زيارة كوهين…اللعب على المكشوف 

زيارة كوهين…اللعب على المكشوف

_عبد الله علي إبراهيم: الوقت مناسب للتطبيع والقوى الإسلامية مرهقة!

المبادرة الفلسطينية: إسرائيل تفتعل وجود إرهابيين بالخرطوم لابتزاز السودان!

اللواء محمد جمال الدين : خطوة مباركة وتنسيق استخباراتي مع تل أبيب!

الخرطوم: إبراهيم عبدالرازق

في الوقت الذي يترقب فيه السودانيون تدريب فريق الكتلة باستاد القاهرة، للقاء الحاسم مع الإطاري باستاد الخرطوم، عصف البرهان بالمشهد باستقباله وزير خارجية إسرائيل بالخرطوم، مازالت ردود الأفعال تتوالى حول زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للخرطوم وإعلانه قرب توقيع اتفاق سلام مع السودان، وبينما أعلنت قوى الجبهة الشعبية لمقاومة التطبيع والمؤتمر الشعبي السوداني بجانب البعث العربي الاشتراكي وتجمع المهنيين رفضهم للخطوة، فقد اعتبرها استراتيجيون عادية ومباركة، لكن المبادرة الفلسطينية في القدس حذرت السودانيين من الخطوة، ولفتت إلى أن اسرائيل قد تفتعل وجود جماعات إرهابية بالخرطوم لابتزاز السودان. أثناء ذلك اعتبر المفكر عبدالله علي إبراهيم أن الوقت أنسب في السودان للتطبيع، ووصف في حديثه لـ(اليوم التالي) الفترة الانتقالية بمصاحبتها لخذلان عام للقضية الفلسطينية.

رفض القوى الشعبية

من جهة أخرى، قالت القوى الشعبية لمقاومة التطبيع بالسودان، إن صفقة التطبيع مع إسرائيل مذلة وتنفصل عن قيم الشعب السوداني. وأضافت القوى أن السودان لن يجني من الصفقة إلا السراب، وشددت على أنه يجب على القيادة العسكرية في السودان وقف العبث بأمن البلاد؛ حسب تعبيرها.

وقال المؤتمر الشعبي إن الغرض من محاولة التطبيع اليائسة والمحمومة أن يظل السودان تحت حكم العسكر بدعم من العدو الإسرائيلي، وأضاف.. أن محاولات التطبيع لن يُكتب لها النجاح مهما تكاثرت وعود الترغيب والترهيب، بحسب تعبيره.

كما قال تجمع المهنيين السودانيين أن ما وصفه بالنظام الانقلابي لن تنقذه الاتفاقات مع من سماهم الأعداء ولا التحالفات المشبوهة.

وفي السياق، شدد تحالف التيار الإسلامي العريض، على رفض ما يجري الآن من تعقيدات في المشهد السياسي السوداني؛ لأنها صُنعت خصيصاً لتمرير ما وصفها بالصفقات الفاسدة، حسب تعبيره.

بدورها، نددت رابطة “إعلاميون من أجل القدس” بخطوات الحكومة السودانية نحو التطبيع، وقالت الرابطة إن حكومة الفترة الانتقالية لا تملك حق توقيع أي اتفاق مع إسرائيل.

حميدتي لا يعلم

من جانبه، قال نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان حميدتي – في تعميم صحفي مقتضب – إنه لا علم له بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، وإنه لم يلتقِ الوفد الإسرائيلي الذي زار الخرطوم. وطبقاً لإعلام نائب رئيس مجلس السيادة، فإن حميدتي أكد عدم صحة الأنباء المتداولة بشأن لقائه بالوفد الإسرائيلي الذي زار السودان، موضحاً أنه لا علم له بالزيارة المعنية، وأنه لم يلتق بالوفد الزائر.

خطوة مباركة

الخبير الاستراتيجي اللواء محمد جمال الدين؛ قال إن ما يتم بين الخرطوم وتل ابيب منذ ٢٠٢٠ اتصالات عادية، تتم بصورة مستمرة بين البلدين منذ لقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا. وحول الاستعداد للتوقيع على سلام مع تل أبيب؛ قال إنه سيتم بعد الاتفاق الكلي على القضايا. وأضاف جمال الدين لـ( الجزيرة)، أمس أن السودان الآن ليس به حكومة منتخبة ولا حتى حكومة انتقالية يمكن أن تقرر في هذا الأمر الاستراتيجي، لذلك لا نتوقع أن يتم هذا في المستقبل القريب، إلا بعد توفر الإطار الشرعي عبر الحكومة المرتقبة المجمع عليها من القوى العسكرية والمدنية، ووصف جمال الدين الخطوة بالمباركة، وحول ماذا يريد السودان من إسرائيل قال جمال الدين إن السودان يعاني من إشكاليات أمنية في الشرق والغرب والجنوب والشمال وحذر من دخول مهددات أمنية على البلاد من الإقليم. ولفت إلى أن البلاد قد تواجه ببعض الخلايا الإرهابية النائمة، ومن ثم تنطلق من السودان لجهات أخرى، مثل (القاعدة) او (انصار الدين) أو (الدولة الإسلامية) نحتاج لشركاء لتأمين السودان، وأن تقوية العلاقات مع إسرائيل يأتي في إطار توأمة والاستفادة من تل أبيب وشركائها.

 

غياب مبررات

لكن الأمين العام لـ(حركة المبادرة الفلسطينية) د. مصطفى البرغوثي قال إنه لا توجد أية مبررات لتطبيع السودان مع إسرائيل. وقال لـ( الجزيرة) من المستهجن والمشين لأي دولة التطبيع مع إسرائيل؛ لاسيما في ظل حكومة متطرفة مثل حكومة نتنياهو، ولفت إلى أن ما تم يدل على نجاح إسرائيل في استدراج السودان منذ دورها في فصل جنوب السودان، وأنها تآمرت على السودان مع مصر وإثيوبيا من أجل قطع مياه النيل. وحذر البرغوثي أن إسرائيل من الممكن ان تفتعل مجموعات إرهابية بالسودان بهدف ابتزاز السودان. ولفت إلى أن شعب السودان بطل ومناضل ولاشك أنه يرفض هذا التطبيع ، مشيراً إلى أن الحكومة المدنية المرتقبة ستلغي القرار.

فك حصار

واعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي أن الزيارة تمت في سياق فك الحصار الصهيوني بسبب العزلة التي يتعرض لها النظام “الاسرائيلي” نتيجة جرائمه ضد الشعب الفلسطيني فى جنين والقدس والقطاع، باستئناف علاقته مع حليفه قائد الانقلاب بعد إعادة انتخابه.

استنكر الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، المهندس عادل خلف الله، زيارة وزير الخارجية “الاسرائيلي”، أيلي كوهين، للخرطوم.

وقال متحدث البعث عادل خلف الله لـ( اليوم التالي) إن الزيارة تكشف عن تطور نوعي بين قائد الانقلاب والاحتلال الصهيوني، وتعامله معه كدولة طبيعية، وهي امتداد لعلاقة كُشفت للعلن فى لقائه بنتنياهو في يوغندا في فبراير 2020، وبذلك انتقل البرهان من الاستقواء بالعدو الصهيوني بتقويض الانتقال الديمقراطى بالانقلاب في 20 أكتوبر، قافزاً فوق حقيقة تهديد العدو الصهيوني لوحدة السودان واستقراره وأمنه القومي وأمن البحر الأحمر؛ إلى توظيف التورط في مخطط التطبيع للبقاء في الحكم بأي ثمن.

وأكد خلف الله؛ أنه لا يمكن عزل توقيت الزيارة عن التدخلات الإقليمية والدولية لتطويل أمد الأزمة الوطنية في السودان وتعميقها بشرعنة الانقلاب بالإبقاء على قائد الانقلاب الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قائداً على الجيش وتحصينه ومن معه من المساءلة باسم الاتفاق الإطاري.

ولفت خلف الله؛ إلى أن القوى التي انخرطت فيه منحته مشروعية الاستمرار فى الحكم باسم القوات المسلحة، وأقر بأن تلك الخطوة فكت مؤقتاً العزلة الجماهيرية عن البرهان، وأعطته شيئاً من المقبولية دولياً، لا سيما وسط القوى التي تتناقض مصالحها وتوجهاتها مع النظام الديمقراطي المستدام في السودان.

و أكد خلف الله؛ أن الزيارة أزاحت، بتوقيتها وفي مجملها، مخاطر الأطماع الإقليمية والدولية تجاه السودان، والسعي لتوريطه في مشروع الشرق الأوسط الجديد، ودمجه مع العدو المحتل بحل زائف واستباقي، وهو ما يحفز القوى الحية لتصليب موقفها وتوسيع قاعدتها بإعلان الجبهة الشعبية العريضة لإسقاط الانقلاب بالإرادة الشعبية السلمية العريضة.

و شدد خلف الله؛ على أن المعادل الجماهيري لكل ما يحاك ولصيانة الوحدة والاستقلال؛ لن يتم إلا باستدامة الديمقراطية وتصفية التمكين وإزالة ٱثار انقلاب قوى الردة والتبعية والتفريط.

وضع أمثل

من جهته؛ قال د. عبد الله علي إبراهيم لـ(اليوم التالي ) أمس إن ما يرى من جوّ مربك في السودان، وغير متوقع من إسرائيل ما فعلته، هو الوضع الأمثل لإسرائيل لتخطو هذه الخطوة، ولفت إلى أن (تل ابيب) ماضية في تنفيذ مشروع (الإبراهيمية) بمساعدة العرب وغيرهم، وأضاف.. وضع مربك، انتقال متعثر ومتمدد، خلافات وصراعات البرهان داخل في حلف مع المجلس المركزي والإطاري، ويواجه حلفاً مضاداً، وهو في هذا الجو أصبح البطل الذي يقرر الأشياء كلها.

وحول المتوقع من هياج للقوى الإسلامية ضد الخطوة، قال إن القوى الإسلامية مرهقة جداً، و الحقيقة لا تستطيع أن تزعم أنها القوة التي تقف مع فلسطين، لأن البشير اتخذ في البداية موقفاً مضاداً للتطبيع، لكنه لم يكن مفيداً لفلسطين، لأنه لايمكن أن تهين شعبك لتخدم شعباً شقيقاً، ففلسطين لا تريد البشير، بل تريد السودان كله خلف البشير، فما الذي حدث، شهدنا لأول مرة لاجئين سودانيين في إسرائيل، وقادة دارفوريين يستنكرون أي عطاء للبشير نحو غزة وحماس وأن يستقوى بالإسلاميين ضد شعبه، ولم تنل قضية العرب التي مازالت قائمة سوى عبارات الغضب.

وحول إمكانية حدوث مفاجآت أو وصول الخرطوم وتل أبيب لتوقيع بروتوكول سلام بالفعل مع الحكومة المرتقبة، كما صرحت خارجية إسرائيل؛ واعتبار ذلك خطوة نحو دول الرفض وأهمها السعودية، وقال عبد الله: لا أتوقع حدوث مفاجآت ، لأن خذلان القضية الفلسطينية أخذ معطيات الفترة الانتقالية وجزءاً أصيلاً منها (لا أتحدث عن أشخاص)، دعاة التطبيع الآن في كل مكان هم العسكريون، هم الذين يسوقون الشعوب سوقاً للتطبيع مع إسرائيل، وهذا فرار من ميدان المعركة والقضية لا تزال قائمة، وما زال هناك ما يعرف بقضية الشعب الفلسطيني _ ومعروف أن الفرار من الميدان ردة تستدعي معاقبة الجندي والقائد، وتابع.. السعودية بالتأكيد هي صيد ثمين لإسرائيل، سيظل مرصوداً في ظل إرباك عربي، وتراجع إفريقي جاء بعد مواقف صلبة ضد التطبيع تلاها انسياق إفريقي نحو إسرائيل.

جهود ثنائية

ورأى المحلل السياسي عبد القادر محمود صالح أن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي تأتي في سياق الجهود الثنائية بين البلدين؛ لبدء عملية التطبيع بشكل رسمي وبمستوى رفيع، ومن ثم يبدأ البلدان في تبادل البعثات الدبلوماسية، وتجدر الإشارة هنا إلى التطبيع الكامل مع دولة تشاد وتبادل البعثات الدبلوماسية بين البلدين.

وأضاف صالح لـ(اليوم التالي).. يعتقد قادة المكون العسكري أن التطبيع مع إسرائيل وإرضائها يمنحهم مناعة الاستمرار في الحكم، ويقربهم إلى حضن المجتمع الدولي بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الدقة، لذلك دأب العسكريين – منذ التغيير السياسي الذي أبعد الإسلاميين من المشهد السياسي – على ضرورة التطبيع مع إسرائيل في عدة جولات سرية وجهرية، للوصول إلى التطبيع الكامل وتبادل البعثات الدبلوماسية بين البلدين.

وأعتقد أن المؤسسة العسكرية في سعيها إلى التطبيع تنطلق من فرضية أن إرضاء إسرائيل هو الطريق الأمثل للتخلص من الثورة والبقاء في السلطة دون الحاجة إلى البناء المدني للدولة، الذي يشكل مهدداً حقيقياً لمصالح المؤسسة العسكرية. وهنالك أيضاً سبب آخر وراء السعي نحو التطبيع؛ يرتبط بالتحولات السياسية الكبرى التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في ما يتعلق بموضة التطبيع مع إسرائيل، وأن التطبيع مع إسرائيل سيجعل المنطقة أكثر استقراراً، وبالتالي سيفتح نوافذ من الفرص الاستراتيجية للنظم السياسية الحاكمة في المنطقة، والتي تتصف بالاستبداد وحكم الفرد. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تخلت عن مشروع الإصلاح السياسي على هدى الديمقراطية لصالح إبقاء النظم الاستبدادية، بعد أن شعرت بخطورة مخرجات الربيع العربي، والمؤسسة العسكرية في السودان لا تخفي تطلعاتها في الاستمرار في الحكم، رغم الرفض الواسع لهذا التوجه.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب