تقرير : الخواض عبدالفضيل
تسجل البلاد سنوياً أمطاراً غزيرة في الفترة الممتدة من مايو إلى أكتوبر، تتسبّب بسيول وفيضانات وتدمّر ممتلكات وبنى تحتية ومحاصيل زراعية وتدفع آلافاً من المواطنين لقضاء أيام السيول في العراء.
وفي خريف هذا العام كشفت إحصاءات رسمية عن تسبب الفيضانات هذا العام بمقتل 79 شخصاً، فيما أعلنت السلطات، الأحد، حالة الطوارئ في ست ولايات من بينها نهر النيل، بعد أن غمرتها المياه.
وتأتي أزمة السيول في وقت تعاني البلاد أزمات سياسية واقتصادية منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وبحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، استناداً إلى أرقام رسمية، فإن 460 ألف شخص قد يتأثرون بالفيضانات هذا العام في البلاد، وأن 146 ألفاً تأثروا حتى الآن، و31 ألف منزل دمرت أو تضرّرت.
فيما سجل متوسط عدد الأشخاص المتضررين كل سنة بين 2017 و2021 يبلغ 388,600.
بيد أن جدل الكارثة الإنسانية تحول إلى مضمار السياسة؛ عقب البيانات التي أصدرتها عدد من الأحزاب والقوى السياسية؛ تخلص إلى إلقاء اللوم على المؤسسة العسكرية.
فلاش باك
وجه رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان؛ بوضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار وتقديمها على كل القضايا الآنية الأخرى بما يكفل له الحياة الكريمة والمستقرة. وشدد رئيس مجلس السيادة – لدى لقائه مجلس إدارة مشروع سكر النيل الأبيض، خلال جولته التفقدية للولاية، يرافقه عضو مجلس السيادة الطاهر حجر ووزير الري المكلف ضوالبيت محمود ووالي الولاية المكلف عمر الخليفة عبدالله – شدد على ضرورة العمل على معالجة كافة الترع و العقبات التي قد تتسبب في زيادة الضرر على المتأثرين بالسيول والأمطار. زيارة البرهان؛ رغم انتقاد البعض لها متعللين بتأخرها إلا أنها قد تكون رفعت الروح المعنوية للمواطنين المتضررين، وكسرت جبرهم بطاقة إيجابية؛ كونها أتت من الرجل الأول في الدولة، ولم يقف الحد عند ذلك، بل استجابة رجال الأعمال لنداء الوطن أوضحت مدى تعاون والتحام الشعب السوداني مع بعضه البعض في السراء والضراء.
فشل النخب
قال الباحث والمحلل السياسي الأستاذ أحمد عابدين لـ(اليوم التالي)؛ إن هنالك حديثاً مفروغ منه هو أن القائد العام للقوات المسلحة قومي؛ بحكم أن الجيش مؤسسة قومية وأحد وأقدم المؤسسات في الدولة فإن شابتها شائبة فهي بفعل الخلل العام للدولة منذ نيل الاستقلال، فالفوارق لم يصنعها البرهان أو غيره من الضباط، وإنما نتاج مماحكة وإرث سياسي فاشل للنخبة المدنية، تابع.. هذه النخب أساس تدخل الجيش في السياسة وهي من سقت ورعت بذرة المستعمر (فرق تسد)، ثم جعلتها منهجاً للاستغلال والاستخدام، فجعلت من يرتاد الكلية الحربية من لدنها، وفي ظل قصور التعليم وعدم انتشاره تمكنت الطبقات المدنية الحاكمة من حشد الجيش بضباط من مجتمعات محددة، ثم تأتي في كل حقبة لتدين الجيش بعدم القومية، وما أن يستقر لها المقام (تعود حليمة لتقديمه). وزاد.. ظلت بعض القوى تدعي عدم قومية الجيش؛ واستغلت السيول والأمطار حتى ترمي باللوم على المكون العسكري؛ خاصة بعد أن تم إبعادها من السلطة، وأضاف عابدين.. بأنه إذا تمت المقارنة مع تلك القوى في الوطنية؛ الجيش ستجده أكثر قومية ووطنية منها بمئات المرات.
ومضى قائلاً.. يتعرض البرهان والمؤسسة الأمنية كلها لتشويه من قادة مدنيين غير وطنيين وبلا ضمير، ويحاولون في سبيل كراسي السلطة فعل أي منكر.
أصحاب المال
لفت إلى أن دعوة البرهان لرجال المال والأعمال هي مبادرة كان ينبغي أن يقوم بها أصحاب المال؛ ويعرضون خدماتهم، فهذا شعبهم وهم مستفيدون منه قبل البرهان هذا يحسب لهم باستجابتهم للنداء، والمرجو منهم أن تزيد الدعومات لإصلاح مادمرته السيول بعد توقف الخريف، وشدد على وجوب شراكة ما بين القوات المسلحة ورجال الأعمال لتطوير البنى التحتية في عواصم الولايات، وبالذات العاصمة الخرطوم، والتي بهذا الوضع تحولت إلى مدينة أشباح وأردأ مدينة في العالم من حيث النظافة. منوها إلى أن زيارة رئيس مجلس السيادة للجزيرة؛ دفعة معنوية للمتضررين ولأهل جزيرة الخير، وهي تعكس مدى إحساس قائد القوات المسلحة بالكارثة وتفاعله الإيجابي معها، و يقطع الطريق على الشامتين الباحثين عن أي حفرة لدفن القوات المسلحة، تابع.. شاهدنا زيارة نائب رئيس مجلس السيادة دقلو للمتضررين في نهر النيل وكيف أراحت زيارته المواطنين هناك، فياليت بذات هذا التفاعل والتناغم أن يقرر الرجلان تعيين حكومة كفاءات عاجلة تضع حداً لهذا التدهور والتخبط والفوضى، فلن تنتج هذه المبادرات السياسية اتفاق تراضٍ شامل، وستضيع علينا سنة أخرى كما قال البرهان أول أمس: لقد أضعنا ثلاث سنوات من عمر البلد في الفشل والتنافس الحزبي الفاسد. نأمل أن تمثل هذه التحركات فعلاً صادقاً وحاسماً قبل ماتقع الفأس في الرأس.
جهوية وانحياز
يقول المحلل السياسي الدكتور احمد عثمان – خلال حديثه لـ(اليوم التالي)- إن تدشين الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة؛ سلسلة زيارات تفقدية للمناطق المتأثرة بالسيول والفيضانات التي من خلالها سجل زيارة إلى ولاية نهر النيل بمشاركة شركة الموارد المعدنية؛ التي قدمت دعم المسؤولية الاجتماعية لمحلية بربر التي تعتبر الأكثر تضرراً على مستوى السودان، وبعدها قام بتفقد منكوبي السيول والأمطار والفيضانات بولايتي الجزيرة والنيل الأبيض، وكان حريصاً فيها على إرسال سلاح المهندسين للبدء في عمليات الإغاثة وضخ المياه وفتح القنوات قبل زيارته لتلك المناطق المنكوبة.
وجزم بأن الفريق أول عبدالفتاح البرهان قد أراد بتلك السلسلة من الزيارات الميدانية دحض أي ادعاءات بأنه جهوي منحاز لأهله على حساب بقية أهل السودان وأضاف.. أما ما يخص اجتماعه برجال الأعمال وحثهم على التبرع للمناطق المتأثرة بالسيول والفيضانات فهو أيضاً يؤكد قدرته على حشد القوى الاقتصادية حوله لتنفيذ مشروعات الدعم للمتضررين من السيول والأمطار والفيضانات، وفي ذات الوقت يؤكد للجميع بأن في السودان حكومة انتقالية لا زالت ممسكة بقوة بمقاليد الأمور.
مزايدة في الكوارث
في ذات السياق؛ قال الكاتب والمحلل السياسي دكتور ابوبكر آدم عبد الكريم لـ(اليوم التالي)،
كل الأجواء الآن عدائية ضد الجيش، وكل القوات النظامية بصورة عامة، وتابع.. الآن لا توجد جهة في السودان بصورة واضحة حتى نحملها المسؤولية، زاد.. عندما تكون هنالك كارثة في أي مكان المسؤولية للتصدي لها دائماً ما تكون جماعية، القوات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني الكل مسؤول لايمكن أن نحمل ماحصل للقوات المسلحة فهي جزء من كافة الشعب السوداني مكمل لأي نقص يحدث في البلد، مشيراً إلى أن عملية المقارنة مابين زيارة البرهان إلى شندي والمناقل تكاد تكون مختلفة، خاصة أن في شندي صادف عيد الجيش لم يكن من المتوقع أن تحدث أمطار، فكانت المناسبة فجائية كل الشعب تفاجأ وليس البرهان وحده، لذلك كان لابد له أن بزور المتضررين في شندي.