بيت الشورة
عمر الكردفاني
كوروللي
قرية وادعة منقطعة تماماً عن المدنية، لا يربطها بالمدينة والسياسة والاقتصاد وما لف لفها من تهاويم وتنظيرات عصرية إلا طريق ترابي معفر تمر به سيارات الدفع الرباعي وهي تنقل المسافرين بين مدينتي نيالا وزالنجي، كوروللي اسم له وقع خاص في نفسي فقد مررت بها عدة مرات قبل أعوام، مياهها يبدو أنها من الآبار السطحية أو من حفير قريب إلا أنها عذبة بصورة لا تقاوم فتكرعها إذا كنت ظمآناً، ولا تكتفي بالري فقط، بل تستزيد، أهلها بسطاء في مأكلهم وملبسهم وحديثهم، حديثهم هامس كأنما يخشون أن يكدر صفو الحديث بينهم دوي الرصاص من جديد، كوروللي، تجسد مأساة الحرب في دارفور بكافة أبعادها وتحتفظ لإنسان دارفور بخصوصية الصدق والكرم والأمانة والتدين غير المصطنع، يبيع أهلها المشروبات الطبيعية والمأكولات بأسعار زهيدة ويقدمونها في مواعين نظيفة وصقيلة كأنما خرجت للتو من مجلاة مما يتحفنا به الغرب وبه صابون خاص معطر، إلا أن صابون كوروللي غير معطر، بل هو معفّر لأنه ذلك الصابون ترابي اللون الذي يأتي من تلقاء الجارة تشاد، يستخدمه البشر هنا للاستحمام وغسل الملابس والأواني على حد سواء، فالناس هنا لا يفرقون بين الكفاية والرفاهية، لا يختارون بين الزهد والوفرة، فكل ما هو موجود نعمة من الله يشكرونه عليها بصوت عال قبل أن يجودوا بها إلى غيرهم، لا يعرفون ما هي الكهرباء ولكن نور الإيمان في قلوبهم يوجههم ليلاً ونهاراً ,يستعينون على الظلام الحالك ببطاريات تشابهت أضواؤها واختلفت ألوانها، بعضها ساطع اللون والآخر محمر اللون كأنما هو ضوء شارد من سيارة عابرة كتلك السيارات التي قد تحمل إليك طعاماً وسلاماً أو هلاكاً، الكل يسعى في تؤدة ونشاط، الكهل والشيخ الفتاة والعجوز الشاب والطفل، يسعون في تؤدة نحو مصادر الزرق التي ابتدعوها بعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت واختاروا هذه البقعة التي تمتد حولها الأراضي الشاسعة الخالية من أي نشاط إنساني إلا من بقايا زراعة هجرها أهلها على عجل وقد تركوا بعضاً من الزرع لم يحصد وآخر معلق على قمم الأشجار والبعض ما زال متناثراً تقتات به بعض الطيور ولا حديث عن حيوانات لأنها، إما نهبت أو تقبع في حرز أصحابها .
ثم ماذا بعد هذا؟
هنا في العاصمة أو في عواصم الولايات المختلفة وبما فيها عواصم ولايات دارفور هنالك من يجأر بالشكوى من انعدام الخدمات أو رفع الدعم عن المحروقات، أهل كوروللي لا يعرفون كل تلك الكلمات فهم يحرقون الحطب للتدفئة أو صنع الطعام، وحتى الفحم الذي ينتج عن هذه العملية يتم بيعه لنا في المدن حتى ننعم بطاقة شبه نظيفة، كوروللي، قرية وادعة بين نيالا وزالنجي وتشبه أي قرية وادعة في شمال أو جنوب كردفان أو الشمالية أو في ولاية دنقلا أو النيل الأزرق، نعم زرت كوروللي التي في دارفور، ولكني أطلب منكم زيارة بقية القرى لتعرفوا كم نحن مرفهون رغم قطوعات الكهرباء والمياه ورفع الدعم والقطوعات المبرمجة وغير المبرمجة أو المخرمجة..