الخرطوم : اليوم التالي
يتوقع كثيرون أن لا تجد مبادرة الشيخ الجد التي تصالحوا على تسميتها “نداء أهل السودان ” قبولاً واسعاً بين المكونات السودانية نتيجة للعديد من الأسباب الموضوعية برأيهم، أولها: اللغط الكبير الذي أثارته المبادرة منذ إعلانها من خلال الشكوك الخفية حول الجهات التي تقف خلفها؛ سواء بالأموال أو الأفكار أو الدعم اللوجستي الذي أظهر أنه هناك جهة ما؛ ذات قدرة وتمكن؛ هي التي تقف خلف هذه المبادرة وتعمل على تسويقها دون أن تفصح عن ذاتها صراحة، تاركةً الجميع للظنون والتخمين والتحليل وهو ماخصم من رصيدها لدى غالب الجماهير كثيرآ وإبقائها في دائرة الشك والغموض في وعيهم الجمعي وهو تصنيف أقرب للرفض عندهم منه للقبول!
ويرى مراقبون أن هنالك منطقاً في رأي القوى الثورية التي ترفض المبادرة، بحجة أن غالب الذين تجمعوا لها وقادوا لجانها الرئيسة؛ هم اؤلئك الذين ثار الشعب على الإنقاذ وهم مايزالون متمسكون بأهداب السلطة! إذن علام ثار الناس؟ وهو منطق الثورة والثوار الذين يرفضون عودة هؤلاء طوال الفترة الانتقالية، كما يعتبر نصاً في الوثيقة الدستورية التي عزلت المؤتمر الوطني وأولئك الذين سقط نظام الإنقاذ وهم مشاركون فيه! إذن تتريس المبادرة بالفلول والمؤتمر الوطني والثورة المضادة هو ما يجعلها بعيداً عن قبول الشارع والقِوى الثورية الأخرى !
إضافةً إلى الرفض الصريح لأغلب التيارات السياسية للمبادرة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الحرية والتغيير “الميثاق الوطني” التي قالت إن المبادرة هي إعادة لكل الذين كانوا حول المؤتمر الوطني المحلول، أما الحرية والتغيير “المجلس المركزي” فقد أبدت ذات الرفض وذات الرأي، ورأت فيها محاولة تكوين حاضنة سياسية للانقلاب، أما حزب الأمة فهو يرى أيضاً أن المبادرة ليست سوى محاولة لإعادة المؤتمر الوطني مرة أخرى للساحة السياسية، هذا بخلاف رؤية لجان المقاومة وبقية قوى الثورة التي تكاد تجمع على رأيها حول المبادرة، وتتفق جميعها على أنها محاولة للفلول والثورة المضادة في السيطرة والعودة مرة أخرى لمسرح الأحداث، مستغلين ماتعيشه البلاد من أوضاع سياسية وأمنية ذات هشاشة وسيولة بالغة! الأمر الذي أغراهم للتوحد أمام تشظي واختلاف قوى الثورة وتشرذمها وانقسامها الذريع.
أثارت المبادرة انقساماً في الساحة السياسية بدلاً من أن تعمل على توحيد الساحة، بما يجعلها أنتجت آثاراً سالبة بعكس ماهو مفترض بالمبادرة، وما تدعو له من توحيد وتوافق الساحة السياسية، وفي نهاية المطاف تبقى المبادرة على ما فيها من إيجابية محاولة معالجة الأوضاع السياسية؛ إلا أنها مرفوضة من غالب القوى الثورية الحية التي تنظر إليها بعين الشك والريبة والغموض المفضي إلى الرفض والابتعاد.
ولكل ماتقدم من أسباب وشكوك ربما لم تكن صحيحة إلا أنها شكلت الوعي الجمعي الذي يؤثر في النسيج الحي للساحة السياسية، يرى الخبراء أن المبادرة وبما أثارته من ردود أفعال وتساؤلات اختزنت كثيراً من الشك والغموض؛ إنها سوف لن تلقى سوى الفشل والرفض؛ كغيرها من العديد من المبادرات السابقة.
وفي السياق.. أوصى المشاركون في مؤتمر المائدة المستديرة لمبادرة أهل السودان بإنهاء مهام البعثة الأممية في السودان والمطالبة بعدم التجديد لها، وفي نفس الوقت أوصوا بمنح الجيش جميع السلطات السيادية العليا في البلاد، من خلال مجلس أعلى للدفاع.
وأثارت توصية إنهاء مهام البعثة الأممية في السودان حفيظة رئيس البعثة فولكر بيرتس، وأبدى قلقه وانزعاجه الواضح للأمين العام للأمم المتحدة بأن البعثة الأممية لم يعد مرحباً بها من مجموع الكيانات التي انضمت لمبادرة أهل السودان .
بالمقابل.. أسرع فولكر بيرتس الخطى تحت مظلة الآلية الثلاثية والتقى برئيس مبادرة أهل السودان الشيخ الطيب الجد، وطلب منه توضيح بشأن توصيات المبادرة لإقناع المجتمع الدولي بأن الهدف من مبادرة أهل السودان تصب في تجميع كل المبادرات في مبادرة واحدة ثم الجلوس حول حوار سوداني – سوداني للوصول إلى توافق سياسي وتشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية قبل اعتماد المكون العسكري مخرجات المائدة المستديرة .
يرى الخبراء أن تحرك رئيس بعثة يونتيامس فولكر بيرتس تجاه مبادرة أهل السودان لم يكن من فراغ و أنما رغبة في الحصول على توصيات ومخرجات المائدة المستديرة ولم ولن يقدم أي حاجة للمبادرة، اللهم إلا الشروع في إجهاض مخرجات المائدة حتى يستطيع إدخال أصابعه للتأثير في التوصيات الخاصة بوضعية البعثة في السودان، خاصة بعد أن طلبت المبادرة من فولكر أن يقف على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية، وأن تقوم الآلية بتسهيل الانتقال وإدارة الحوار بحيادية.
ويؤكد الخبراء أن فولكر جاء إلى السودان بتفويض من الأمين العام للأمم المتحدة بعد نجاحه في سوريا تفكيك الجماعات والتيارات المتصارعة حول السلطة إلى مجموعات متناحرة، وبنفس النهج القديم جاء إلى السودان تحت مظلة دعم مراحل الانتقال والتحول الديمقراطي، وظل يجمع كل المبادرات من القوى السياسية وأصحاب المصلحة والإدارة الأهلية دون نتائج ملموسة … لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، أين مبادرة فولكر لدعم مراحل الانتقال لخروج السودان من النفق المظلم ؟