بلاغ
لؤي عبدالرحمن
الوطن لا بواكي له
…
توفيت والدة مبارك أردول رئيس حزب التحالف الفدرالي ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية المغضوب عليه من قبل أحزاب قوى الحرية والتغيير قبل أشهر ، وفي سرادق العزاء كان جل قيادات الحرية والتغيير حضوراً مواساة لأردول في فقده، وحدث ذلك بالرغم من السجالات بين الطرفين في وسائل التواصل الاجتماعي والندوات وغيرها من المنابر، ويبقى السؤال: كيف اجتمع هؤلاء رغم الخلافات في فقد والدة أردول للمواساة والتعزية ولم يجتمعوا حول الوطن الذي مات زرعه وضرعه وإنسانه ولم يجد من يواسيه أو يترحم عليه أو يبكيه.
الفصل بين الخلاف السياسي والاجتماعيات أمر جيد ويتميز به السودانيون لأنه في دول أخرى قد يقود خلاف السياسة إلى اقتتال وتصفيات، ولكن وبالرغم من تقديرنا لروح والدة أردول التي ندعوا لها بالرحمة والمغفرة، إلا أن مشكلة بلدنا أيضاً تحتاج الترحم وترك الاختلاف جانباً للحفاظ على ما تبقى لنا من أرواح وثروات وأي مواطن يموت له شخص نتيجة الوضع السياسي المحتقن هو لايقل عن مبارك أردول في المواطنة والمقام، ويجب أن يصله أهل السياسة ليعزوه، وإذا فعلوا ذلك سيجدون أنفسهم يعزون أهل كل ولايات البلاد، وبالتالي الوطن،
ببساطة وللأسف ساستنا تجمعهم المصالح الشخصية وتفرقهم هي نفسها، أما الوطن فهو يجمعهم في المواطنة ولو كان همهم السودان وشعبه لتنازلوا لكي ينعم بلدنا وشعبه بالأمن والاستقرار ولم يجعلون رهائن لاقتسام السلطة والثروة التي تخصهم وقبائلهم وأحزابهم، وبعضهم الدول التي خلفهم
ادعاء المثالية للساسة، وأنهم قادرون على تجاوز الخلاف لأسباب إنسانية أو عرفية أو دينية هو محض نفاق؛ لأن ذلك غير موجود عند الحديث عن قضايا السودان، وهو ليس في هذه الفترة فحسب؛ وإنما منذ الاستقلال وما حاق بنا من تشرذم وتأخر عن ركب الأمم ملمح واضحٌ من ملامح الفشل وتقديم المصالح الخاصة على العامة،
فشلنا كسودانيين في معالجة مشاكلنا وإتاحتنا الفرصة للخارج للتدخل المباشر وغير المباشر في شؤوننا الداخلية هو ما أغرى الدول لاستلام ملفاتنا والتحرك فيها بالأصالة أو الوكالة ولتحقيق مصالحها كمكاسب اقتصادية وسياسية وأمنية أو لحماية نفسها وأمنها من خطر قد يأتيها بسبب الفراغ والخلل الذي حل بنا،
إذا لم يعد النظر في السياسة على أنها خدمة الشعب وتحقيق مصالحه، وليس تحقيق مصالح الأحزاب والأفراد، وأنها عمل طوعي وليست وظيفة للتكسب، ومهنة دائمة ستستمر معاناتنا مع أحزابنا التي وبالرغم من مشكلها لا غنى لنا عنها؛ لأنها الواجهة المدنية التي تحكم وقضية المصلحة الوطنية يفترض أن لاتكون شعارات وألفاظ للتخدير وتحقيق النقاط في المنابر، وإنما أمر جوهري لاتنازل عنه، حتى لو كان خصماً على الحزب
أحزابنا في الغالب، تأسست على التبعية للخارج أو الأفكار والأيدلوجيات المستوردة؛ لذلك تحتاج إلى تغيير شامل على أساس وطني بحت، وبالطبع سيجد هذا التوجه معارضة من المصلحجية والمستفيدين من الداخل، كما لن يتركنا الخارج وشأننا؛ لأن بعض التنظيمات هي عبارة عن حصين طراودة بالنسبة له
المحك؛ الآن هل نترك الوطن يتهاوى بمعاولنا نحن وإرادة أعدائنا كأمة وشعب، أم نتوحد في الهدف ونتخلى عن مصالحنا، وننفض يدنا عن من لايريد لنا أمنا ولا استقراراً ولاتقدماً… الإجابة ستكون من سلوك قادة القوى السياسية والعسكريين والإعلاميين خلال مقبل الأيام، وأعتقد أن الناس ستميز من باع الوطن ومن فداه.