“أبي أحمد” .. هل عاد التنافس الإقليمي على السودان؟ 

“أبي أحمد” .. هل عاد التنافس الإقليمي على السودان؟

الفاتح محجوب: زيارة أبي أحمد أعادت ذكريات وساطته السابقة التي أنتجت الوثيقة الدستورية

أحمد عابدين: الزيارة لكسب موقف في قضية سد النهضة

محمد محيي الدين: الزيارة تأتي في إطار التنافس الإقليمي بين إثيوبيا ومصر

تقرير: الخواض عبد الفضيل

أنهى رئيس وزراء إثيوبيا زيارته للخرطوم، التي انخرط خلالها في سلسلة مناقشات مطولة شملت القادة السياسيين، حيث نصحهم خلالها بحل المشاكل دون تدخلات خارجية وتسريع الانتقال للانتخابات، شملت لقاءات رئيس الوزراء الإثيوبي قوى سياسية أبرزها تحالف التراضي الوطني الذي يقوده مبارك الفاضل المهدي، بجانب قوى الحراك الوطني التي يتزعمها التيجاني سيسي، الكتلة الديمقراطية بقيادة جعفر الميرغني والحرية والتغيير المجلس المركزي.

منذ بداية التغيير في 2019م كان الدور الإثيوبي حاضراً في المشهد السوداني حينما كان أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي أحد مهندسي وشهود على الوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية الأولى التي انهاها الجيش، يأتي تسارع أحمد إلى الخرطوم، بعد الدعوة التي تقدمت بها القاهرة إلى الخرطوم، ورحب بها المكون العسكري ووجدت موافقة واسعة من القوى السياسية السودانية الرافضة للاتفاق الإطاري ورفضها الحرية والتغيير المجلس المركزي حليف أبي أحمد، ويرى مراقبون أن الخطوة تأتي في سياق صراع القوى الإقليمية في السودان .

الأمل الوطني

التقت الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية بالقصر الجمهوري رئيس وزراء دولة إثيوبيا أبي أحمد خلال زيارته الخرطوم، وبحث اللقاء العلاقات التاريخية بين دولتي السودان وإثيوبيا .

وقال الدكتور جبريل إبراهيم نائب رئيس الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية في تصريحات صحفية عقب اللقاء، إن الكتلة التقت برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد وأكدت متانة العلاقات بين البلدين وشرحت موقف الكتلة من الاتفاق الإطاري وشرحت رؤيتها حوله، وأوضحت أنه لا يحقق الأمل الوطني المنشود ولا بد من وفاق وطني شامل .

وأضاف جبريل قائلاً: نحتاج إلى مساعدة الآخرين ولكن يجب أن يكون الاتفاق سوداني سوداني، مشيراً إلى أن أبي أحمد قال إن الحل يجب أن يكون سودانياً بحتاً .

ومن جانبه قال محمد حمد سعيد ممثل كتلة القوى الوطنية بالحرية والتغيير، إنه لا يوجد حل من خارج السودان للقضايا السياسية فقد عرف السودانيون بالحلول والحكمة.

وأعلن سعيد جاهزيتهم للجلوس جميعاً لحل كافة القضايا العالقة وأن كل السودانيين شركاء ولا يمكن أن ننتظر الحلول من أي دولة .

صراعات وتجاذبات

وفي ذات الزيارة التقى أبي أحمد بالقصر الجمهوري وفداً من كتلة التراضي الوطني برئاسة مبارك الفاضل وكتلة الحراك الوطني برئاسة د.التيجاني سيسي.

وقال مبارك الفاضل في تصريح صحفي إن اللقاء تطرق للأوضاع السياسية بالبلاد، مبيناً أن الوفد قدم شرحاً لرئيس الوزراء الإثيوبي متضمناً رؤية الكتلة لمعالجة الأزمة السياسية في البلاد، مضيفاً أنه لا ينبغي أن تكون الفترة الانتقالية ساحة للصراعات والتجاذبات باعتبار أنها فترة يجب أن تكون جسراً للانتقال نحو حكومة منتخبة، مشيراً إلى الفشل الذي لازم الفترة الانتقالية.

وقال ينبغي على أهل السودان أن يتفقوا على صيغة لحكومة مستقلة تقود لانتخابات، مبيناً أن رئيس الوزراء الإثيوبي أكد خلال اللقاء على قدرة السودانيين على حل مشاكلهم بأنفسهم.

وأضاف أن أبي أحمد تحدث عن التجربة الإثيوبية في حل الخلافات من خلال جمع كل الأطراف في حكومة وحدة وطنية تقود إثيوبيا حالياً.

تحمل مسؤولية

من جانبه أوضح د.التيجاني سيسي رئيس كتلة الحراك الوطني أن الوفد طرح بعض المؤشرات التي يمكن أن تساهم في حل الأزمة السياسية في السودان، مبيناً أن ما يحدث في البلاد أمر مثير للقلق خاصة في ظل الاستقطابات السياسية والجهوية والقبلية التي تشهدها البلاد، وأضاف أنه بمقدور السودانيين أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه حل قضايا الوطن.

وقال إن الظروف الحالية التي يمر بها السودان لا تمكن أي طرف بحكم السودان بمفرده وإقصاء الأخرين، وأضاف أن الثلاثة أعوام الماضية قد أثبتت هذا القول، مبيناً أن السودان وطن يسع الجميع وأن الكل شركاء في الهم الوطني، مؤكداً أهمية التوافق حول برنامج لإدارة الفترة الانتقالية.

دعم العملية السياسية

والتقى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بالقصر الجمهوري بالخرطوم، وفد قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي برئاسة، رئيس حزب الأمة القومي اللواء م. فضل الله برمة ناصر.

وأكد المتحدث باسم قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي، الواثق البرير أن لقاءهم مع رئيس الوزراء الإثيوبي تطرق إلى تطورات العملية السياسية وآليات وسبل الدعم الإقليمي من قبل دولة إثيوبيا.

ولفتت إلى أن أبي أحمد دعا للإسراع في إكمال العملية السياسية لإخراج السودان من الأزمة مرحباً بالزيارة المرتقبة لوفد الحرية والتغيير لدولة إثيوبيا الفيدرالية.

وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي أكد دعم العملية السياسية بما يحقق استعادة التحول الديمقراطي في السودان، فهو يثق في قدرات وإمكانات الأطراف السودانية لتجاوز أزمتهم.

وزاد: أنهم في الحرية والتغيير أكدوا لرئيس الوزراء الإثيوبي أنهم بحاجة إلى دعمهم كدولة لها تأثير مهم في المنطقة، وأردف بالقول (الحرية والتغيير سوف تمضي في مشروع العملية السياسية بحشد الدعم الإقليمي والدولي)، ولفت إلى أن اللقاء تطرق لأواصر العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين الشقيقين، مبيناً أن اللقاء تناول ضرورة دعم الحوار السوداني السوداني دون أي تدخلات خارجية من أي جهة بجانب دعم العملية السياسية الجارية حالياً.

السيناريو الراجح

ويرى الباحث والمحلل السياسي محمد محيي الدين في حديثه لـ(اليوم التالي)، أن الزيارة تأتي في إطار التنافس الإقليمي بين إثيوبيا ومصر وأنه واضح من توقيت الزيارة التي جاءت في خضم الحديث عن دعوة مصر لأطراف الخلاف الحوار في القاهرة، كما أن تحليل مضمون حديث رئيس وزراء إثيوبيا يفهم منه رغبة أديس في وقف الجهود المصرية وذلك بحسب قول أبي أحمد (أن العملية السياسية يجب أن تكون سودانية دون السماح لأي طرف خارجي بالتدخل).

ويقول محيي الدين إن القوى السياسية سمحت بالتدخل الدولي في شأن وطني وأخرجت كروت اللعبة من يدها، وتابع واضح ان أديس أبابا تدعم التسوية بشكلها الراهن ولا تقدم سوى النصح دون الدخول إلى تعقيدات الأزمة الحادثة بين الحرية والتغيير والقوى الأخرى، وليس في الزيارة ما يحمل على الاعتقاد بأنها تعالج الأزمة أو تقدم مقترحات لتقريب وجهات النظر، علاوة على أن أديس أبابا التي دعمت تولي الحرية والتغيير الحكم بموجب الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية تريد ضمان علاقاتها مع حلفائها في مقابل دعم مصر للمجموعات الأخرى خاصة الكتلة الديمقراطية، ولا ننسى هنا ما حدث في اجتماعات الجبهة الثورية مع وفد الحرية والتغيير قبل توقيع الوثيقة الدستورية، حيث عمدت إثيوبيا إلى طرد جبريل إبراهيم قبل أن تتراجع عن موقفها ذاك وتسمح له بالبقاء، وزاد ما يعكس موقفها من أطراف الأزمة ويؤكد أنها لا تملك القدرة على تغيير موقف أي طرف لحساب تسوية مرضية ومتوافق عليها، وذهب محيي الدين إلى أن السيناريو الراجح أن الأزمة ستتفاعل وتعرقل فرص الوصول إلى تشكيل حكومة مدنية في الوقت الحالي، وإذا أصرت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري، فإن الحكومة التي ستنتج عنه ستكون عرضة للسقوط بأمر الشارع والأزمات التي تواجهها.

بذرة مصالحة

ويقول الباحث في العلوم السياسية أحمد عابدين في حديثه لـ(اليوم التالي) إن السودان صار محل تنافس فكل مستثمر يريد بذر بذرة مصالحة عسى تنبت له خيراً ونتوقع مبادرة لجمهورية الصومال الشقيقة ومدغشقر وغيرها من بلاد الدنيا في شأن بلاد العجائب، وتابع إثيوبيا لها علاقات اجتماعية وثقافية وتاريخية بالسودان، كما لها مصالح اقتصادية وأمنية وتنافسية، فقضية الخلاف في سد النهضة تضع السودانيين في موقف المرجح، ولذا تأمل مصر وإثيوبيا لكسب موقفه، بالإضافة إلى أن إثيوبيا لديها حرب أهلية داخلية يستند ظهرها لحدود السودان وأرضه ولديها جار يشكل مخلب قط لكثير من مخابرات الدول ويمكن أن ينقلب ضدها تحت أي لحظة وهي دولة إريتريا، ولأبي أحمد طموح كبير في أفريقيا وبالتأكيد السودان مهم بالنسبة له، وزاد لن تقف إثيوبيا متفرجة على مصر لتنفرد بحل الأزمة السودانية لذا تحركت ولو على سبيل التضامن، وأردف ربما تلقت طلباً للتدخل، فتنظيمات قحت تدعي أن لها علاقة قوية بأبي أحمد وهي رافضة المبادرة المصرية وبالتالي تريد خلط الأوراق، أقلاها تستطيع أن تساوي بين الأشياء تدخل مقابل تدخل، ومضى عابدين بأن أبي أحمد صرح برفض التدخل في الشؤون الداخلية للسودان وهي رسالة مفخخة وبذا نكون قد دشنا فصلاً جديداً على مسرح الأزمة السياسية السودانية، تنافس المبادرات عسى يرسي العطاء على واحدة تجد الحل السحري.

تكرار الوساطة

الخبير والمحلل السياسي الفاتح محجوب قال لـ(اليوم التالي) إن زيارة الرئيس الإثيوبي أبي أحمد إلى السودان أعادت ذكريات وساطته السابقة التي أنتجت الوثيقة الدستورية السابقة التي نتجت عنها حكومة توافق سياسي سوداني د.عبد الله حمدوك، وبما أنه التقى بغالب القيادات السياسية السودانية وأيضاً مع رئيس مجلس السيادة ونائبه فقد ظن الكثيرون أنه جاء لتكرار الوساطة الإثيوبية بين الفرقاء السياسيين السودانيين، لكن الرجل أوضح في تصريحات صحفية بعد أن استمع لكافة القوى السياسية السودانية أن الأزمة السياسية السودانية لن يحلها غير السودانيين أنفسهم ودعاهم لعدم ترك فرصة للآخرين في التأثير عليهم وأن عليهم تحمل المسؤولية لإنجاز التوافق السياسي.

وتابع وبذلك يتضح أن الرئيس الإثيوبي أبي أحمد إن كان فعلاً جاء بغرض الوساطة فهو قد تأكد بعد الاستماع للفرقاء السياسيين السودانيين بصعوبة التوفيق بينهم، ولذلك نفض يده من فكرة الوساطة بشكل كلي وهو ما ساهم في إعطاء مصداقية تسريبات تقول بأن الرجل جاء لأغراض لا علاقة لها بالوساطة بين الفرقاء السياسيين السودانيين، أي لنقاش قضايا مثل سد النهضة والنزاع الحدودي مع السودان.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب