الفريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد يكتب لـ(اليوم التالي): العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات!!

الفريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد يكتب لـ(اليوم التالي): العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات!!

 

بسم الله الرحمن الرحيم

العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات!!

الأزمة السياسية الحالية سببها الرئيس هو تسليم السلطة للمدنيين وهل يعني ذلك أن مشكلة السودان الوحيدة هي تسليم السلطة للمدنيين؟!! وهل يعني تسليم السلطة للمدنيين أن كل مشاكل السودان ستحل فوراً؟!! المدنية لا تعني (مدنيين ضد عسكريين)، كما صورتها قحت ولكنها تعني دولة المؤسسات والقانون والحوكمة والرقابة والمحاسبة والنظام والشفافية والنزاهة والصراحة والمكاشفة والوضوح.. الأصل في السلطة أن تتولاها جهة منتخبة وليس هنالك ما يسمى بشرعية الشارع أو شرعية الثورة، فالقانون الدولي، وكل المواثيق والمعاهدات الدولية لا تعترف إلا بسلطة منتخبة سواء كانت مدنية أو عسكرية. شرعية الشعب التي تدعيها قحت تتحقق عبر صناديق الانتخابات، ولكن من يستطيع أن يقنع قحت بذلك؟!!. الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تعطي حقوقاً متساوية لكل المواطنين للمشاركة في الشأن العام طبقاً للمادة (25) التي تتحدث عن أن كل المواطنين لهم الحق في المشاركة في الحكم والإدارة وتضمن المشاركة الحق للمواطنين في الانتخاب وتولي الشأن العام عن طريق الاقتراع..

كلمة مدنية تعني أن الشخص الذي يحكم هو الشخص المنتخب سواء كان مدنياً أو عسكرياً والشريكان لا يوجد تفويض شعبي لهما في هذا المجال وما تم في 11 أبريل 2019م كان انقلاباً عسكرياً كامل الدسم لأنه أسقط حكومة مدنية منتخبة، من هذا المفهوم لا يحق للمدنيين المطالبة بإبعاد العسكريين من السلطة.

العسكرية ليست معياراً للدكتاتورية والشمولية حيث يوجد بعض المدنيين أكثر دكتاتورية من العسكريين، كما يوجد بعض العسكريين أكثر ديمقراطية من المدنيين، والتاريخ السياسي في كل دول العالم حافل بذلك.

قحت بمفهومها الخاطئ للمدنية حولتها الى صراع بين المدنيين والعسكريين حول السلطة فأحدث ذلك شرخاً عميقاً في العلاقات بين المدنيين والعسكريين وفاقم من دائرة اتساعه خطاب الكراهية ضد العسكريين والإساءة لهم والسخرية والاستخفاف بهم!! لا يمكن لهذا الجرح العميق أن يندمل تحت ظل الشكوك المتبادلة وانعدام الثقة وحالة الاستقطاب الحاد وهذا الموقف أصبح أكبر مهدد للأمن القومي السوداني حيث أن الجبهة الداخلية أصبحت غير متماسكة وغير موحدة وهذه ثغرة واهنة في النسيج الاجتماعي القومي للدولة تستغلها القوى الخارجية لتنفيذ أجندتها الخاصة.

كل شعوب العالم تحترم جيوشها لأنها رمز للعزة والسيادة الوطنية إلا قحت التي تسئ الى جيشها وتتعامل معه كعدو مما أثار استغراب معظم شعوب العالم!!. تآمر قحت على الجيش كشفه تسليمها للقضايا الجوهرية العالقة للآلية الثلاثية والرباعية لتفتي فيها وأهم هذه القضايا الجوهرية هو الإصلاح الأمني والعسكري.

هكذا رهنت قحت مستقبل ومصير السودان للقوى الخارجية فهل بعد كل هذا تصبح مؤهلة للحكم؟!!. التسليم لا يبرئ قحت من تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء والخدمة المدنية.

الآن بعد أن تكشفت النوايا الحقيقية لقحت هل يمكن للبرهان أن يمضي معها في تنفيذ الاتفاق الإطاري حتى يتم تفكيك الجيش تحت قيادته؟!! الاتفاق الإطاري نصّ على أن يتم تنفيذ الإصلاح العسكري المتفق عليه في الدستور الانتقالي (غير المعلوم) وفق خطة الحكومة الانتقالية بواسطة قيادة القوات المسلحة!!.

هل يمكن للقائد العام للجيش أن يقبل بذلك؟!! هذا لعب بالنار وتهديد مباشر لكيان الدولة. إنني على ثقة وقناعة تامة بأن البرهان لا يمكن له أن يلعب هذا الدور لصالح الثلاثية والرباعية وأنه سيتخذ القرار الحاسم المناسب لوضع الأمور في نصابها الصحيح بعد أن تكشف له حجم التآمر الخارجي الذي تتعرض له الدولة. المبادرة المصرية التي كانت تسعى لوفاق شامل قاطعتها قحت وقد برهنت المقاطعة على أن قحت هي التي تعرقل التسوية السياسية والتحول الديمقراطي في البلاد. كما برهنت أيضاً مقاطعتها لوساطة البرهان مما قاده لسحب وساطته. كل هذا يؤكد أن قحت هي التي تعرقل التسوية السياسية والتحول الديمقراطي وتقطع الطريق أمامهما. قحت شحنت الشارع بشعارات مضللة بمطالبها بحكومة مدنية غير منتخبة لا شرعية لها، بينما العسكريين الذين اكتسبوا شرعيتهم المؤقتة بإسقاطهم للنظام السابق الذي سقط من داخله وليس بمظاهرات قحت أو الحصار الخارجي. من الطرائف والمفارقات أن أصحاب الشرعية المؤقتة (العسكريين) أعلنوا عدم مشاركتهم في الحوار وتركوا أمر الحوار للمدنيين ليتفقوا فيه، ولكن المدنيين الذين لا شرعية لهم أصبحوا يطالبون بتسليمهم السلطة بدون انتخابات أو توافق وطني شامل!!. سياسة الإقصاء التي تبنتها قحت ضد خصومها السياسيين ستقود الى عزلتها السياسية داخلياً وخارجياً بعد أن أصبحت تقف اليوم في مواجهة الشارع السوداني والمجتمع الإقليمي والدولي وهكذا تكون قد جنت على نفسها براقش!! كل هذا يعتبر مؤشر قوي على أن قحت أصبحت تصنع الأزمة وتفشل في إدارتها!!

الجانب القانوني يضبط العمل السياسي ويؤطره حتى لا ينحرف عن الهدف المنشود وهذا ما ترفضه قحت التي لا ترغب في الذهاب الى صناديق الانتخابات بينما البرهان يعلن صراحة (العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات).

متى تدرك قحت أن صناديق الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة والآلية الوحيدة المتبعة في كل دول العالم للتبادل السلمي للسلطة؟!!.

هل توجد أي جهة في العالم بإمكانها إقناع قحت بأن تسليم السلطة لها لا يتم إلا عبر انتخابات حرة ونزيهة؟!!. قحت ظلت تسعى لتمديد الفترة الانتقالية لأطول فترة ممكنة حتى يكون السودان في حالة صيرورة دائمة وضعف تام حتى يصبح صيداً سهلاً للقوى الخارجية الطامعة في نهب ثروات وموارد البلاد وموقعها الجيوبولتيكي المميز. تخوف قحت من الانتخابات جعلها تلجأ لشرعية الشارع التي لا يعترف بها القانون الدولي ولا المواثيق والمعاهدات الدولية.

خلاصة القول: ليس هنالك نظام حكم متفق عليه عالمياً ويؤكد ذلك أن هنالك دول عظمى تنتهج النظام الشمولي واقتصادها أقوى من اقتصاد الدول الديمقراطية. كذلك تنتهج دول عظمى أخرى النظام الديمقراطي فكل شعوب العالم تختار ما يناسبها من أنظمة الحكم. العالم اليوم يسيره ويقوده الاقتصاد وليس السياسة، وهذه حقيقة تجهلها قحت تماماً التي تسعى للسلطة بدون أي مؤهلات.

ختاماً: الحكم ليس حصرياً على المدنيين فقط كما تدعي قحت كما إنه ليس حكراً للعسكريين. الكفاءة المهنية والوطنية والإخلاص في العمل والانتخابات هي الطريق الوحيد للحكم الراشد. وبالله التوفيق.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب