الشباب.. من لهم؟!
*
النذير إبراهيم العاقب
*
طفحت في الآونة الأخيرة الكثير من مشكلات الشباب في معظم مدن البلاد، تفشت وسطهم الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية، وذلك نتيجة لحالة البطالة وتكدُّس الشباب بأعداد كبيرة في طرقات الأحياء وأزقتها، وهذه الظاهرة صارت تُمثِّل هاجساً كبيراً بالنسبة لأولياء الأمور، الأمر الذي يُحتِّم على الجهات المختصَّة التَّحرُّك العاجل لمعالجة مشكلات الشباب بأعجل ما يكون، لاسيَّما وهُم يُعتبرون ركيزة وعماد الأمة، هم حاضرها ومستقبلها، أمنها في حربها وسلمها، ولا شك أن بضياعهم ستضيع الأمة، وليس خافياً أنهم أكثر فئات المجتمع عرضةً لمواجهة المشاكل المختلفة نظراً لكونهم الأكثر انفعالاً وتفاعلاً مع المجتمع، وبالتالي فهم معرّضون بشكل أكبر للتأثر بالمغريات من حولهم، وللانحراف والتقليد الأعمى للآخرين.
ومعلوم أن طبيعة المجتمع بمختلف مجالاته المتعددة، يُمثِّل دوراً كبيراً وأساسياً في تحديد طبيعة المشاكل التي تواجه الشباب، لا سيّما وأنّها تُسهِم في تكوين شخصياتهم المختلفة ومستوياتهم الفكرية والتربوية، والتي تحدد جميعها مدى المعاناة النفسية والمادية التي سيواجهونها، ومنها بلا شك توهُّم الإصابة بالأمراض المختلفة نتيجةً لوسواس العناية بالنفس والجسد، وتظهر هذه التوهمات نتيجةً وجود ميول عدائي داخلهم، بالإضافة إلى الفشل بالحياة، ووجود مشاكل في الأداء لديهم، مما يجعلهم يؤنبون أنفسهم ويشعرون بالضعف والمرض، زد عليها الانعزال عن الآخرين والشعور بالاكتئاب والتردد والخجل، وهذا نجده متمثل في غالب شباب اليوم، ولعله ناجم عن العادات الأسرية غير السليمة المتمثلة في كبت رغباتهم وحاجاتهم، بجانب الفقر والتعنيف الأسري، وهناك أيضاً التصرف بشكل عدائي وعدم احترام الآخرين، واستخدام الألفاظ النابية وغير المناسبة، وهذا نجده ماثلاً بشكل مخيف وسط أغلب شباب اليوم، ومردَّهُ إلى التربية غير السليمة والفشل سواء كان على الصعيد الدراسي أو الصعيد العاطفي أو الاجتماعي.
ولعل الأخطر على الشباب اليوم وعلى حياتهم ومستقبلهم، يتمثل في تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية والإدمان عليها، مع علمهم بأنها تُدمِّر كافة مجالات حياتهم الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، وتنحرف بهم إلى الضياع، ولا ننسى التدخين والذي يعد من أكثر الأمور انتشاراً بين فئة الشباب والمراهقين، ويعود سبب اللجوء إليه للاعتقاد الخاطئ بأنّ التدخين هو من علامات الرجولة، أو لتقليد الكبار منذ الصغر، أو للترويح عن مشاكلهم التي يواجهونها في حياتهم اليومية، أو بسبب تأثير الآخرين وتقليدهم، والأخطر من كل ما سبق يتمثل في الانحراف الجنسي، بحيث إن الأمور الجنسية تلقى الحصة الأكبر من الرفض والكبت والتقييد، ويكون لدى الشاب أو المراهق في هذا العمر طاقة جنسية عالية تستوجب التعامل معها بالشكل الصحيح، وذلك عبر تسهيل الزواج وممارسة الأنشطة الاجتماعية، والرياضات المختلفة وفتح آفاق الإبداع للشباب، كُلٌّ في مجاله.
وتشكِّل البطالة أكبر معضلة أو مشكلة تواجه الشباب، وهي مشكلة اقتصادية، ونفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية، وجيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج، لتمتعه بالقوة والطاقة والمهارة والخبرة، وأن تعطيل طاقته الجسدية سبب رئيس للفراغ والإصابة بالاكتئاب والشعور بالفشل رغم حمل الكثيرين منهم لشهادات عليا، كل ذلك يدفعهم وبلا تفكير للجوء لطرق غير سوية لكسب الرزق وتكوين حياتهم، ولا نستبعد أن تدفعهم البطالة للاستسلام والانعزال عن العالم الخارجي، الأمر الذي يوجب على الدولة حل هذه المشكلة من خلال توفير فرص عمل للشباب والاهتمام بطاقاتهم واستغلالها بالشكل السليم، وتأهيل الشباب حديثي التخرج من لاسيَّما وأن الكثير من المؤسسات في أمس الحاجة إلى العمالة المتخصصة في المجالات التي يحتاجها سوق العمل، مما يساعد في سد الفجوة بين العرض والطلب على العمالة، والعمل على تشجيع التعليم الفني المهني لكلا الجنسين وبيان أهمية التعليم المهني في تنمية المهارات والقدرات البشرية المعرفية والتقنية للعمالة، شريطة أن تقوم الجهات المختصة بإجراء دراسة مسحية شاملة للسكان، وفقاً لما تقتضيه الظروف والدوافع الراهنة سواء ما يتعلق منها بالجانب الأمني والاقتصادي والاجتماعي والعلمي.