“عيد نصر” روسيا ولجان المقاومة … يوم إنهزمت فاغنر في شوارع الخرطوم !

بقلم: محمد إبراهيم
على أنغام موسيقى تقليدية روسية قديمة، وأبواق سيارات مشروخة، ووجوه بائسة تعمدت الفرح ونشوة الإنتصار، شهدت الخرطوم في السادس من مايو الماضي مسيرة للسيارات جابت شارع النيل والمناطق المجاورة، وهي تلوح بعلمي روسيا والسودان، إحتفالاً بـ “يوم النصر” الذي نظمته السفارة الروسية بالخرطوم، ونشرت وكالة أنباء نوفوستي الحكومية الروسية مقطع فيديو للمسيرة، التي قالت أن عشرات من المواطنين السودانيين والروس المقيمين والعاملين في السودان قد شاركوا فيها.
و”يوم النصر” أو عيد النصر، هو تقليد عالمي يحتفل به الحلفاء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإنتصارهم على ألمانيا النازية في الثامن من مايو، لكن روسيا القيصرية خالفت الأوروبين والحلفاء وخصصت التاسع من مايو للإحتفال، وهذا أمر آخر، وفي الخرطوم إحتفلت روسيا في السادس من مايو، وهذا أيضاً أمرا آخر، ولكن للمرة الأولى في تاريخ السودان تخرج روسيا الى العلن في شوارع الخرطوم إحتفالاً بهذه المناسبة، و بالنسبة لسكان الخرطوم فقد كان الإندهاش والإستغراب بادياً على كل من شاهد هذه المسيرة، فهذه الوجوه الروسية ذات السحنات المعروفة ليست بغريبة عن الشارع السوداني، فقد شاهدها معظم الناس خلال إندلاع ثورة ديسمبر المجيدة وهم يقومون بمساعدة قوات الرئيس المخلوع عمر البشير في قمع التظاهرات والمواكب تحت لافتة القوات الروسية الخاصة، أو قوات مرتزقة فاغنر كما يعرفها السودانيين، والتي يتزعمها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، المعروف بـ “طباخ الرئيس الروسي فلاديميىر بوتين”، وهي ذات الوجوه التي أطلقت النار وقتلت المعدنيين التقليديين في منطقة وادي السنقير بمحلية بربر( ولاية نهر النيل) في مارس من العام 2018 بعد حصول شركة ميروقولد الروسية على إمتياز للتعدين عن الذهب ومخلفاته ، بعد أن قاموا بطرد الأهالي من مناجمهم التي يعملون فيها منذ عام 1997، وبعد حصول الشركة على الإمتياز في صفقة فساد شهيرة مع نظام المخلوع البشير مقابل توفير الحماية له في ذلك الوقت.
وليس بالبعيد فقد تسببت ذات القوات الروسية في العشرين من مارس الماضي بمقتل 20 شخصاً بينهم خمسة مواطنين سودانيين من ولاية جنوب دارفور يعملون في مجال التعدين عن الذهب في منطقة أنداها على الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تتواجد قوات مرتزقة فاغنر في تلك الدولة الأفريقية منذ العام 2017، لتقديم الدعم العسكري للنظام هناك مقابل الحصول على الألماس والذهب، كما قامت ذات القوات بإرتكاب العديد من المجازر وجرائم الحرب بحق المدنيين من أقلية السليكا المسلمة في أفريقيا الوسطى نفسها، كما قامت القوات الروسية خلال الفترة ذاتها في جمهورية مالي بإرتكاب مجزرة هي الأفظع بالقرب قاعدة غوسي العسكرية وذلك بإعدام 300 شخص من قرية مورا ودفن الضحايا في مقبرة جماعية بالقرب من القاعدة، وهي الواقعة التي أكدتها منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وبعد ما يقارب الأربع أعوام من ظهورهم في الشارع السوداني، والمشاركة في قمع التظاهرات والمواكب السلمية، يعود الروس و مرتزقة فاغنر الى الشارع تحت غطاء الإحتفال بيوم النصر، ولكن هذه المرة يعودون بغرض التأثير على الشارع السوداني عقب الكشف المتلاحق عن عمليات تهريب الذهب، وحصول الشركات الروسية على إمتيازات تعدين مشبوهة ، وإستمرار روسيا في دعمها للحكومة الحالية، و بعد أن سلطت وسائل إعلام سودانية ودولية خلال الفترة الماضية الأضواء على أنشطة “شركة فاغنر” الروسية في السودان خاصة في مجال تعدين الذهب، و إتهامها بنهب ثروات السودان وإتباعها طرقاً غير قانونية في سبيل ذلك، إضافة الى حملات الترويج والتضليل الإعلامي التي تقوم بها فاغنر في السودان.
أن إستغلال روسيا مناسبة عيد النصر ورفعها لعلم السودان جنباً الى جنب مع العلم الروسي ما هو إلا حيلة مكشوفة لإدعاء أن السودانيين شاركوا روسيا في الإحتفال بعيدها، وذلك تحت مسمى جمعيات الصداقات بين الشعوب، وشباب المقاومة، وغيرها من المجموعات التي ظنت روسيا أن مشاركتها يمكن أن تقوم بتغيير وجهة نظر الرأي العام السوداني بعد المعلومات التي كشفت عن حجم التدخل الروسي في البلاد مؤخراً، وتقارير الفساد الذي تورطت فيه الشركات الروسية منذ عهد البشير، ذلك الفساد الذي يخفي وراءه رغبات روسيا العدوانية تجاه السودان وإهتمامها بمصالحها في المنطقة دون الإلتفات لمصالح الشعب السوداني ، وتقويضها للحكومات ذات السيادة المدنية والديمقراطية، والقضاء على اي فرص لحصول المجتمع على حياة كريمة ومستقرة، مستخدمين كل الوسائل المتاحة لتضليل الرأي العام إعلامياً وسياسياً.
كانت مجموعة مرتزقة فاغنر، وعبر شركات بريغوزين العاملة في السودان، قد قامت خلال العام الماضي بتنظيم حملة بروباغندا رخيصة عن طريق تقديم مساعدات إنسانية للفقراء والمحتاجين في الخرطوم، خلال شهر رمضان، حيث كتب على عبوات الأرز والسكر والعدس “هدية من يفغيني بريغوزين “. وتضمن التبرّع، الذي تم تقديمه من خلال شركة تابعة لـ فاغنر 28 طناً من الحلويات التي تم استيرادها خصيصاً من روسيا، وقالت وكالة الأنباء الروسية وقتها إن هذه المساعدات تم توزيعها بواسطة لجان المقاومة واستفادت منها 250 ألف أسرة سودانية.
ومرة أخرى وقبل الإحتفال بعيد النصر، لجأ “طباخو يفغيني بريغوزين ” في السودان للإستعانة بلجان المقاومة للمشاركة في الإحتفال ولكن الرد جاءهم صادماً، فقد عمدت أحدى الجهات المنظمة للمسيرة الروسية الى حشد أكبر عدد من المشاركين من الشباب السودانيين في مسيرة السيارات تلك، ولجأت أحد هذه الجهات عبر شخصية معروفة لدعوة لجان المقاومة بولاية الخرطوم وبعض المجموعات الشبابية للمشاركة في المناسبة، لكن هذه الدعوات قوبلت بالرفض التام من قبل لجان المقاومة، حيث أكدت تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم أنه لا يمكنها المشاركة في مثل هذه الفعالية، رفضاً للتدخل الروسي في الشأن السوداني، وإنهم لا يمكنهم نسيان دور مرتزقة فاغنر في قمع تظاهرات العام 2018 ، “وإستمرار دعم روسيا لحكومة الإنقلاب”، وأن لجان المقاومة لا يمكنها السير بعيداً عن تطلعات السودانيين، ما يؤكد أن الشارع السوداني يقف بعيدأ عن أي إدعاءات لتوطيد العلاقات مع روسيا، أضافة الى تنامي الرفض للوجود الروسي في البلاد.
في رأي أن ما قامت به لجان المقاومة و رفضها المشاركة في اي نشاط روسي ما هو إلا نموذجاً يجب أن يُحتذى به في العمل المدني والتطلع نحو تحقيق الديمقراطية وإرساء دعائم الحكم المدني في البلاد، بما يحد من النفوذ الخارجي في السودان ويدعم تطلعات الجماهير في تأسيس دولة مدنية قائمة على المحاسبة وفق مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد ودعم الإقتصاد الوطني، وهذا الدور ليس دور لجان المقاومة والتجمعات الشبابية فقط، وإنما هي رسالة لجميع الأطراف السياسية والعسكرية والمدنية التي من همها حماية ثروات البلاد من النهب والتهريب وفي مقدمتها الجهات المنوط بها حماية أمن وتراب الوطن.
حسناً فعلت لجان المقاومة وجموع الثوار المشاركين في المواكب الأخيرة بموقفهم الرافض للتخل الروسي في الشأن السوداني الداخلي، حيث لا يخلو موكب جماهيري من رفع شعارات مناهضة لموقف روسيا من السودان، بل ولا تخلو حوائط الخرطوم من رسومات الغرافيتي والكتابة على الجدران تنديداً بالموقف الروسي تجاه الشعب السوداني وتطلعاته نحو حكومة مدنية وديمقراطية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب