التمويل الزراعي .. الإيفاء والتنفيذ عقبة الواقع
الخرطوم: علي وقيع الله
لا زالت مشكلة تمويل الزراعة في البلاد قائمة، بينما تزداد مساعي تجمع المزارعين بتوفير التمويل اللازم للموسم الزراعي الشتوي حيث تراجعت المساحات المزروعة في البلاد بنسبة (52)% عن العام السابق، في وقت رسم فيه مزارعون صورة قاتمة للموسم الزراعي في البلاد بسبب تأخير التمويل الزراعي لأول مرة منذ عقود، وكشفوا عن ظهور ممارسات سالبة البيع بالكسر بسبب عدم وجود تمويل من الدولة خاصة في ظل قرار البنك الزراعي السوداني التي يقضي بأن يكون التمويل للجازولين فقط دون الإلتزام بتمويل المطلوبات الأخرى، هذا إلى جانب اشتراط البنك أن يلتزم المزارع بكتابة تعهد بعدم المطالبة بتمويل المراحل الأخرى من الزراعة، وفي ظل أوضاع قاتمة للزارعة تستضيف الخرطوم مطلع فبراير القادم، النسخة الثالثة من ملتقيات السودان الزراعية العالمية تحت شعار (معاً نحو نهضة زراعية متكاملة) تستهدف الولايات ذات الثقل الزراعي لمناقشة عدد من الأوراق العلمية تخص القضايا والتحديات التي تواجه قطاع الزراعة بصورة عامة، وكذلك يستصحب مع آخر ما توصل إليه العلم في مجال التقانات الزراعية.
تماطل الحكومة
ووسط شكاوى من قبل المزارعين، برز ضعف إمكانية الحكومة عبر البنك الزراعي والشركات التعاقدية لتمويل الموسم الشتوي لهذا العام، الأمر الذي غرس وسط المزارعين ضعف القدرة على اللحاق بالموسم نفسه لمواجهة تحديات الأوضاع الاقتصادية الماثلة، فكانت الفكرة مجتمعة عند المزارعين بعد تماطل الحكومة من استلام محصول القمح في الموسم السابق بالأسعار التي أعلنتها، ولعل هذا ما جعل العزوف عن الزراعة أمراً واقعاً، فبعض المزارعين علت نبرة غضبهم نتيجة للعوامل التي يعتبرونها أكثر إجحافاً في حقهم، ومنهم من يرى بحكم تجربته في الزراعة على مر العصور، أن الموسم الشتوي سيكون غير مشرف، وبالتالي ينبغي من جانب الدولة أن تراعي القيمة التي يعكسها منتجو محصول القمح على مر الحقب في الارتقاء بمستوى التوازن الاقتصادي وتحقيق رفاه المزارعين من خلال جدهم ومثابرتهم ليل نهار في ساحات الزرع بالبلاد.
فرص النجاح
ومع ذلك كانت تخطط الحكومة لزراعة مليون فدان قمح خلال الموسم الشتوي الحالي، وقال وزير الزراعة والغابات، أبوبكر عمر البشرى إن وزارته بصدد زراعة مليون فدان قمح للموسم الشتوي، وأشار للتحدي الذي يواجه الموسم الشتوي، وعدد فرص النجاح للزراعة في السودان، مبشراً بموسم شتوي جيد، وكشف عن وضع خارطة جغرافية لمقابلة احتياجات الزراعة في المواسم المقبلة وتوفير كميات كبيرة من التقاوى لصغار المزارعين بهدف رفع الإنتاجية ومضاعفتها، مشيراً إلى أن الخطة شملت توفير التقانات الحديثة، حيث تم التحصيل على شراء المبيدات للقضاء على الآفات.
تمويل التقاوى
وكانت الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي والمنظمة العربية للتنمية الزراعية وقعت اتفاقية مشاركة لتمويل إنتاج تقاوى القمح، ويأتي هذا الاتفاق في إطار دعم مبادرة السودان لزراعة مليون فدان بمحصول القمح للموسم 2022 – 2023، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير تقاوى القمح لزيادة الإنتاجية، وتقديم الدعم الفني وشراء المحصول بأسعار تفضيلية تضمن للمزارعين سداد مديونياتهم، وللشركة الحصول على تقاوى عالية الجودة تساهم مستقبلاً في زيادة الإنتاج، وتستهدف الدولة في الموسم الشتوي زراعة (120) ألف فدان بولاية النيل الأبيض، منها (80) ألف فدان بالمشاريع الزراعية المروية و(40) ألف فدان للطلمبات النيلية موزعة على ثماني محليات، ولم تتجاوز المساحة التي تم تحضيرها حتى منتصف ديسمبر الجاري، (40) ألف فدان، أي بنسبة (50)% من المستهدف في المشاريع المروية، بينما بلغت المساحة التي تمت زراعتها فعلياً (30) ألف فدان.
التدخل العاجل
ودق مزارعون ناقوس الخطر وحذروا من فشل الموسم الشتوي بسبب تفاقم مشاكل ري محصولات العروة الشتوية خاصة محصول القمح، مما يهدد بفشل الموسم، وطالبوا المجلس السيادي ومجلس الوزراء بالتدخل العاجل لإنقاذ الموسم الشتوي بإعلان حالة الطوارئ في وزارة الري، وقال المزارع محمد عبد الباقي ظللنا نعاني سنوياً من انعدام مياه الري مع تراكم الطمي والحشائش لعدم وجود كراكات، ولفت إلى أنه في حال استمرار الوضع بصورته الراهنة، عليهم فقط انتظار دخول السجن.
أسلوب تعجيزي
ضعف إقبال المزارعين على زراعة القمح لهذا الموسم الشتوي، وفي الصدد يقول المزارع إسحاق بابكر إن إجراءات التمويل في البنك معقدة حيث يتم ربط التمويل بالشهادة الزراعية، وأردف: إن هذه الشهادة يحررها مفتش المكتب الذي ربط تحرير الشهادة بتحصيل الرسوم قبل الحصاد، ويؤكد أن هذا أسلوب تعجيزي، وأضاف في تصريح صحفي إلى عدم وجود بعض المدخلات مثل سماد اليوريا وتوفرها بالبنك في الوقت الحالي، وأشار إلى أن تمويل الإدارة بالتقاوى من غير أسمدة يعني أن المدخلات من جيب المزارع، وأكد عدم وضوح الرؤية في سياسة الدولة تجاه الزراعة وبالأخص القمح المحصول الإستراتيجي الذي يعتمد عليه المواطنون السودانيون في غذائهم، بجانب عدم وضع سعر تركيزي من المالية، واصفاً إياه بأنه هو أساس القضية، ونوه إلى أن تحرير السوق في السودان هو الذي أضر بالعملية الزراعية والإنتاج الزراعي، ويتوقع أن يكون هناك عزوف تام عن الزراعة في السودان في المستقبل، كما أن هذا هو المطلوب، مشيراً إلى أن كافة المحاصيل المنتجة لا يوجد لها تسويق.
