أما حكاية !!
هذا … أو الانفجار
إيهاب مادبو
ثمة مخاوف واحتمالات لسيناريوهات مظلمة تهدد وحدة البلاد ونسف وجودها ذات الهشاشة البنيوية في تركيبتها الاجتماعية والسياسية التي أصبحت مهيأة لهذا الانفجار أكثر من أي وقت مضى، وتصريحات قادة الجيش البرهان والكباشي المتزامنة تنحو إلى تنصل الجيش عن الاتفاق الإطاري بعد ضمانات من قوى إقليمية ذات تأثير على المشهد السوداني وهو ما ستؤكده قرارات عسكرية مرتقبة تمهيداً لفصل جديد لإعادة تدوير الدائرة التي تعارف عليها السودانيون بالدائرة الخبيثة (ثورة/انتفاضة، حكومة انتقالية، ثم حكومة عسكرية بالدبابة).
والمشهد السياسي السوداني تتحكم في صيرورته مخابرات دول الإقليم من حولنا نتيجة (تيبس) العقل السياسي السوداني عن الإنتاج وقصوره في قراءة اتجاهات المستقبل بفك الجمود السياسي بعيد انقلاب الخامس والعشرون من أكتوبر وما ترتب عليه من أوضاع
ثلاث كتل سياسية وهي قوى الإعلان السياسي والكتلة الديمقراطية بجانب الشيوعي والبعث وحركات الكفاح المسلح تفشل تماماً في قراءة تلك السيناريوهات بما يمنع ذلك من انحدار الأوضاع نحو الهاوية والحرب الأهلية وفي مقابل ذلك يلعب قادة الجيش على تناقضات وتاكتيكات الخطاب السياسي لهذه القوى بسياسة النفس الطويل.
لعبت بعض مخابرات دول الجوار من حولنا دوراً بارزاً في تموضع الأوضاع بالسودان لما يخدم مصالح تلك الدول وفق استراتيجية تلك الدول في حماية مصالحها في السودان خصوصاً قضية المياه والعمق الاستراتيجي للبحر الأحمر وهي بذلك لا تهمها تطلعات الشعب السوداني في التحول الديمقراطي.
وقضية سد النهضة والبحر الأحمر محوران مهمان لكل من مصر وإسرائيل من ناحية، والإمارات والسعودية من الناحية الأخرى، وهو ما جعل الموقف السعودي والإماراتي يتباين مع الموقف المصري من القضية السودانية مؤخراً.
فبينما كانت كل من السعودية والإمارات تتشددان في مواقفهما ضد جماعة الإخوان المسلمين، بل وسعت إلى تصنيفهم جماعة إرهابية بمصر بعد أن وفرتا لنظام السيسي غطاءً سياسياً وأودعتا في خزينته مبالغ مالية كبيرة ساعدت في تعافي اقتصاد مصر المنهار وعكس ذلك تحول السيسي إلى التماهي مع إخوان السودان فاستضافت مصر رئيس المخابرات السودانية صلاح قوش، وكما أحضرت القاهرة طائرة خاصة اخترقت الأجواء السودانية لنقل القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد طاهر إيلا الى أراضيها.
تلعب قضية التطبيع عاملاً مهماً في تموضع الأوضاع السياسية بعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي كوهين للخرطوم مطلع الأسبوع الماضي وتمزيقه لـ(لاءات) الخرطوم الثلاث، فيما يمكن وصفه بالصفقة السياسية ما بين بقاء الجيش في السلطة والتطبيع.
وإسرائيل تعلم جيداً أن السلطة المدنية لا يمكنها القيام بعملية التطبيع وهي السلطة السياسية من أقصي اليمين إلى أقصى اليسار التي سارعت بعد زيارة كوهين إلى إصدار ببيانات ترفض فيها عملية التطبيع وتتمسك بلاءات الخرطوم الثلاث في الستينيات.
وهي المخاوف التي جعلت من إسرائيل أن تعيد خلط الأوراق تماماً بالسودان وتعطي الجيش إشارة خضراء في تشكيل حكومته العسكرية ونقض التزاماته مع كل القوى السياسية وكتلها المختلفة في تسارع للأحداث وهي إسرائيل تعلم مسبقاً أن السلطة المدنية قد تشكل لها حاضنتها السياسية صداً منيعاً لعملية التطبيع.
وعملية التطبيع السوداني الإسرائيلي هو في الأساس تطبيع عربي/ إسرائيلي تلعب في تحقيقه دول الخليج لتأمين مصالحها في السودان الأمر الذي يجعل من عملية التطبيع السوداني الأسرائيلي موقفاً استراتيجياً، وبالتالي هذا يعني قبولها بصفقة الحكومة العسكرية مقابل التطبيع.
هذه القراءات تطلب من كافة الفاعلين في المشهد السياسي إلى التسامي قليلاً فوق الخلافات وتغليب مصلحة البلاد على من سواها من تاكتيكات لأن صون حدة تراب هذه البلاد يجب أن يتصدر أجندة كل مكوناتنا السياسبة وهو ما يجب أن تبحث فيه تلك القوى من صيغ ومقاربات مثل ما جرى فى دول الجوار الأفريقي من حولنا (جنوب أفريقيا وراوندا).
إن المصالحة والحقيقة يجب أن تكون هي الخطوة الأهم في دفاتر أجندة الأحزاب السياسية لمعالجة أزمات البلاد المتراكمة التي كانت واحدة من أسباب الحروب والنزاعات في السودان.