نشر قوات مشتركة على الحدود بين إثيوبيا والسودان؛ ووضع علامات واضحة لتلكم الحدود أشواق تنتظرها أديس والخرطوم؛ لتتحقق في القمة التي أعلنت عن رعايتها جوبا بين أديس والخرطوم أمس الأول. وبحسب المراقبين يظل ملف الحدود هو الأهم في هذه القمة المرتقبه، لكن مُقربون من الملف كشفوا ل ( اليوم التالي ) إمكانية مناقشة المزيد من الملفات الساخنة مثل الاتجار بالبشر واتهامات إثيوبية بدور للسودان في الفشقة بإيعاز من إحدى دول الجوار، هذا بجانب الموسم الزراعي في المناطق الحدودية والمصالح بين البلدين ، ولم يستبعد مهتمون بالملف (الاثيوسوداني) حضور ملف سد النهضة في القمة المزمعة. ملفات تنتظر قمة ستتيح التفاوض المباشر لأول مرة بين إثيوبيا والسودان منذ مجهودات أبي احمد في ٢٠١٩ للتقريب بين المكون المدني والعسكري.
الخرطوم _ إبراهيم عبد الرازق
حدود تاريخية !
الحدود الإثيوبية السودانية هي الحدود الدولية التي تفصل بين إثيوبيا والسودان من الحدود الثلاثية – السودان وإثيوبيا وجنوب السودان –
حتى استقلال إرتريا في عام 1993، كانت هذه الحدود تمتد إلى البحر الأحمر في الشمال، وكان طولها حوالي 2200 كيلومتر. وفي عام 2011 تم تقليص الحدود بمقدار النصف تقريبًا بسبب استقلال جنوب السودان.
لم يتم الانتهاء من ترسيم الحدود، حيث توجد محادثات حديثة بين الدولتين من أجل الانتهاء من العملية التي بدأت في عام 2001، في وقتٍ أدانتها المعارضة الإثيوبية، باعتبار أنها منطقة غير آمنة تشهد مناوشات متفرقة بين الجيش الإثيوبي وقوات انفصالية.
مبادرة جوبا !
أعلنت دولة جنوب السودان الاثنين، عقد قمة مشتركة بين القادة في السودان وإثيوبيا لحل القضايا العالقة في ملف الحدود بين البلدين.
وتسبب إعادة انتشار الجيش السوداني داخل أراضيه واستعادة 95% من التي كانت مستغلة بيد إثيوبيين في توتر العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا، حيث تصل ذروة التوتر عادة مع بداية فصل الخريف، حين تحاول مليشيات مدعومة من إثيوبيا عرقلة فلاحة الأراضي الزراعية المستردة.
واستقبل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الاثنين، مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك الذي نقل إليه رسالة من الرئيس سلفا كير.
وأوضح قلواك بحسب بيان أصدره مجلس السيادة أن اللقاء تطرق للعلاقات السياسية بين البلدين وقضايا الحدود المشتركة بجانب العلاقات بين السودان وإثيوبيا وجنوب السودان، مبيناً أن العلاقات بين الدول الثلاث ستشهد مرحلة جديدة في مسيرة التعاون المشترك.
وقال ” هناك مبادرة من الرئيس سلفا كير لعقد جلسة بجوبا تضم رؤساء السودان وجنوب السودان وإثيوبيا لحل القضايا العالقة في ملف الحدود المشتركة”.
وفي سياق آخر تسلم البرهان رسالة خطية من سلفا كير ميارديت؛ دعاه فيها لحضور تخريج القوات المشتركة المنصوص عليها في اتفاقية السلام بجنوب السودان والمزمع في الثلاثين من أغسطس الجاري.
وأوضح توت – في تصريح صحفي – أن الدعوة للبرهان جاءت بصفته رئيس الدورة الحالية لمنظمة الإيقاد، التي تشرف على تنفيذ اتفاقية السلام بالجنوب؛ فضلاً عن أن السودان يعد الضامن الرئيسي لتنفيذ اتفاق السلام.
وأبان أن تخريج هذه القوات يعد بداية مهمة لتنفيذ الاتفاقية كما أشار إلى الدور الكبير الذي اضطلع به نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو في متابعة تنفيذ اتفاقية السلام بجمهورية جنوب السودان.
وفي مطلع الشهر الجاري أعلنت حكومة جوبا عن اتفاق الأطراف على تمديد فترة الانتقال لعامين إضافيين، بعد اتفاق بين الرئيس سلفا كير ميادريت ونائبه رياك مشار على تجاوز الخلافات حول موعد الانتخابات، واتفقت الأطراف على خارطة طريق مدتها 24 شهراً، لمواصلة تنفيذ بنود اتفاقية السلام المنشطة التي جرى التوقيع عليها في 12 سبتمبر 2018، بعد سنوات من قتال عنيف أودى بحياة آلاف الأشخاص.
قوات مشتركة
من جهته.. وصف استاذ العلوم السياسية د. راشد عبد الرحيم القمة بالأهمية القصوى؛ من حيث إزالة الاحتكاكات على الحدود، ومن ثم استئناف المصالح بين إثيوبيا والسودان، وأضاف راشد ل ( اليوم التالي )، الوضع الطبيعي أن تضع الدولتان العلامات في الحدود المتفق عليها حتى لاتحدث المناوشات، من المهم جداً أن تكون هذه العلامات واضحة لتمثل الفصل بين أراضي كل طرف، لكن هذا لم يتم حتى الآن، ويجب أن يتم بأسرع ما يمكن، وإذا أردنا أن نضيف بعداً آخر..فهو إيجاد قوات مشتركة لتأمين الحدود أسوة بالتجربة السودانية مع دولة تشاد. أما قيمة اللقاء في حد ذاته فتكمن في عملية تنمية مصالح الدولتين وإنهاء حالة التوتر في الفترة الأخيرة بسبب التناوش على الحدود؛ لا سيما أن طبيعة المنطقة الممتدة بين البلدين تتميز بدرجة عالية من الخصوبة، بالتالي تولد أطماعاً من جهات عدة لاستغلالها بصورة غير رسمية.
دعوة إثيوبية
ومن جهته.. قال خبير إدارة الأزمات والتفاوض اللواء د.أمين إسماعيل مجذوب، إن دولة جنوب السودان كوسيط مقبول بين دول حوض النيل يعتبر من إنجازات القيادة في دولة الجنوب، ونجحت في الوساطة في عقد اتفاق سلام جوبا، والآن تحاول الدخول في وساطة بين السودان وإثيوبيا؛ بإزالة الخلافات وتقريب وجهات النظر في الملفات الساخنة بين البلدين، وهي ملفات الفشقة وسد النهضة، وتابع مجذوب.. في تقديري أن هذه الوساطة جاءت بطلب من إثيوبيا لأنها تريد أن تعزل السودان من الملف المصري وتجعل السودان في حياد من التنسيق مع مصر، لذلك طلبت من جنوب السودان هذه الوساطة، بالتالي ستوافق على كل مايدور أو يطلب من أجندة خاصة بهذه الاجتماعات.
ولفت إلى أن ثمة إعادة تشكيل للمصالح في المنطقة وزاد.. إن إثيوبيا تعرف ماذا تريد وكيف تصل إلى ماتريد، وحث مجذوب الحكومة السودانية أيضاً أن تحدد ماذا تريد وكيف تصل إليه.
حزمة ملفات
وقال استاذ العلوم السياسية عبد القادر محمود صالح.. إن زيارة مستشار حكومة جنوب السودان ( جلواك) للخرطوم ولقاءه بالقادة السياسيين وعلى رأسهم السيد البرهان رئيس المجلس الانتقالي تأتي في إطار التشاور في إمكانية لقاء الإخوة الإثيوبيين في جوبا، وأضاف صالح ل ( اليوم التالي )؛ في تقديري أن هذه الزيارة لها ما بعدها لأنها تعد في اتجاه تطوير العلاقات بين السودان وجنوب السودان؛ الذي يستطيع أن يكون الوسيط المحايد بين أديس والخرطوم.
الزيارة تأتي في ظروف في غاية الصعوبة يواجهها كل من السودان واثيوبيا، على سبيل المثال الأزمة السياسية في السودان التي لم يستطع الفرقاء أن يجدوا لها حلاً، كذلك الأزمة في إثيوبيا بين الأطراف السياسية الإثيوبية والحرب الأهلية الدائرة ما يجعل أديس في أمس الحاجة لإيجاد مخرج للإشكالات مع السودان في الإطار الحدودي، في تقديري مبادرة جنوب السودان ستحظى بقبول من الطرفين؛ بحيث يتم فيها مناقشة كل القضايا الحدودية وعلى رأسها منطقة الفشقة، والتي تدعي إثيوبيا أحقيتها، وكذلك السودان؛ وما له من الأسانيد لأحقيته لهذه المنطقة.
وتابع صالح.. إن الخلافات كبيرة بين الجانبين، لكنها ستجد التسهيلات من جانب دولة جنوب السودان، ومضى.. جوبا تمثل الراعي الرسمي لهذا التفاوض، وفي اعتقادي أن هذا المسعى الحميد من قبل جوبا سيكون له آثار إيجابية؛ منها انطلاق التفاوض الثنائي المباشر بين أديس والخرطوم لأول مرة بعد مساعي أبي أحمد في ٢٠١٩ للتقريب بين المدنيين والعسكريين، وبعدها اتسمت العلاقات بالجمود والعدائيات، لكن يتوقع أن تزيل مبادرة جوبا هذا الجمود.
وتوقع صالح أن تؤتي المبادرة ثمارها في القريب العاجل؛ إذا خلصت النوايا من الطرفين، وزاد.. لا أستبعد أن يتم تناول ملف سد النهضة في هذا التفاوض المباشر، وكذلك القضايا العالقة بين البلدين، ومنها قضية الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والتفلتات التي تحدث بين الحين والآخر من مليشيات ( الشفته) بالتحديد، كما تدعي إثيوبيا، هذا بجانب الموسم الزراعي والخريف المبشر الذي تشهده المنطقة بين البلدين، ما يحتاج إلى استقرار وسلام، وإلا سيواجه المزارعون، من الجانبين، ظروفاً صعبة.