أما حكاية!!
الكباشي لو برضى
إيهاب مادبو
من المحتمل أن تبدأ فى بحر الأسبوع، زيارة الفريق الكباشي لولاية جنوب كردفان، وهى زيارة لها أكثر من زوايا بقراءات مختلفة.
وتأتي هذه الزيارة وسط ترقب وتفاؤل من المجتمعات المحلية بالإقليم لحسم أجندة موضوعات ظلت تشكل اهتمام إنسان هذه الولاية، بل يأمل كثير من المواطنين أن يحمل الكباشي معه (إبرة وخيط) لخياطة جراحات عميقة استعصى معها العلاج وظلت تعاود في آلامها كلما فلق صبح يوم جديد.
ينظر العديد من المراقبين للشأن السياسي بالولاية لهذه الزيارة بأنها قد تحقق أهدافها إذا ما خاطبت قضايا المواطنين بحسم لا يعرف تثاؤب الوعود المثقلة بالهموم والآمال.
هذه الزيارة وبعيداً عن أجندة اللجان وطاولات المسؤولين الذين تتطاول فواتيرهم التي قد تحجب الرؤية عن ملامسة قضايا الناس ومناقشة المشكلة المتجذرة في أزمنة العنف والدماء التي صارت فيها النفس البشرية أرخص من كيلو الطماطم بسوق النيم.
وترتيبات أهم الأجندة للزيارة تحقق قيمة نجاحها عند المواطنين لا عند المسؤولين الذين يبتسمون أمام الكاميرات وتعبس وجوهم خلفها.
تشكل إعادة ترميم وتأهيل مدرسة تلو الثانوية مدخلاً مهماً لترميم بنية المجتمع المتهالكة بغرز أجيال للمستقبل تكون نواة لمجتمع معافى من خطاب الكراهية .. فمدرسة تلو الثانوية كانت من المنارات السامقة بجنوب كردفان، ولها فضل كبير فى بناء المجتمع على أسس الاعتراف والتعايش الاجتماعي، فأجيالها المتعاقبة هي من غرزت قيم الإنسانية وأشعلت نور المعرفة بالإقليم.
وثاني الأجندة المهمة لهذه الزيارة هو حسم التفلتات الأمنية والعمل على “تمدين” لغة السلاح بمعالجة آثار الصراعات بتحديد المسارات والزراعة، وهذه المسألة بأهميتها تقتضي مؤتمراً يجمع الرعاة والمزارعين لمناقشة ما طرأ على العلاقة التقليدية من تعقيدات سياسية واجتماعية مثلت ظرفاً مواتياً للحرب بين المواطنين.
هذه العلاقة الأزلية شابتها ظروف طبيعية بتأثر البيئة حول الإقليم من التغيرات المناخية العالمية، وهذا بدوره ساهم كثيراً في الزحف الصحرواي، إضافة إلى عملية القطع العشوائي للأشجار، فكلها عوامل ساهمت فى تمدد المساحات الزراعية وبالتالي تضييق مسارات الرعاة مما ولد احتكاكاً عنيفاً بين الطرفين امتدت آثاره لداخل المدن الرئيسية بالإقليم مثل كادوقلي والدلنج.
انتشار السلاح ظاهرة مقلقة جداً، حيث أصبح السلاح بالإقليم على قفا من يحمله، وهذا بدوه ساهم كثيراً في ارتفاع معدلات الجريمة بين المواطنين لدرجة أنه أصبح استئجار البندقية بغرض الجريمة سوقاً رائجاً بكادوقلي، وكثير من الشواهد بالمحاكم أثبتت أن أداة الجريمة (البندقية)، استأجرها القاتل المتهم من نظامي بالقوات النظامية.
وفي اعتقادي أن يد العدالة وأعني بها هنا القضاء والنيابة، لو قامت باستعجال الحكم في القضايا خصوصاً جرائم القتل العمد، لوفرت جهداً كبيراً في محاصرة الجريمة، واقترح هنا أن تسعى الإدارات الأهلية بالإقليم إلى ضرورة مراجعة العرف خصوصاً الدية التي يجب تعطيلها لمدة عام حتى يتسنى كبح جماح المجرمين الذين لا يتورعون في القتل لأتفه الأسباب وهم يعلمون جيداً بأن القبيلة تسند ظهورهم بالأعراف التقليدية.
ولا شك أيضاً أن هذه التفلتات قد أحدثت شرخاً عميقاً في جدار الثقة بين المجتمعات المحلية بالإقليم الذي كان قائماً على جدار سميك من التحالفات الاجتماعية التي تمظهرت في تعزيز قيم التعايش المجتمعي والتبادل الثقافي .. هذه التحالفات هي من القيم الإنسانية التي سمت بعلائق مجتمعات المنطقة ومن الضرورة إعادة بنائها لتأسيس مستقبل آمن ومستقر وهو ما يتطلب مؤتمراً أهلياً تتداعى له جميع مكونات الإقليم.
أخيراً فإن عملية جمع السلاح من أيدي المواطنين هي الخطوة المهمة نحو حسم فوضى السلاح والموت السمبلة وتحتاج لقرار شجاع.