من أمن العقوبة أساء الأدب

من أمن العقوبة أساء الأدب

نهى محمد الأمين أحمد

nuha25@yahoo.com

تلح على هذه المقولة بشدة هذه الأيام، منتهى الحكمة حقيقة، تنادي بواحدة من القيم المرجعية التي أسس عليها الحق سبحانه وتعالى حياة البشر على الأرض (المحاسبية).

كان تعمير الأرض بالناس، هو العقوبة التي فرضها الله سبحانه وتعالى على أبينا آدم عليه السلام وأمنا حواء، للمعصية التي قاما بارتكابها، وبالرغم من أنه عز وجل غفر لهما الذنب، إلا أنه فرض عليهما هذه العقوبة، وكانت المحاسبية هي الأساس لتعمير الأرض.

والرسالة الربانية واضحة، من يخطئ يحاسب، وينال الجزاء،

بعد هذه المقدمة، دعونا نعرج على الهم الذي يؤرقنا جميعا هذه الأيام، السودان، الوطن، الذي يسير بخطى حثيثة إلى الهاوية، الفقر، ضيق العيش، استحالة الحصول على أبسط مقومات الحياة لغالبية الناس.

تذكرت حكاية مضحكة مبكية حكاها لي والدي يرحمه الله، عن حمام عام في أحد الأسواق (أكرمكم الله)، أراد أحد الأشخاص استخدام الحمام ودفع أجرة الاستخدام للشخص المسؤول، ثم مد يده متناولاً أحد الأباريق، فما كان من المسؤول إلا أن قال له مانعاً (لا)!!، أترك هذا الإبريق، وخذ هذا مشيراً إلى إبريق آخر، استجاب الشخص وأخذ الإبريق الذي حدده له، عند خروجه طرح سؤالاً: لماذا منعتني عن الإبريق الأول، فأجابه: (أومال أنا قاعد هنا أسوي شنو)، هذه الحكاية تعبر بطريقة مباشرة عن إساءة استخدام النفوذ والسلطة، فهذا العامل الذي يقوم بحراسة الحمام العام استخدم السلطة المخولة إليه (في تحديد الإبريق).

وعلى ذلك نقيس ما يحدث في السودان، من استغلال للنفوذ والسلطة بدون منطق، للتسلط على الآخرين، النيل منهم وتحقيق الأهداف الشخصية، والسبب الرئيس وراء هذه الكارثة هو غياب المحاسبية، فأي مسؤول مطمئن تماماً أنه سيفلت ببساطة بجرائمه.

ودعونا نطلع درجة تلو الأخرى من (مسؤول الأباريق) حتى نصل إلى هرم المسؤولية في السودان، وخاصة في وضع (اللا دولة)، الذي يتصدر الموقف هذه الأيام، وقد عانيت أنا شخصياً الأمرين من استغلال السلطة والنفوذ في تصفية الحسابات الشخصية، الثأر، الانتقام والتشفي، وللأسف عندما يتحالف هذا الثنائي المكون من نفس ضعيفة تعتبر المنصب تشريفاً وليس تكليفا وغياب المساءلة والمحاسبية، فليس من المستغرب أن تكون المحصلة في غاية السوء والكارثية.

جبل البشر على الخطأ، ومن لا يحاسب نفسه، يجب أن يحاسبه غيره، وإلا سنصير كالأنعام، بل أضل سبيلاً،

الدول المتقدمة التي تسبقنا بسنوات ضوئية، نهضت وتطورت لأن سيادة القانون تهيمن على الجميع، وليس هناك من لا يوجد من يحاسبه ويسأله، السلوك القويم، المحافظة على الحقوق والواجبات ركيزتها الأساسية هي الخضوع للقوانين والخوف من المساءلة والمحاسبية.

لن تقوم لهذا البلد قائمة ما لم يطبق القانون ويخضع الجميع للمحاسبة.