ، ولقاءه كذلك مع قادة التحالف الديمقراطي بقيادة مبارك أردول المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية.

وبذلك فإن روسيا لن تتورع في التحالف مع هذه الكيانات الرافضة للإتفاق الإطاري والداعمة لإستمرار حالة اللادولة في السودان، وكما يعلم الجميع أن تلك الكيانات التي قابلها السفير الروسي في الخرطوم، هي ذاتها التي درجت على تنظيم التظاهرات المحدودة أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم احتجاجًا على التدخل الدولي في السودان، الأمر الذي يدخل روسيا نفسها في تناقض المصالح ومساعيها الرامية لدعم الإستقرار في السودان كما تدعي، الأمر الذي يجعل من موسكو شريكا سيئاً لا تضع مصالح السواد الأعظم من السودانيين في حساباتها، ولكن كلنا نعلم أن روسيا الشيوعية العلمانية تستطيع أن تتحالف مع فلول وبقايا النظام السابق، بل وأنها لن تتواني في التحالف مع الشيطان نفسه من أجل حماية مصالحها.

تعمل شبكة التضليل الروسية وفق سياسية إعلامية خبيثة من شأنها تقديم محتوى إعلامي زائف يقوم على نشر التحليلات السياسية المنتقدة لأي إتفاق يدعو لسيادة الحكم الديمقراطي في السودان، و هذه التحليلات التي يقدمها من يسمون أنفسهم بالمحللين والخبراء الإستراتيجيين، والعسكريين المتقاعدين، عمدت مؤخرا على سبيل المثال الوقوف بقوة ضد مشروع الدستور الإنتقالي الذي أقترحته نقابة المحاميين، وإظهار هذه الاراء بإعتبارها الأراء الرسمية للقادة العسكريين، بل وعمدت تلك الأقلام بالإشارة الى وجود ارهاصات قوية لفشل “الاتفاق الإطاري” وتأكيدها على أن وجود الجيش بإعتباره الضامن الوحيد لأمن البلاد وإستقرارها دون حوجة السودانيين لإرساء دعائم الحكم المدني الديمقراطي، وهو ذات النهج الذي تتخذه روسيا في دول مثل مالي وافريقيا الوسطى و بوركينا فاسو وتشاد وغينيا، فقد شهدت هذه الدول بالإضافة الى السودان، الإطاحة بالحكومات المدنية خلال الثلاث سنوات الماضية، واستبدالها بمجالس عسكرية، وقابلت روسيا جميع هذه الإنقلابات الافريقية بكامل الدعم، وعملت على نشر مرتزقتها من الفاغنر فيها.

وفي السودان حافظت موسكو على علاقة وثيقة مع الجيش طوال فترة الانتقال الديمقراطي في السودان،. وفي مقابل دعمها ذلك، كانت روسيا تأمل أن تُمنح منفذًا بحريًا في بورتسودان، مما يعطي الكرملين موطئ قدم عسكريًا في ممر البحر الأحمر ذو الأهمية الإستراتيجية، بينما تعمل في الوقت ذاته على الحصول على الذهب وحماية مصالحها في البلاد وذلك عبر مجموعة مرتزقة فاغنر سيئة السمعة والمتورطة في إرتكاب فظائع ترتقي الى كونها جرائم حرب في مناطق إنتشارها في كل من سوريا وليبيا ومالي وجمهورية افريقيا الوسطى وأوكرانيا و موزمبيق.

وبالرجوع الى شبكات التضليل الإعلامية الروسية، نجدها قد درجت على توصيف السودان بأنه يعيش حالة من السيولة والإنفلات الأمني، ويعيش في حروب أهلية تتخذ طابعا قبلياً، ويمضي في الطريق نحو النموذج السوري أو الليبي، مستفيدين من تجدد الصراعات القبلية في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودرافور وكسلا بإعتبارها نزاعات تهدد الأمن القومي وتستوجب تدخلاً عسكريا وإعلان حالة الطؤاري وإطالة أمد بقاء الجيش في السلطة، وهو الأمر الذي ينفيه الجيش نفسه بعدم رغبته في البقاء حاكماً، لكن روسيا بوسعها فعل المستحيل لإقناع السودانيين بعدم جدوى الحكم الديمقراطي، وهذا ما تقوم به فاغنر عبر شبكتها الإعلامية المضللة، والغريب في الأمر أن هذه الشبكة تعمل في العلن والذين يديرون هذه الصفحات معروفون بالاسماء والصور، ومن بينهم مرتزقة روس عملو في دول أفريقية وعربية مثل سوريا وليبيا وغيرها من الدول.

وكنا قد ذكرنا في مقال سابق أن فاغنر إستطاعت تجنيد مواطنين أفارقة للعمل في شبكة الدعاية المضللة ومن بينهم المواطن الكميروني الأصل ساث روديو و هو قد تم تجنيده في الواقع للعمل مع مرتزقة فاغنر كخبير في شبكة الدعاية الروسية التي أنشأها مركز الدعاية المرتبط بالحكومة الروسية والمعروف باسم وكالة أبحاث الإنترنت والتي تعمل على التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتأثير على نزاهة الإنتخابات في العالم عبر وسائل عديدة من بينها إستخدام شبكات التواصل الإجتماعي عبر شبكة تعمل على إنشاء المئات من الحسابات الوهمية والمزيفة على الإنترنت و منصات و مواقع التواصل الإجتماعي بغرض تلميع صورة روسيا في القارة، ونشطت هذه الشبكة في السودان خلال الأيام الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، وما زالت تعمل حتى يومنا هذا، ة استخدمت فاغنر شركاتها العاملة في التعدين في السودان لتوفير غطاء لفريق التضليل الإعلامي التابع الى “طباخ بوتين” يفغيني بريغوزين، رئيس مرتزقة فاغنر، وعملت هذه الشركات على دعم وتمويل المواقع والصفحات الأخبارية مقابل الترويج للمصالح الروسية في السودان، مثل سودان ديلي ودارفور عاجل وراديو افريقيا وغيرها من الصفحات الوهمية، وكان يقوم بإدارة هذه الدعاية الروسية وقتها “أندريه ترقاييف”.يعاونه الروسي السوري “مكسيم” وروسي سوري آخر يدعى “وسام”. لكن إدارة فيسبوك إكتشفت “شبكة التضليل” الإخبارية الروسية، حسبما وصفتها إدارة فيسبوك، وقامت بالفور بإزالة عددا من الحسابات والصفحات الترويجية المزيفة والوهمية التي عملت طوال الفترة التي أعقبت ثورة ديسمبر، وكانت تقوم بنشر قصص دعائية عن روسيا، مع التركيز بشكل خاص على المساعدات الغذائية التي أرسلها يفغيني بريغوزين، والترويج للمصالح الروسية في السودان، لكن هذه الشبكة عادت الى الواجهة من جديد، ولكن وفق إستراتيجية إعلامية جديدة تقوم على توجيه النقد للإتفاق الإطاري بكافة السبل الخبيثة المتاحة لها.

و تدير هذه الشبكة حملة واسعة لنشر أخبار وتقارير مزيفة لا تمت الى الواقع بصلة، و تعمل بكل جهد على إنتقاد الإتفاق الإطاري، كما درجت بشكل لافت الى صنع وتزييف الأخبار والوقائع، بل و توظيف أخبار القتل والسرقات والإختطاف وإنتشار المخدرات على أنها ظواهر إنفلات أمني تستدعي بقاء المجلس العسكري على السلطة الى الأبد، وأن السودانيون لا يستحقون العيش في ظل حكم ديمقراطي تسوده روح السلام والإخاء.