تريند الشارع
المتهم يعذب
أحمد بامنت
الحادثة التي تعرض لها المواطن إدريس أحمد همد على يد مجموعة تتبع لجهات نظامية وشرطية بولاية كسلا، أعادت إلى ذهني وقائع ذلك الفيلم الأمريكي الشهير (الأستاذ القاتل)، عندما تُرسل الأرملة التي قُتل زوجها رسالة عتاب ولوم للقاتل المجهول، فيرد عليها الأستاذ ويليمز القاتل بجملة واحدة على نفس الورقة قائلاً: إذن ليست هنالك فرصة للتكفير، نعم لم تعد هنالك فرصة أخرى للتكفير لمن قاموا بتلك الفعلة، وهكذا كان يجب أن ترد شرطة ولاية كسلا على أسئلة واستفسارات الرأي العام بكسلا حول هذا الحادث الذي شغل الشارع الكسلاوي ولمن فاتهم معرفة ما حدث نعود ونروي تفاصيل الحادث كما ورد.
(المواطن إدريس همد عثر عليه عقب اختفائه منذ يوم الثلاثاء السابع عشر من يناير وقد تم اعتقاله فور وصوله للسوق الشعبي كسلا، بتهمة سرقة مسدس لأحد المواطنين بالقضارف دون بلاغ، تعرض طوال تلك الفترة للضرب والتعذيب مما سبب له فشلاً كلوياً حاداً وأضرار جثيمة، على إثر ذلك تم نقله لمستشفى راما حيث يخضع حالياً للعلاج وتقرر إجراء غسيل كلوي، وبالفعل أُجريت له أولى جلسات الغسيل صبيحة الإثنين الثالث والعشرين من يناير)، كانت هذه هي الرواية كما وردت لنا.
صدرت كتابات وبيانات لجهات عدة تدين وتشجب وتستنكر الحادث، في المقابل لم تصدر شرطة الولاية أي نفي أو تعليق حول الامر، أياً كانت الجهات وأياً كانت المبررات لا يوجد مسوغ لهذا العنف والتعذيب. هب أن المواطن مجرم خطير ومهدد لأمن وسلامة المجتمع، ينبغي أن يقدم لمحاكمة عادلة وتنظر إن كان مذنباً أم غير ذلك؟
وحتى يستقيم الأمروتتحقق العدالة يجب المحاسبة أو العفو، ذلك استناداً للقوانين والأعراف والتقاليد، هذا أمر معلوم في حال إن أردنا أن نحقق العدالة ونتحرر من الظلم، إذ أن فكرة الظلم وعدم قدرة الفرد على رد الظلم والعدوان فكرة بشعة أبشع من الظلم نفسه، وقد تجعل الإنسان يستغرق في التفكير في طريقة لإيجاد حيز جغرافي يباعد بينه وبين ذلك الظلم ومساحة تفصل بينه وبين الجلاد الظالم، وهذا ما لم يتوفر لإدريس وللكثيرين من أمثاله مِنْ مَنْ وقع عليهم ظلم أو هكذا يظنون.
دوماً هنالك جلاد وهناك ضحية وتظل عدالة الأرض منقوصة، إذ لا تتناسب دوماً مع العقوبة وحجم الجرم، فيكرر الجلاد فعلته ويستمر ويتمادى في اغتراف الأخطاء ولا يرعوي، وذلك بسبب بسيط يتمثل في أن العقوبة إن وجدت أصلاً لم تكن وحجم الضرر، وكما هو معلوم ينبغي أن يكون الجزاء من جنس العمل .. ولكن في مثل هذه الحالة عندما يكون الجلاد والخصم جهات نظامية وشرطية يحدث الاختلال وميزان العدالة يتثاقل وفي أحيان يتعطل ويصاب بعطب يشل حركته ويحاول أن يقحم أشخاصاً يعلم بمواقفهم وتعقد جلسات الصلح والتوافق وعفا الله عما سلف، وهنا تقفز للذاكرة أحداث رواية ماريو فرغاس يوسا (ريكاردو) في روايته (شيطنات الفتاة الخبيثة) وهو يغفر لـ(محبوبته ليلى) كل خياناتها ويعود إليها وهي تعود مجدداً لخيانته وظل هو هو على ذات الحال وظلت هي هي على ذات النهج لثلاثين عاماً أو يزيد حباً ووفاء وتقديراً رغم سمعتها السيئة.
جملة القول إن جهازا يكون مسؤولاً عن صناعة الظلم والبشاعة في الوقت الذي كان من المفترض أن يكون هو الحامي والضامن لسلامة المواطن، كل هذا حتماً سيقُود البلاد إلى كارثة وسيجعل من أمثال إدريس همد وذويه أدوات خاضعة لابتكار عدالة موازية تحقق لهم أمنهم وسلامتهم وترد عنهم الظلم والعدوان عدالة تمليها عليهم ضمائرهم وتضع قوانينها الخاصة وحتى لا نعود لشرعة الغاب، ينبغي أن تقدم الشرطة بياناً عملياً يعزز ثقة المواطن فيها ويستشعر فيها صدق شعارهم الشرطة في خدمة المواطن.
والله المستعان
