المبادرة المصرية .. هل تعيد ترتيب المشهد السياسي؟

المبادرة المصرية .. هل تعيد ترتيب المشهد السياسي؟

 

 

“الوليد مادبو”: أستبعد نجاح القاهرة التوسط بين القوى السياسية

 

“عبلة كرا”: القاهرة لم تدعم العملية السياسية إنما شكلت مساراً مختلفاً

 

“حسن إبراهيم”: مُلتقى القاهرة يُساهم في ردم الهوة بين القوى السياسية

 

الخرطوم: إبراهيم عبد الرازق

 

علا صوت الورشة المصرية لتقريب المسافات بين الإطاريين والرافضين هذا الأسبوع عبر حوار مرتقب في القاهرة الشهر الحالي، وفي وقت رحبت الكتلة الديمقراطية بالمشاركة وروجت أنه لا نجاح لأي حل لا يباركه المصريون، فقد أعلن المجلس المركزي أن السودان تجاوز التوقيعات المصرية منذ إعلانه الاستقلال ١٩٥٦، واستمر الهجوم المتبادل والاتهامات بين الجانبين، حيث أكدت الكتلة عزمها إفشال كل ما يتوصل إليه المركزي مع السلطة الحاكمة منفردين، بينما قطع المركزي بأن العملية السياسية تجاوزت الإطاري وتمضي نحو الاتفاق النهائي، وتباينت آراء متحدثين لـ(اليوم التالي) حول التأثيرات المتوقعة للدور المصري في المشهد بالبلاد.

 

تواصل شعبي

تمسكت الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية برفضها القاطع وعملها على إفشال كل ما يقوم به المجلس المركزي والمكون العسكري، وأكدت أن المركزي لن يعود للحكم مرة أخرى بغطاء ما يعرف بالإطاري و(لو ارتدوا الكاكي مع العسكر) بحسب الناطق باسم الاتحادي الديمقراطي الأصل عمر خلف الله متحدث الكتلة الديمقراطية، الذي قطع أنه ليس هناك أي ارتهان لمواقف الكتلة أو الأحزاب السياسية بأي قرار مصري أو توجيهات مصرية بشأن الاتفاق الإطاري، وأضاف خلف الله لـ(قناة البلد) أن ما يرشح من إعلام سالب ليس صحيحاً، وأن العلاقة مع مصر تنحصر في التواصل الشعبي بين الأشقاء من أنشطة ثقافية وخلافه، وما من اتصالات رسمية تملي مواقف سياسية تجاه البلاد، وحول ما رشح من زيارة الرئيس المصري قال إنه مهتم بالضرورة بالشأن السوداني، وعليه فهو مرحب به إذا أراد أن يزور وطنه الثاني السودان، مصر كدولة مركزية من حيث نظام الحكم تختلف سياساتها عن السودان ويهمها ما يجري فيه، لأن ما يتهدد السودان من أخطار يطالها أيضاً وكذلك الأمر بالنسبة لنا تماماً كزيارة البرهان لدولة تشاد لحماية الحدود ومنع التفلتات الأمنية، وحول المبادرة المصرية قال إن مصر لم تتحمس للاتفاق الإطاري وهذا أمر طبيعي وربما يكون مفرحاً، لذلك هي قدمت الدعوة لجميع الأطراف السودانية ولم تقصِ أحداً، وفحوى المبادرة أنها حوار سوداني – سوداني في الأراضي المصرية لتقريب المسافات بين القوى لا تتدخل مصر في سير المخرجات فيه، تريد تهيئة أجواء مختلفة للمتحاورين في القاهرة، ولا يجب أن يحمل الأمر أكثر من ذلك.

في السياق قالت الكتلة في تصريحات صحفية أمس، إن الورشة التي تعتزم الحكومة المصرية تنظيمها مطلع الشهر المقبل، قائمة في موعدها بمُشاركة قوى سياسية عديدة باستثناء الحرية والتغيير المجلس المركزي.

وقال القيادي في الكتلة الديمقراطية والمتحدث باسم حركة العدل والمساواة حسن إبراهيم فضل مُستعدون للذهاب إلى القاهرة ولم نبلغ عن أي تعديل في موعد الورشة المُحدد بالأول من فبراير المقبل.

وأوضح أن ملتقى القاهرة للحوار السوداني ـ السوداني لن يكون الحل النهائي للأزمة التي يُعاني منها السودان، ولكنه يمكن أن يُساهم في ردم الهوة بين القوى السياسية خاصة فيما يتعلق بتوسيع دائرة المشاركة وفك احتكار الحرية والتغيير المركزي للعملية وتقسيم القوى السياسية لدرجة أولى وثانية وثالثة، متوقعاً أن تنتج الورشة وثيقة تمهد للوفاق بين أطراف الأزمة السياسية.

 

مسار مختلف

فيما تقول عضو المجلس المركزي عبلة كرار لـ(اليوم التالي) إن تحالف الحرية والتغيير يرفض ورشة القاهرة وكذلك كل الموقعين على الاتفاق الإطاري، وأضافت أن الورشة لم تأتِ لدعم العملية السياسية والسير في اتجاهها، إنما شكلت مساراً مختلفاً تماماً بدعوتها للأطراف السودانية للتحاور في القاهرة، بالتالي هي تدعو لـ(مبادرة جديدة) تختلف عن العملية السياسية.

وحول تأثيرات الورشة المزمعة على الحل الجاري بالبلاد قالت عبلة لن تؤثر الورشة على مجريات العملية السياسية لأنها بمنأى عن الفاعلين الرئيسيين للتحول الديمقراطي، ولفتت أن العملية تجاوزت مرحلة الاتفاق الإطاري وتتجه نحو التوقيع النهائي باكتمال الورش السياسية في نهاية الشهر الجاري. وحول تصريحات الكتلة الديمقراطية بفشل أي حل سياسي بمنأى عن مصر، قالت إنها تصريحات مؤسفة وغير صحيحة، لأن السودان منذ قراره الأحادي الشهير في ديسمبر ٥٦ أعلن استقلاله عن مصر ولم تعد هي أو غيرها من المبادرين الدوليين أكثر من ميسرين فقط للحوار السوداني – السوداني، لا يتدخلون في مخرجات الأمور.

تفاهمات أمريكية مصرية

ومن جهته قال رئيس القسم السياسي بجامعة القرآن الكريم، د.عبد العزيز العوض إن ما وراء الدعوات لورشة سودانية في القاهرة جاء لـ(تفاهمات أمريكية مصرية) جديدة في دعم الاتفاق الإطاري حسب تصريح وزارة الخارجية الأمريكية: تتعاون الولايات المتحدة ومصر بشكل وثيق لتهدئة النزاعات وتعزيز السلام المستدام، واستعادة انتقال بقيادة مدنية في السودان من خلال اتفاق إطاري سياسي تم التوقيع عليه في خمسة ديسمبر ٢٠٢٢، وأضاف العوض لـ(اليوم التالي) إذا تأملنا في قوى الثورة والخلافات التي حصلت بينها، نجد أن الأزمة السودانية السياسية الآن تتلخص في اختلافات وخلافات القوى السياسية من جانب، إضافة إلى الخلافات مع المكون العسكري من جانب آخر، لذلك في تصريح مشهور لحمدوك قال إن الأزمة السودانية الحالية صراع بين جناحين، جناح مؤمن بالتحول الديمقراطي، وجناح ضد التحول الديمقراطي، واستشهد بالدور الإثيوبي في دعم التحول الديمقراطي، وأوضح رغم أن إثيوبيا لعبت أدواراً في إخراج الوثيقة الدستورية في ٢٠١٩، إلا أن تحالف الحرية والتغيير أثبت للعالم أنه مرتبط مع مصر بسبب سياسة وزيرة الخارجية مريم المهدي، ويعتبر انقلاب ٢٥ أكتوبر المدعوم من مصر هو أكبر هدية لفك الارتباط مع مصر، لأن بعض القوى السياسية في تحالف الحرية والتغيير اكتشفت أن مصر عدو لها.

وتابع أعتقد أن فرص الحل والنجاح تكمن في طرح الآلية الرباعية بالإضافة إلى الثلاثية المدعومة من الترويكا تنسجم مع مبادرة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ويشرح: مبادرة حمدوك المؤسس التي أطلق عليها مبادرة رئيس الوزراء وأدخلها مجلس الأمن الدولي، وتم اعتمادها بشكل دولي، كانت تحتوي على حل الأزمة السودانية بتوسيع المشاركة وسلطة مدنية كاملة وجيش قومي مهني موحد، بجانب إستراتيجية خارجية تبنى على مصلحة السودان وإصلاح اقتصادي.

 

فشل مبادرة

فيما يرى أستاذ العلوم السياسية عبد القادر محمود صالح أن المبادرة المصرية لن تخلق إطاراً بديلاً للاتفاق الإطاري المرفوض من جهات عديدة، وذلك لأن المبادرة المصرية تنطلق من منظور أمني لا يستطيع استيعاب التعقيد المصاحب للعملية السياسية في السودان، علاوة على أنها تنطلق من نقطة التوافق الاستبدادي للأنظمة العسكرية في المنطقة ولا تعير مسألة الانتقال الديمقراطي والبناء المدني أية أهمية، بل تعتبره معوقاً رئيساً لاستمرار مصالح المؤسسات العسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط.

وأضاف محمود في إفادة لـ(اليوم التالي)، مصر دولة لها تأثير كبير على بعض القوى السياسية والنخب السياسية السودانية، لكن ما حجم وقدرة القوى في خارطة الفعل السياسي والثوري الراهن؟.. ونجد أن القوى التي تحاول مصر تلميعها لخلق قاعدة سياسية واجتماعية للسلطة الانقلابية، لن تستطيع تحريك مياه الأزمة الراكدة ولن يكون لها أي دور في سودان ما بعد النظام البائد، وذلك يمكن عزوه إلى أن القوى نفسها ساهمت في واقع السودان الراهن بكل أزماته وصراعاته الصفرية.

وتوقع فشل المبادرة المصرية في اختراق الأزمة وإعادة هندسة المشهد السياسي كما تخطط له أمنياً وإستراتيجياً بما يخدم مصالحها ومصالح بقاء المؤسسات العسكرية على سنام السلطة وصنع القرار في شمال وجنوب الوادي.

وتابع هنالك عامل آخر ربما يجعل المبادرة المصرية بمثابة فقاعة إعلامية للاستهلاك وكسب الوقت، يرتبط بالمبادرة الإثيوبية التي لا شك سيكون لها تأثير قوي في اختراق الأزمة خاصة لا سيما وأن إثيوبيا تنطلق من خلفية كاملة بحيثيات الصراع وأيضاً شخصية أبي أحمد وعلاقاته القوية مع قوى الثورة ولجان المقاومة تجعل إثيوبيا الأقرب إلى الوجدان السياسي السوداني، بالإضافة إلى المصالح المشتركة بين البلدين في مجالات عديدة والعلاقات الخاصة مع مؤسسة الدعم السريع، كل العوامل تجعل حظوظ المبادرة الإثيوبية في إيجاد الحل الجذري للأزمة الراهنة ممكناً مقارنة بالدور المصري الذي ينظر بشكل أحادي للصراع السوداني، باعتبار أن هنالك لاعباً واحداً وهو الحليف القديم الجديد المتمثل في بعض القوى السياسية والعسكرية.

 

محاولات توسط

ومن جانبه استبعد خبير الحوكمة د.الوليد مادبو نجاح القاهرة في التوسط بين القوى السياسية السودانية وأضاف لـ( اليوم التالي) أمس، لم يترك الساسة السودانيون عاصمة عربية أو أفريقية لم يجتمعوا فيها خلال الخمسة عقود الماضية كي يناقشوا ويقرروا في شأن البلد، وفي كل مرة يفشلون في الالتزام بالثوابت الوطنية وأخفقوا في التوصل إلى حلول بشأن القضايا المصيرية والحيوية، وأن النخب الحقيقية والتي تملك خبرة عملية وآفاق فكرية واقفة على الرصيف فيما تجول تلكم التي جبلت على العمالة، الارتزاق، الخيانة، الاختلاف، محاولات الإقصاء، النرجسية، قِصر النظر؛ ولا أدري إن كانت القاهرة تستطيع أن تنجح فيما فشل فيه الآخرون من محاولات للتوسط. المحاولة لن تضر لكن الانتظار سيطول من محنة الإنسان السوداني الذي ضاق ذرعاً بمحاولاتهم البائسة، رغم ضبابية وهلامية لغتهم لا أعتقد أنهم ينجزون اتفاقاً أفضل من الاتفاق الإطاري الذي يمكن أن يُطوَّر كي يمكنا من الانتقال إلى المرحلة التي تليه والتي تتمثل في ضرورة إيجاد حكومة مدنية، فيما يمكن للقضايا الأخرى أن تسير بالتوازي مع محاولة الطاقم المزمع تعيينه للاهتمام بمعاش الناس وأمنهم.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب